من الجاهلية لغزو العراق.. هل يعيد التاريخ نفسه؟ محيط - خاص ** قراءة / عبد الله الوصالي مشهد من المسرحية تبدأ مسرحية " طَرَفَة على الجسر " للكاتب المسرحي عبد العزيز السماعيل و التي مثلتها فرقة جمعية الفنون بالإحساء بالمملكة العربية السعودية، بتجسيد حدث تاريخي. المتلمس و ابن أخته طرفة ابن العبد في طريقهما إلى البحرين، وهي ليست البحرين المعروفة حالياً بل هي منطقة الإحساء شرقي المملكة العربية السعودية في الوقت الحالي ، قادمين من العراق وبيد كل منهم عريضة، يصادفان عرافا. يدور النقاش بين العراف و الاثنين يتهم فيه طرفة العراف بأنه معتوه فيرد عليه العراف بأن( المعتوه هو من يحمل حتفه بيده) . هنا ينتبه خاله المتلمس ويدفع بالعريضة التي في يده للعراف ليقرأها فيجد فيها أن (عمرو ابن هند يأمر واليه على البحرين (المكعبر) بأن يقتله حال اطلاعه على الكتاب.. ويرفض طرفة أن يصنع مثل خاله ويصر على أن عمرو ابن هند (لا يجرؤ عليه). يودّع المتلمس ابن أخته فيفترقان ثم ينتهي طرفة في سجن المكعبر الذي لا يدري ماذا سيفعل به فهو ذو قرابة وفي نفس الوقت لا يريد أن يغضب الملك (عمر ابن هند). ينتهي هنا الجزء الأول من المسرحية الذي يأخذ الشكل التقليدي في تجسيد الشخصيات فجميع عناصر العرض الفنية من ديكور وإضاءة وصوت كانت توحي بمشهد تاريخي يروي القصة المعروفة. و يبدأ الجزء الثاني من المسرحية حين يهرب طرفة بن العبد من سجن المكعبر و هنا نرى كيف أن المؤلف من أجل مسرحة الحدث و توظيفه على إسقاطات الحاضر حوّر القصة وجعل هروب طرفة، الذي في الحقيقة انتهى به المطاف في الواقع التاريخي قتيلاً لدى المكعبر،ممكناً فيهرب إلى أن يصل العراق وقد مر أثناء هربه بمجتمعات عربية مختلطة نرى ذلك في اللهجات ذات الخصوصية القطرية لكل بلد... وصل طرفة للعراق التي سنستدل منها على المغزى الذي أراده نص المسرحية البصري،على الأقل. في جزأها الثاني تنتقل المسرحية نقلة نوعية حيث يستخدم المخرج زكريا المؤمني إسقاطات الشخصية ونهايتها الدرامية التاريخية على الواقع الحالي فيستضيف طرفة العصر الجاهلي فيما بعد غزو العراق سنة 2003م ليحتدم الصراع بين العربي الأشم طرفة وبين الواقع العربي المرير. مشهد من المسرحية ويقودنا المعنى المباشر للعرض إلى حالة بكائية على وضعنا الراهن ، ويشير مشهد المتلمس و هو يهز وسطه تحت الضوء الأحمر، و ما للون الأحمر من دلالة، إلى حال ابتذال القيم العربية الأصيلة تحت وطأة المحتل الأجنبي( يجسده في المشهد جنديان أجنبيان يحيطان بالمتلمس المتراقص) و لكن إذا كان الأمر هو فقط ما يشير إليه المعنى السابق فلماذا لم يتم اختيار شخصية أخرى غير طرفة كعنترة مثلاً صاحب الفروسية الطاغية و المثاليات العالية ؟ أو أبو فراس الحمداني الذي تحكي سيرته انه التحم بشكل مباشر مع الروم/ الغرب ؟ و لماذا العراق وليس فلسطين مثلا التي هي الجرح الأغزر نزفاً و الميدان الأكثر إذلالا لنا نحن العرب ً؟ .. هنا تأتي قراءة أخرى أكثر عمقاً للمسرحية : لا تصور شخصية طرفة السمات الشكلية للشخصية النمطية العربية فقط بل تتعداها إلى سماتها النفسية السلوكية المشتهر عنها وتظهر شخصيته التي أداها بإتقان الفنان "سلطان النوَّه" جوانب مما تتميز به تلك الشخصية فهو: • فارس عاشق يظهر ذلك في ترديده أبيات حبه لخولة والمنشورة بمعلقة طرفة بن العبد: لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد * • سريع اللجوء إلى السيف: يظهر ذلك في سحب طرفه لسيفه من غمده في المقهى العراقي كلما غضب • معتد بنفسه: في قوله (إن عمرو بن هند لا يجرؤ علي) رغم ما لعمرو ابن هند من سطوة حينها. • لا يقرأ ولا يحفل بتعلم القراءة ( في لجوئهم للعراف، ووصفه العراف بالمعتوه رغم تفوق العرّاف عليه في استشراف المستقبل وقراءة الخط) قيم الماضي تزاحم حلول العصر نأتي إلى الحالة التي استخدم فيها حالة الإسقاط التاريخي ونرى كيف تحدث الكوميديا السوداء حين تصر قيم الماضي على مزاحمة حلول العصر ؛ فتلك الصفات و التي بلا شك يتعاطف معها الكثيرون في سياقها التاريخي لا تبقى كما هي الآن حيث العصر و أدواته وطرق التفكير و معايير الحكم على الأشياء أصابها الكثير من الاختلاف. و لو أردنا أن نقرأ تلك المميزات بلغت العصر، فإن تلك الصفات النمطية عن الشخصية العربية، فيما عدا العشق، أصبحت تعني في سياقها المعاصر على التوالي: لجوئه إلى السيف لم تعد نجدة وشجاعة بل تهور و رعونة. الاعتداد بالنفس لم يعد أنفةً وشرفاً و إنما شوفينية وغرور. عدم القراءة لم يعد امراً ممكناً و من يفتقدها ينعت بالجاهل.
مسرحية تدين صدام الشخصية العربية الممثلة في طرفة - كما جسدها العرض المسرحي وأوضحتها رؤية مؤلفها - هي نموذج عن شخصية عربية عراقية كانت الأبرز في المشهد العربي و العالمي في العصر الراهن، شخصية كانت تسمى سيف العرب وكانت تمتشق السيف في أكثر من مشهد من مشاهدها الدعائية المعدة سلفاً كما يتصف بصفات منها اللجوء للسيف في أدنى حالات الخلاف دون تقدير العواقب ( في غزوه للكويت أو دخوله في حرب مع إيران) ، كما انه ظن مثلما ظن سلفه طرفة في عمرو ابن هند، أن الدول الغربية لن تجرؤ على إخراجه من الكويت، رفض أيضاً، كرفض طرفة نصيحة العرّاف، عرض التراجع و اللجوء إلى روسيا الذي تقدم به (بريماكوف) في اللحظات الأخيرة قبل غزو العراق. ثم تأتي النهاية الدرامية لكلا الشخصيتين لتؤكد وحدة المصير، فيقع طرفة في أيدي المحتل تماماً مثلما وقع الزعيم المعاصر في يد بريمر حين قال لقد امسكنا به (we got him ) .. وأرى أن أي شخصية لتجسيد هذا المعنى مهما كانت لن تكون بجدارة شخصية طرفة كما أن المكان لا يمكن أن يكون سوى العراق.