نحن وحقبة أمريكية جديدة عبدالرءوف الريدي كان المرشح الديمقراطي الأسمر باراك أوباما هو الذي أطلق صيحة التغيير في أمريكا, والتي ما أن أطلقها حتي أقبل عليه الأمريكيون خاصة الشباب من كل حدب وصوب ثم كان نجاحه المذهل في انتخابات أيوا التمهيدية بمثابة عاصفة في الحياة السياسية الأمريكية جعلت قضية التغيير هي السمة الأولي التي تفرض نفسها علي الانتخابات القادمة. لن يكون التغيير القادم مقصورا علي شخص الرئيس ولكنه سيعكس تغييرا في موازين القوي التي تصنع القرار الأمريكي... ستكون هناك قوة أكبر لقطاعات الشعب الأمريكي التي يمثلها أوباما مثل الأمريكيين من أصل إفريقي ومن أصل أسباني ومن الشباب, ومن غيرهم ممن أحبطتهم سياسات بوش سواء الداخلية أو الخارجية. كان طبيعيا أن تؤدي سياسات بوش طوال الأعوام الماضية إلي وضع العلاقات المصرية الأمريكية في أجواء التوتر بين البلدين ليس فقط علي مستوي الرئاسة ولكن أيضا علي مستوي العلاقات مع الكونجرس, وامتد هذا التوتر إلي الساحة الإعلامية علي الجانبين... إلا أن هذه الإدارة هي إدارة آفلة تلملم أوراقها, برغم أن رئيسها يأتي الآن إلي المنطقة محاولا إنقاذ سمعته وسيرته في التاريخ. لست في حاجة مع ذلك إلي أن أبين أهمية العلاقة مع هذه القوة الأكبر في العالم, وخاصة في المرحلة المقبلة التي تتزايد فيها أزمة الطاقة العالمية وتكالب العالم علي مخزون الطاقة الاستراتيجية في منطقتنا فضلا عن الملفات الإقليمية الأخري خاصة الملف الإيراني, وإذا كان لنا أن نستشهد بتاريخ العلاقات المصرية الأمريكية للتدليل علي محورية الدور الأمريكي عبر النصف القرن الأخير لنري كيف أثرت علاقاتنا بأمريكا إن سلبا أو إيجابا علينا فإن ثمة ثلاثة شواهد تحضرني من تاريخ هذه العلاقات في هذه الفترة.. موقف أمريكا بقيادة إيزنهاور عام56 والذي كان من أهم العوامل التي أفشلت العدوان الثلاثي علي مصر, وموقف جونسون الضالع مع إسرائيل بعد ذلك بعشرة أعوام والذي كان من أهم العوامل في مؤامرة عدوان67 علينا, ثم موقف الرئيس بوش الأب والكونجرس الأمريكي في إلغاء الديون العسكرية الأمريكية والضغط علي الدول الدائنة الأخري لإلغاء كل أو نصف ديونها علي مصر عام1990 ثم الضغط علي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتوصل إلي اتفاق حول برنامج للإصلاح الاقتصادي عام91. والسؤال الآن هو كيف يمكن لنا أن نقيم علاقة صحية مع الولاياتالمتحدة, ويمكننا فيها التأثير علي القرار الأمريكي؟ وهل يمكن أن يكون لنا اللوبي المماثل لإسرائيل في أمريكا؟. يتكون اللوبي المساند لإسرائيل من ستة ملايين يهودي أمريكي أو أكثر متجذرين في كافة مناحي الحياة الأمريكية ويوجدون علي قمة منظومات الحياة السياسية والاقتصادية والمالية والعلمية والأدبية والفنية الأمريكية فضلا عن الساحة الإعلامية, ومن خلال ما أنشأه المجتمع اليهودي الأمريكية من منظمات وجمعيات تتمتع بكفاءة عالية, أقاموا تنظيما يختص بدعم إسرائيل في الكونجرس وتساند هذا التنظيم مؤسسات ومراكز أبحاث تعمل علي دعم وجهة النظر الإسرائيلية وتروج لها وقد قامت هذه المراكز بدور مهم في الترويج لفكرة غزو العراق كما تقوم الآن بالترويج لضرب إيران.. إذا كان هذا هو الوضع بالنسبة لإسرائيل فما هو الوضع بالنسبة لنا وهل نحن بالضرورة علي صدام مع هذا اللوبي الموالي لإسرائيل؟ الواقع أننا لسنا بالضرورة علي صدام مع هذا اللوبي ما لم يأخذ مواقف ضارة بمصالحنا, بل إننا كنا في بعض الأحيان نعمل علي ترويض هذا اللوبي والحوار معه لدعم التوجهات والقوي المعتدلة المساندة للسلام, ولكن يبقي السؤال مع ذلك كيف تستطيع مصر أن تؤثر علي القرار الأمريكي؟ أعتقد أن قدرة مصر علي التأثير في أمريكا ترتبط بمدي ما تتمتع به مصر من قدرة علي التأثير في محيطها العربي والإفريقي... فليس صحيحا ما قد يعتقده البعض من أنه كلما ابتعدت مصر عن قضايا أمتها العربية والإسلامية ومحيطها الإفريقي كان ذلك موضع الرضا الأمريكي فالولاياتالمتحدة الغارقة في قضايا المنطقة تحتاج إلي مصر ذات الدور الإقليمية المؤثر, وتستطيع مصر من خلال هذا الدور أن تؤثر بدورها علي العقل الأمريكي والقرار الأمريكي ولا تتركه رهنا لتأثيرات القوي الأخري التي أدخلت أمريكا مثلا في حربها مع العراق ولا يقل الدور الإفريقي عن الدور العربي خاصة مع ظهور دور إفريقيا الصاعد في قضية الطاقة. النقطة الثانية هي حالة مصر في الداخل, فبينما يتعين علينا أن نرفض أي تدخل في شئوننا الداخلية, وأنا واحد من الناس الحريصين جدا في هذا الشأن, إلا أن ثمة حقيقة ينبغي أن نسلم بها, وهي أنه كلما كانت مصر تتمتع بمصداقية أكبر في التزامها بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد كانت مصر أكثر تأثيرا في الخارج بما في ذلك الولاياتالمتحدة وكلما استعصي علي أية قوة معادية أن تنال منها.. النقطة الثالثة تتعلق أكثر بالحقبة المقبلة.. ستفرز المرحلة المقبلة تقييما جديدا للقوي الفاعلة علي الساحة السياسية الأمريكية.. وفي وقت من الأوقات اهتممنا بإقامة علاقات ووشائج مع التجمعات الأمريكية من أصل إفريقي.. وهذه قوة صاعدة خاصة بعد ظهور أوباما. وفي نفس الوقت الذي يتواصل اهتمامنا مع المنظمات العربية الأمريكية.. لا يعني ذلك ألا نستعين بمكتب من المكاتب المنتشرة في واشنطن, ليقوم بمهمة محددة هي تتبع مشروعات القوانين التي تهمنا في دهاليز ومكاتب الكونجرس لمساعدة سفارتنا في واشنطن. وتبقي كلمة عن الإعلام الذي يلعب دورا مهما في ايجاد المناخ الذي تسير فيه العلاقات... وأذكر هنا ما قاله لي أثناء فترة عملي في واشنطن دبلوماسي أمريكي كان يشغل منصبا كبيرا في الخارجية الأمريكية في فترة الستينات وهو أن اللوبي الإسرائيلي كان كثيرا ما يدفع مناصريه في الكونجرس لإلقاء بيانات تهاجم مصر وذلك لاستثارة مصر والإعلام المصري الذي كان يبادر بالرد بفتح النيران علي أمريكا وعلي الرئيس الأمريكي وهو ما نجح اللوبي في تحقيقه ولا يعني ذلك أننا يجب ألا ننتقد السياسة الأمريكية ولكنني أعتقد أنه عندما يمتد هذا الانتقاد إلي التجريح الشخصي فإنه قد يأتي بعكس المقصود منه. ولعلنا في النهاية نعمل علي بدء صفحة جديدة مع هذه القوة الكبري من منطلق ترويضها والعمل علي التأثير في مواقفها وقراراتها وهو أمر في رأيي ليس مستحيلا. وأري أن التواصل مع أمريكا لا ينبغي أن يقتصر علي الجانب الحكومي, ولكن ينبغي أن يمتد إلي المؤسسات التشريعية مثل مجلس الشعب ومجلس الشوري, بل والجامعات المصرية والمعاهد العلمية النظيرة في مجالاتها المختلفة... وبعد فإن لمصر كتيبة من الدبلوماسيين المنتشرين بواشنطن والقنصليات المصرية في الولايات الأخري ويقودهم سفير ممتاز هو السفير نبيل فهمي ويمثلون مصر خير تمثيل. عن صحيفة الاهرام المصرية 17/1/2008