جدلية الأضداد تفرض نفسها بقوّة منذ فترة في بوركينا فاسو، بعد أن كشفت المعارضة هناك أنّ حزب "المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم" الحاكم يخطّط لاستخدام مجلس الشيوخ الجديد (البرلمان) لتعديل المادّة 37 من الدستور، والتي تحدّد فترة الحكم الرئاسي بدورتين، تدوم كلّ منهما خمس سنوات. ملامح المشهد السياسي في بوركينا فاسو تنذر باندلاع مواجهة عنيفة بين قطبي المعارضة والسلطة، بعد أن كان المراقبون يعتقدون إلى وقت قريب بعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة في البلاد، أنّ المعركة حسمت في إطار استقطاب تعسّفي جمع تحت جناحه الأضداد المتناحرة على السلطة. وفي خضمّ النزاع المندلع بين الطرفين، دعت المعارضة إلى التعبئة، وطلبت من الرئيس بليز كمباوري الرحيل و"البحث عن وظيفة أخرى في الخارج". وعبّر الأمين العام المساعد لحزب "المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم"، مارسيل كوراوغو، والمكلّف بتعبئة شباب الحزب في حوار مع وكالة انباء "الأناضول" ، عن "التزام حزبه بالمضي قدما في التعديل الدستوري"، مشيرا إلى أن "مراجعة المادة 37 لم تعد موضوع نقاش". وقال مارسيل: "نقول ونكرّر بصوت عال أنّ تعديل المادّة 37 لم يعد موضوع نقاش". وأضاف: "الأهالي يسألوننا عن موعد الاستفتاء على تعديل المادة 37.. مناضلونا ينتظرون على أحرّ من الجمر.. ففي السياق الحالي، وطبقا للدستور، لم تعد المسألة مثارا للجدل، وحزب المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدّم يخوض حاليا معركة من أجل تعديل المادة المذكورة". "بليز كومباوري" والترشّح لولاية خامسة وبعد تعديل المادة 37 في مناسبات متتالية، تمّ تحديد فترة الحكم الرئاسي بدورتين تمتدّ كلّ واحدة على خمس سنوات. تعديلات منحت تأشيرة العبور ل "بليز كومباوري" للترشّح لولاية خامسة. وتولى الرئيس الحالي السلطة في بوركينا فاسو منذ عام 1987، ومن هذا المنطلق، ووفقا لمقتضيات آخر تعديل دستوري للمادة 37، فإنّه لن يتمكّن من الترشح للرئاسة بعد انتهاء مدّته في العام 2015، وهي نقطة ارتكاز سعت المعارضة إلى تحويلها إلى ثقل مضاد يقطع مع فرضية تعديل آخر للمادة الدستورية المذكورة. موقف اعتبره الأمين العام المساعد للحزب الحاكم "كوراوغو" مجرّد "فورة سياسية" سرعان ما تتلاشى، مشيرا إلى أنّ الاستقالات الأخيرة صلب حزبه، والتي جاءت على خلفية طرح مشروع التعديل الدستوري، بغير ذات أهمّية. وقال كوراوغو: "وصلتنا قرارات بالاستقالة، لكنّها لا تعدّ بالآلاف، ولا يمكن اعتبارها حدثا في حدّ ذاتها.. اقولها وأعيدها إنّه ليس حدثا". "كوراوغو" استطرد بلكنة يشوبها الغضب "لقد تبيّن لنا وجود تحوّلات داخل الحزب منذ سنة 2012، أي عقب انعقاد مؤتمرنا". وإضافة إلى إلغاء تحديد المدّة الرئاسية، دعا الرئيس "كمباوري" إلى تشكيل غرفة برلمانية ثاني، وهي دعوة قال عنها "ليون شارل واتارا"، نائب عن حزب "الوحدة من أجل التقدّم والتغيير"- أحد أهمّ أحزاب المعارضة- إنّها "تعكس قرارا يهدف لخدمة طموح شخصي". "في بلادنا، هناك الكثير ممّن يرزحون تحت خطّ الفقر، فهل يعقل انفاق المليارات في أمور مماثلة؟ هل هو الوقت المناسب حقّا لصرف المليارات (حوالي 75.3 مليار دولار) من أجل غرفة برلمانية ثانية لا أهمّية لها؟ "، أضاف "واتارا" للأناضول. وتابع: "الرغبة في تشكيل الغرفة الثانية نابع من محاولة تغيير المادة 37 عن طريق البرلمان". وحول ما يمنحه الدستور في بوركينا فاسو من صلاحية لرئيس الجمهورية بإجراء استفتاء حول مشروع التعديل الدستوري، قال "واتارا" إنّ المعارضة "لا تريد غرفة برلمانية ثانية، ولا تعديلا دستوريا، ولا استفتاء"، مضيفا: "المعارضة لا تهتم إلاّ بالانتخابات الرئاسية القادمة، وتطلب من الرئيس الرحيل". "واتارا" ختم حديثه قائلا: "ستكون فكرة رائعة أن يتمّ إبعاد الرئيس إلى مكان ما.. نحن لا نريد رئاسة مدى الحياة، لذا فليجد لنفسه وظيفة في الخارج.. لقد عملنا نحن أيضا هناك، فليستلم دوره الآن".