غسان كنفانى الأديب و المناضل الفلسطينى الذى عايش النكبات و اللجوء و التشرد كانت الأم رمزا ملازما فى رواياته ، المرأة لعبت دورا هاما فى حياة غسان فارتبط بوالدته كثيرا ، و بعد وفاتها كانت أخته الكبرى له بمثابة الأم . و زوجته الدانماركية كان لها أثر كبير على حياته و أدبه فكان يترجم لها كل ما يكتب و أهداها رواية " رجال فى الشمس " ، و ابنة أخته لميس الذى ارتبط بها بشكل كبير حتى أنها استشهدت معه و اختلطت دمائها بدمائه فى حادثة الاغتيال التى أودت بحياته على أيدى الصهاينة . فى كل رواية لغسان كانت تحمل صورة مختلفة للأم يجمعهم الظرف التاريخى و العادات و التقاليد المجتمعية ، فنجد فى روايته " أم سعد " شخصية واقعية عايشها و تأثر بها و كتب عنها قائلا :" أم سعد امرأة حقيقية أعرفها جيدا و مازلت أراها دائما و أحادثها و أتعلم منها و تربطنى بها صلة قرابة " . " أم سعد " فى الرواية هى " الشعب و المدرسة " كما كتب غسان فى إهدائه ، هى نموذج للمرأة الفلسطينة خاصة و المرأة بصفة عامة ، تجسد الطبقة الباسلة و المسحوقة و الفقيرة و المرمية فى مخيمات البؤس ، هى صوت الطبقة الفلسطينية التى دفعت زمن الهزيمة . فيعطى لنا غسان هنا صورة مميزة للأم التى تنطلق من مخيمات البؤس لتكون عاملا نشيطا فى حركة الثورة الفلسطينية ويقول غسان " هذة المرأة تلد الأولاد فبيصيروا فدائيين ، و هى تخلف و فلسطين تاخذ "، هذة الأم التى زرعت البذرة وقت الهزيمة ، متأكدة أنها ستنمو ، و أن من رحم الهزيمة سيولد نصر كبير ، لتصبح هنا أم سعد رمز للأمل و العطاء بلا حدود . "أم سعد " كانت رمزا للأم الكادحة التى تعى أن الثورة هى حياتها ، هى الصامدة كما وصفها غسان " قوية كما لا يستطيع الصخر ، صبورة كما لا يطيق الصبر "، هى جبل من الثبات داخله ألم و تعب و حسرة ، رغم الشقاء و القهر جبهتها عالية لا تنحنى ، و تضرب أم السعد للمناضلين درسا كبيرا بعدم التصديق بكلام الحكام و الزعماء ، تلك الوعود الخادعة . شخصية "أم سعد "أصبحت رمزا للفلسطينين فى العمل الفدائى ، ليخلد غسان على لسانها جملته الشهيرة " خيمة عن خيمة تفرق " ، فخيمة المنفى حبس ، و خيمة الفدائى اختيار ، تلك الأم التى يحترق قلبها على ولدها و لكنها تردد " لو كان لدى عشرة لأرسلتهم مثلما ذهب سعد ". من أكثر الروايات التى تجسدت فيها شكل الأم فى أروع تجلياته هى رواية " أم سعد " ، أما فى رواية " عائد إلى حيفا " أراد غسان أن يؤكد على أن الأم هى التى تربى و ليست الأم التى تلد . و فى روايته " الأعمى و الأطرش " نجد نموذج آخر للأم التى تؤمن بالمعتقدات القديمة و لا تؤمن بالعلم و الطب ، فتظن أن الحجاب سيشفى عينين طفلها ، تلك الأم التى بذلت من الدموع الكثير و تعرقت جبهتها و قدماها و هى تجرى خلف الأولياء علهما يكونا سببا فى شفاء صغيرها ، و فيها يجسد نموذج المرأة " العرض و الأرض المسلوبة " . أما فى رواية " رجال فى الشمس " نجد الأم فى ظل تبعيتها للرجل ، الأم الصابرة المغلوبة على أمرها ، حيث يقرر الرجل مصيرها و حياتها ، و فى رواية " ما تبقى لكم " فالأم هنا تمثل الوطن المفقود ، و هى الأمل .