تمر هذه الأيام الذكري الرابعة لرحيل المفكر والفيلسوف الفلسطيني إدوارد سعيد. في 1 نوفمبر 1935 ولد إدوارد سعيد في القدس لعائلة مسيحية ، وأصبح لاجئا مع عائلته بعد تقسيم فلسطين عام 1947 وانتقل إلى القاهرة للعيش مع أقاربه. درس سعيد في مدرسة سان جورج ، ثم في كلية فكتوريا التي طرد منها عام 1951 وقرر والداه إرساله إلى المدرسة التحضيرية في ماساشوستس في الولاياتالمتحدة، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة برنستون عام 1957 م ثم الماجستير عام 1960 والدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1964 م بإطروحة عن أدب جوزيف كونراد . عمل أستاذا للأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك، وتجول كأستاذ زائر في عدد من كبريات المؤسسات الأكاديمية مثل جامعة يايل وهارفرد وجون هوبكنز. تحدث العربية والإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وألم بالإسبانية والألمانية والإيطالية واللاتينية. اهتم بالأدب المقارن والفلسفة والموسيقى والسياسة، وقد عرف منذ صباه بشغفه بالقراءة والموسيقى حتى أصبح كاتبا ومفكرا كبيرا وعازفا على آلة البيانو. وكان إدوارد سعيد عضوا بالمجلس الوطني الفلسطيني طوال 14 سنة قبل أن يستقيل عام 1991 بسبب معارضته الشديدة لبعض مواقف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وقد عرف سعيد خلال العقود الثلاثة الأخيرة بمواقفه الجريئة وكتاباته عن الوضع بالشرق الأوسط التي يدافع فيها عن القضية الفلسطينية وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة. رحل في إحدي مستشفيات نيويورك 25 سبتمبر 2003عن 67 عاما نتيجة اصابته بمرض اللوكيميا. إدوارد سعيد والإستشراق ************** تتركز معظم افكار سعيد في عملين عملاقين هما " الاستشراق " 1978 ، و" الثقافة والامبريالية " 1993 . وشكلت حرب يونيو 1967 بين العرب وإسرائيل انعطافة كبرى في سيرة حياة إدوارد سعيد ، إذ بدأ يمعن النظر في هويته الثقافية كفلسطيني، دون أن يؤثر ذلك على انتمائه الواسع إلى الإنسانية. ويري أيمن شرف أن كتاب إدوارد سعيد "الاستشراق.. المعرفة.. السلطة.. الإنشاء" ليس مجرد دفاع ضد مستشرقين يقدحون في الإسلام كما يخيل لكثيرين بل هو بناء فكري في ثلاثة مستويات: الأول هو افتراض التناقض الجذري بين الشرق والغرب تناقضا يصاغ في ثنائيات من اللاعقلانية والبدائية واللاأخلاقية التي يوسم بها الشرق مقابل العقلانية والتقدم والفضيلة الغربية. ويكتشف إدوارد سعيد أدلته عليه عند كُتاب متنوعين، مثل أسخيلس، ودانتي، وفلوبرت، ورينان، ولورد بلفور، وبرنارد لويس، وحتى لدى كارل ماركس المتعاطف مع المستضعفين والمظلومين تحت نير الاستعمار القديم، ولكنه لم يستطع الخروج من هيمنة معرفة الاستشراق وسلطته -حسب إدوارد سعيد- حين يسوغ تدمير بريطانيا للهند بهدف خلق ثورة اجتماعية اقتصادية حقيقية فيها.. وهو ما كان سببا لاشتباك عدد من الماركسيين مع إدوارد سعيد. والمستوى الثاني يتمثل في العلوم المختلفة؛ مثل الأنثروبولوجي وعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد... المكونة للدراسة الأكاديمية للاستشراق التي تعكس وتدلل ثانية على التعارض الجذري عند المستشرقين. أما المستوى الثالث فهو المؤسسات التي تخدم إدارة الاستعمار الغربي للشرق، ويرصد سعيد الارتباط بينها جميعا لتكون معا نظاما للحقيقة والسيطرة، وهيمنة مركبة يمكن من خلالها نقل وترجمة النصوص التي أصبحت أساس علم الاستشراق، والتي استخدمت لإثبات بداوة وانحدار وتعصب الشرق، وبالتالي ضرورة رسالة الغرب الحضارية له. وتقول منيرة مصباح ان الدكتور إدوارد سعيد أدخل في بحثه روحية الشرق التي لم يستطع المستشرقون الغربيون فهمها. تلك الروحية المعبرة عن صفاء الحضارة العربية ومحبتها، كما يحاول الكتاب الذي يحمل طابع ثقافة الباحث الأدبية، جمع مختلف التيارات الأدبية والتاريخية التي تناولت موضوع الشرق العربي، في محاولة جادة لكشف نقاط الخلل، في تلك المواقف الاستشراقية التي تركز علي حرية الخيال الأوروبي، والذي أدى في النهاية إلى سوء فهم العمليات التاريخية للمشرق العربي، وذلك من منطلق المقارنة بين الشرق والغرب، دينيا وثقافيا وأخلاقيا، ما أفرز سلسلة رؤى شرقية سوداء. إضافة إلى العالم العربي الذي أصبح بنظرهم ميتا، وبعيدا عن الزمان والمكان، وبؤرة للشرور والإرهاب والفساد والمسرات. وقد قصد سعيد بكتابه: "ضرورة تحدي الضغوط والصراعات الكبرى التي تعمل على تقسيم البشر في شكل زائف إلى وحدات كبرى تحت عناوين؛ مثل: أمريكا أو الغرب أو الإسلام، لكل منها هويته الشمولية التي تطمس التباينات الكبيرة بين الأفراد، ولا يزال في حوزتنا من أجل ذلك المهارات التفسيرية العقلانية التي خلقها التعليم القائم على مبدأ الإنسانية، التي لا يعني التزامها مجرد الحنين إلى القيم الكلاسيكية بل الممارسة الناشطة للخطاب النقدي العقلاني اللصيق بعالمنا".