اسرائيليات!! محمد خرّوب ثمة في اسرائيل، من لا يزال يرى حتى الآن، في احتلال الضفة الغربيةوالقدسالشرقية في عدوان 5 حزيران 1967، لعنة حلت باسرائيل، واسهمت في تعفنها، وتعميق ظاهرة الفساد فيها، على نحو تبدو الآن غير قادرة على التخلص منه، بعد ان اسهم المستوطنون والمتطرفون، في اخذ الدولة الى مكان لا ترغب فيه اغلبية من الاسرائيليين، تحت شعارات ودعاوى توراتية، واخرى صهيونية، وثالثة مرتبطة بدوافع شخصية، واحقاد على كل من هو عربي مسلم.. في مناسبة الخامس من حزيران، حفلت الصحف الاسرائيلية، بمقالات عديدة، ابدى بعضها ما يشبه الندم على الصمت، الذي التزمه حيال ما قام به السياسيون في الفترة، التي اعقبت الانتصار الكبير، الذي ''اخرج اسرائيل من المحنة، الى نور كبير''، كما كتب تسفي يسرائيلي الضابط في جيش الاحتلال خلال عدوان 5 حزيران ومؤلف كتاب: ''سيدي الرئيس: الكنيست في ازمة''، في صحيفة هآارتس يوم 4 حزيران الجاري قائلاً: ''... انا اعترف بهذا الفشل خلال احاديثي الكبيرة مع ابنائي، انا اقول لهم ان جيلي قد بنى عدة لبنات من الدولة والمجتمع، رغم اننا ارتكبنا اخطاء شديدة، بالاساس لم نعمل على انهاء الاحتلال، وكذلك تخلينا عن السياسة، ثم يخلص الى القول: ''يجب تنظيف السياسة من ابناء جيلي، ابناء الستين فما فوق، الذين لم يجلبوا السلام، ولم يحافظوا على القيم المتنورة. فقط إن أدرك عشرات الالوف من شبابنا، ان عليهم ان ينخرطوا في الاحزاب الكبيرة والسيطرة عليها من الداخل، وتطويرها من الفساد، وبناء جدول اعمال جديد لمستقبل يقوم على السلام، بدون احتلال، حينئذ سيظهر من صفوفهم قادة جديرون بالمنصب يقودوننا نحو السلام، ونحو مجتمع يقوم على المساواة والعدل''.. أما ايتان هابر الاعلامي والكاتب ومدير مكتب اسحق رابين السابق، فكتب عن ''المناسبة'' من زاوية اخرى وإن كان كعادته اراد امساك العصا من الوسط والخلط بين ''من يرون في عدوان حزيران مصيبة تاريخية لدولة اليهود ''كما قال''، واولئك الذين يصفونها بانها كانت حرب خلاص''، لكنه لا يخفي تأييده واعجابه بالنتائج التي افضت اليها تلك الحرب. كتب ايتان هابر في يديعوت احرونوت يوم الاربعاء الماضي قائلاً ''.. في الخامس من حزيران سيحل 41 عاما على حرب الايام الستة. ليس رقماً مدوراً من السنين ولا سببا للاحتفال، سيتعين علينا ان ننتظر حتى الخمسين سنة من تلك الحرب. عملياً كل من عمره اقل من 50 بل وربما اكثر، يعرف ويتعرف على تلك الحرب وكأنها حرب المكابيين، روسيااليابان او معارك هنيبعل. فترة حياة شبه كاملة - يستطرد هابر من تلك الايام الفظيعة قبل الحرب، التي في اثنائها بدا ان دولة اسرائيل تسير نحو الضياع، حتى نهاية الحرب، بعد ستة ايام، انتصار عسكري لم يشهد له مثيل في التاريخ الحديث. يخلص ايتان هابر الذي تتميز مقالاته بحس ادبي وقدرة على تطويع المفردات الادبية واقحامها في جدول الاعمال السياسي، سيكون هناك من يقول ان تلك الحرب ''الفاخرة''، كانت مصيبة تاريخية لدولة اليهود، بسبب المناطق التي اضيفت اليها. وسيكون هناك من يقول انها كانت حرب خلاص.. مهما يكن الامر - يواصل - علينا ان نتذكر اليوم ايضا بان نحو (800) من جنودنا سقطوا في تلك الحرب وان نتذكر ايضا بان نتائجها أدت، مع السنين، الى اتفاقي سلام مع مصر ومع الاردن.. تبقّى التوقيع على اتفاق سلام مع سوريا، وعندها قد يكون ممكناً القول: الحمد لله اننا تخلصنا من الحروب.. حبذا لو، حبذا لو''. مدير مكتب اسحق رابين، لا يأتي بذكر على الشعب الفلسطيني ولا يدعو لانهاء الاحتلال ولا يرى في استمراره، بؤرة توتر واحتقان يمكن ان تشعل حرائق اخرى (..). أما الكاتب اليساري يارون لندن فيقرأ الخامس من حزيران من الوضع الذي آلت اليه القدس بعد احتلالها فيقول: ''.. هناك شك في ان المجابهة بين اليهود والعرب، كانت ستقصر حتى لو أصغت الحكومة لتحذيرات وزرائها اليقظين، ولكن من الواضح ان مستقبل المدينة هو احدى اللبنات الاساسية والعقبات، التي تقف في طريق تسوية علاقاتنا مع العالم العربي. لولا احتلالنا لها، لبقيت قيمة هامشية في خيال المسلمين للقضية، ولكن ما ان اصبح اليهود مسيطرين على المدينة كلها، حتى تحولت ''القدس'' الى لب الموقدة.. يواصل يارون لندن قائلاً: ''ليس لهذا السبب فقط تعتبر القدس مثل الشوكة في جسمنا، بينما ايضاً، لأن ضم القدسالشرقية ''وبناتها''، قد اضعف المدينة، ولم يعمق من سيطرتنا عليها''.. ''يوم القدس'' - والقول ما يزال للكاتب الاسرائيلي - هو انتاج وطني عام. وهدفه تقليص هذه الحقيقة العكرة، ولكن نصف الشعب فقط يقع في اغرائه. هذا النصف، الذي يعتقد (يقول يارون لندن) ان الخالق يشغل باله في القضايا العقارية وان من المهم له ان يزيد مساحة مكاتبه''.. يخلص الكاتب الى حقيقة، يجدر بالمفاوضين الفلسطينيين ان يقفوا حيالها وخصوصاً بعد ان اعاد ايهود اولمرت التأكيد في ''يوم القدس'' قبل أيام إن المدينة ستبقى عاصمة ابدية وموحدة لاسرائيل.. ''.. احتمالية تقسيم المدينة تقل، وثمن الافتراق يزيد غلواً، لأننا قمنا بدق اسفين استيطاني في قلب الاحياء العربية، البرامج الدعاوية من اجل القدس في التلفاز، لم تنجح في احداث تغيير في وضع العاصمة. والنصيحة التي تتضمنها (ان كانت تشتعل في نفوسكم ايضاً نار الخلود)، لن تغير الحقائق الديمغرافية، والاقتصادية والسياسية، التي تبلور مستقبل عاصمة اسرائيل العصيب''.. انتهى الاقتباس.. لكن، الذي لم ينته بعد، هو هذا التيه العربي المتعمق والمتواصل، منذ ذلك اليوم الاسود من شهر حزيران لعام 1967، والذي يبدو ان العرب تناسوه، ليس فقط لأنه يذكرهم بعجزهم وضعفهم واستمرائهم البقاء في مربع الهزائم والانكسار، وانما ايضاً لأن استدعاء الخامس من حزيران (وكأنه غاب) يفرض عليهم ان يضعوا حداً لحال الاستبداد والقمع ومصادرة الحريات وانتهاك حقوق الانسان والغاء قوانين الطوارئ والاحكام العرفية واشاعة الديمقراطية والتعددية، وتداول السلطة على نحو سلمي، وقبل كل شيء، رفض منطق الهزيمة وثقافة الاستسلام، التي تفرض مناخاتها على عرب اليوم من المحيط الى الخليج . عن صحيفة الرأي الاردنية 7/6/2008