قتلوا ( زرقاوي الصومال ).. ماذا بعد؟ محمد خرّوب لم يتوقف كثيرون عند الانباء الاميركية التي تحدثت عن مصرع القائد العسكري لحركة الشباب ''المجاهدين''، الصومالي آدم ماشي عيرو الملقب ب ''المعلم''، ودلالات هذا ''النجاح'' الاميركي في اصطياد أهم قائد ميليشيات صومالية، تم وضعه ومنظمته على قائمة المنظمات الارهابية الدولية، التي تلاحقها والتي تطال معظم دول العالم، وخصوصاً في العالمين العربي والاسلامي حيث ساحات الحرب الاميركية العالمية على الارهاب، والذي اختزلته ادارة بوش بالفاشية الاسلامية كتعبير ايديولوجي واضح في استهدافاته وتبعاته على حد سواء.. واذا كانت الصومال قد غدت ساحة للفوضى والحروب، بعد فشل القوات الاثيوبية التي تدخلت لصالح حكومة الرئيس الصومالي عبدالله يوسف الانتقالية، الذي دخل مقديشو لأول مرة في الاسبوع الاول من الشهر الاول عام 2007، بعد ان هُزمت قوات المحاكم الاسلامية وبسطت القوات الغازية سيطرتها على البلاد، بدعم سياسي ودبلوماسي وعسكري اميركي لا لبس فيه ولا ابهام، فإن ما يحدث الآن في الصومال من تمرد وارتفاع الخسائر في صفوف القوات الاثيوبية، وتمكّن قوات ''المحاكم'' من السيطرة على بعض البلدان والمدن، يعيد الامور الى المربع الاول ويضع الولاياتالمتحدة والقوات الاثيوبية أمام معضلة حقيقية، نحسب انها تستدعي في شكل أو آخر التجربة الاميركية المريرة والدموية في تسعينات القرن الماضي، عندما اضطرت واشنطن الى سحب قواتها من الصومال، بعد ان ''سحل'' مواطنون صوماليون طاقم مروحية اميركية اسقطت في مقديشو، وهو الذي تكرر قبل شهر عندما تم ''سحل'' بعض الجنود الاثيوبيين الذين سقطوا في مواجهات مع ميليشيا المحاكم الاسلامية، ما افقد قيادة هذه القوات الغازية صوابها وراحت تقتل الابرياء وتهاجم المساجد وتذبح من فيها.. ليس المقصود هنا الانتصار للمحاكم الاسلامية أو تبرير ايديولوجيتها، التي تعتمد القتل وتصفية الخصوم جسدياً اسلوباً لارهاب الاخرين وتحقيق انجازات سياسية، لكن مقاربة الامور من زاوية اخرى تضيء على طبيعة الاهداف التي تسعى اليها الادارة الاميركية من وراء تحويل الصومال، المقسّم والمنهك والفقير والجائع والمنهارة فيه المرافق العامة والخدمات والبنى التحتية، الى ميدان تدريب بالذخيرة الحية لقواتها، التي تراقب هذه البلاد المنكوبة على مدار اربع وعشرين ساعة من الجو والبحر وقريباً من شواطئه الطويلة، وخصوصاً من خلال الاقمار الصناعية وايضاً من خلال قوات حكومة ميليس زيناوي رئيس الوزراء الاثيوبي الذي يقوم بدور الشرطي في القرن الافريقي، تماماً كما المهمة التي انيطت باسرائيل طوال العقود الستة الماضية وما تزال، رغم النجاح الاميركي في ايجاد ''كادر شُرَطي'' في المنطقة العربية والاسلامية يحلم بأن يتم اعتماده وتأهيله للنهوض بدور مماثل أو أقل قليلاً.. عودة الى زرقاوي الصومال؟. رغم الغموض الذي ما يزال يلف الطريقة التي تم من خلالها تصفية آدم حاشي عيرو او ''المعلم''، وعدم افصاح القيادة العسكرية الاميركية عما اذا كانت طائرات عسكرية قد قصفت المنزل الذي كان يقيم فيه، أو ان سفينة بحرية اميركية كانت تقف قبالة السواحل الصومالية، اطلقت 4 صواريخ كروز من طراز توماهوك، كما قالت صحيفة نيويورك تايمز، فإن من الثابت ان الولاياتالمتحدة تراقب الاوضاع في بؤر التوتر وحيثما تتواجد الميليشيات الاسلامية او تلك المتعاطفة مع القاعدة، أو ترى فيها واشنطن اذرعة لها او امتداداً لها، وتسهم - واشنطن بطريقة او اخرى في استنزاف هذه الميليشيات واستهداف قادتها، وخصوصاً جمع المعلومات عنها ومحاولة اختراقها واعتراض اتصالاتها وبخاصة ان وقائع الايام اثبتت قدرة لا يستهان بها من قبل القاعدة والمنظمات ''الجهادية'' الاخرى على الاستفادة من ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذي نشهده متكرراً بوضوح في ''خطابات'' ايمن الظواهري عبر الانترنت، والحوار الالكتروني الذي دار بين الظواهري وعشرات الالاف من الذين وجهوا له الاسئلة في مسائل فقهية وشرعية وجهادية وغيرها.. اطلاق صفة زرقاوي الصومال على آدم عيرو من قبل الاميركيين، لم يكن صدفة بل استهدف الصاق تهمة التبعية للقاعدة بأمير الحرب هذا، والذي قد يكون فعلاً احد اذرع القاعدة، وخصوصاً انه تلقى تدريبه في افغانستان ودأب مريدوه على مناداته ب ''المعلم'' لكثرة عدد الشباب الذين تدربوا على يديه، كما كشف عن تلك المعلومات بعد ان سطع نجمه اثر بروزه كأحد قادة المحاكم الاسلامية الميدانيين، الذين نجحوا في اطاحة لوردات الحرب الصومالية قبل عامين (2006)، عندما سيطرت المحاكم الاسلامية على الصومال ودخلت مقديشو واقامت حكومة بقيادة شيخ شريف احمد، لم تلبث ان انهارت بعد الاجتياح الاثيوبي للصومال قبل عام ونصف، والذي لم يكن ليتم لولا الضوء الاخضر الاميركي. الصاق تهمة التبعية للقاعدة على أي تنظيم في المنطقتين العربية والاسلامية يراد به وصم الجميع بتهمة الارهاب وابعاد أي تعاطف شعبي أو سياسي مع هذا التنظيم او تلك الحركة وبخاصة في البلاد الواقعة تحت الاحتلال او الساعية لمحاربة انظمة الاستبداد والقمع والانتهاك المتواصل لحقوق الانسان، كما نرى ترجمة ذلك في الحديث عن وصول خلايا ''القاعدة'' الى قطاع غزة كتبرير لجرائم الحرب والابادة التي ترتكبها اسرائيل بدعم اميركي معلن بحق اهالي غزة.. ثم.. ان وصف آدم عيرو بزرقاوي الصومال، يراد من خلاله رفع معنويات الجنود الاميركيين الذين يواصلون ''الغوص'' في الرمال العراقية والافغانية بعد ان فشل المستوى السياسي الاميركي، وخصوصاً الرئيس الذي وصف بأنه ''رئيس حرب''، في استخلاص الدروس والعبر واعادة الاعتبار للقانون الدولي والشرعية الدولية واتفاقية جنيف وشرعة حقوق الانسان. لهذا لن يغير قتل آدم عيرو كثيراً في الورطة الاميركية، وان كان سيغرق ذلك البلد الممزق في مزيد من الدماء والدموع والموت. عن صحيفة الرأي الاردنية 5/5/2008