السيستاني... صمام الأمان د. سامي ناصر خليفة قد يبرر الساسة في الحكومة العراقية حاجة العراق إلى استمرار تواجد القوات الأميركية لعقد أو عقدين مقبلين لمواجهة الأخطار الداخلية هناك! وقد يبرر البعض منهم وجود القواعد العسكرية مادامت آلاف من عناصر تنظيم «القاعدة» ومعهم المتطرفون يتخذون من العراق مركزاً لعملياتهم الإرهابية في المدن العراقية! وقد يبرر هذا البعض أن وجود هذه القوات الأميركية في العراق قد يعطي وقتاً أطول للحكومة العراقية لبسط الأمن والتمكن من السيطرة على بلد دمره النظام العراقي السابق تماماً! وقد يقول هذا البعض إن دول المنطقة تعج بالقواعد الأميركية على أراضيها، فما الجديد الذي ستقدم عليه الحكومة العراقية في حال زادت تلك القواعد العسكرية قواعد أخرى إضافية؟ قد... وقد... وقد... ولكن حقيقة الأمر هي أن تلك التبريرات كلها تصبح بلا معنى ولا مضمون حين تتدخل المرجعية الشرعية التي تمثل صمام الأمان في العراق لتفرض موقفها، وهذا بالضبط ما رأيناه اليوم من تصدي آية الله السيستاني للاتفاقية الأمنية بين الحكومة العراقية وقوات الاحتلال الأميركي واضعاً فيتو على بقائها ومنهياً لأي أمل في تفاوض قد يؤدي إلى موقف وسطي يقبله الطرفان العراقي والأميركي. آية الله السيستاني الذي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه الضامن الرئيس لأي انحراف في مسيرة القيادة السياسية العراقية، وأنه الرجل الأقوى الذي إن قال كلمته تتراجع القوى السياسية والأحزاب كلها في الحكومة العراقية وخارجها أمامها. ومن يراجع مواقف السيستاني تجاه قوات الاحتلال الأميركي في العراق منذ سقوط نظام صدام التكريتي يجد أنها تمثل التحدي الأكبر والمقاومة الأكثر جدوى لتلك القوات التي قد تتوافق مصالح العراق الاقتصادية أو الأمنية مع بقائها فترة زمنية ما، ولكن بالتأكيد لا توافق شرعياً ولا اجتماعياً ولا قيمياً يمكن أن يُؤسَّس عليه هذا البقاء. من هنا يصبح السيستاني سيد الموقف والرأي النهائي كونه يمثل المرجعية الدينية المتفق عليها والرؤية الشرعية المحترمة لدى المرجعيات السياسية والتي لا يمكن تجاوز رأيها في حال قررت. لقد نجح الحكم في العراق في بناء حالة تكامل بين المرجعيتين السياسية والدينية، وها نحن نلمس ثمارها حين تتعلق بالمصلحة العليا للشعب العراقي العربي والمسلم، وكم نتمنى من الأنظمة العربية الأخرى، خصوصاً التي رضخت للإدارة الأميركية وسلّمت لها الخيط والمخيط، أن تتعلم من العراق كيفية بناء مرجعية دينية تكون صمام أمان يحافظ على البعدين الشرعي والقيمي من الانتهاك. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 24/6/2008