مكاسب العرب من التقارب الأمريكى الايرانى * جمال جابر الملاح ارتفعت أصوات الكثير من الكُتّاب والمحللين العرب فى الآونة الأخيرة تحذر من التنائج المترتبة من التقارب الأمريكى الإيرانى, على الدول العربية, والتى اعتبروها سلبية للغاية, وأن هذا التقارب من شأنه زيادة النفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية بصفة خاصة, ومنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة. لا شك ان ايران تمثل تهديداً كبيراً على الدول العربية, لا تقل خطورته عن التهديد الاسرائيلى, فكلاهما يشتركان فى نفس الأطماع والأهداف فى المنطقة العربية, وقد بدأ التهديد الإيرانى يظهر للعلن فى العصر الحديث, عندما اعلن الامام الخمينى بعد الثورة الاسلامية فى ايران " أن على العرب أن يعتادوا على الحكم الفارسى من الان فصاعدا". وعلى الرغم من أن المؤشرات العلنية للتقارب الامريكى الإيرانى مازالت فى مراحلها الأولى, إلا أن هذا التقارب والتعاون مازال في طي الكتمان الا من تصريحات مقتضبة لعدد من كبار القادة الايرانيين بؤكدون فيها علي الدور الايراني الذي قامت به ايران لمساعدة امريكا علي احتلال العراق وافغانستان والبقاء فيهما , ودون سرد أسباب هذا التقارب, فى الوقت الراهن, فاننا كعرب يمكننا الاستفادة من نتائج هذا التقارب. فالناظر إلى طبيعة العلاقة بين العرب وإيران, المتوترة فى كثير من أوقاتها, سيجد أن أهم القضايا الشائكة بينهما تتمثل فى الملف النووى الايرانى, والاختلاف المذهبى, أو ما يطلق عليه العرب بالخطر الشيعى, إضافة إلى طبيعة العلاقة بين إيران وبعض الدول, والمنظمات العربية مثل سوريا, وقطر ,وحزب الله, وحركة حماس. ففيما يخص الملف النووى الإيرانى ومنطقة الخليج, والذى يعتبر أحد أكثر الخلافات أهمية بين الدول العربية, حيث يتركز قلق الدول العربية الخليجية فى احتمالية حدوث مواجهة بين إيران والقوى العالمية, بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية حول برنامجها النووى, مما يدخل المنطقة فى حرب إقليمية ستؤثر بكل تأكيد على دول الخليج, فى جميع قطاعاتها. وظهر ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عندما صرح بأن نزاعاً فى المنطقة حول الملف النووى الإيرانى هو الشيء الأكثر خطورة, واصفاً بأنه لايمكن تصوره. وامريكا تري ان تتخلى إيران عن برنامجها النووى, وان تقصر برنامجها على الاستخدام السلمى,لان اللوبى اليهودى فى أمريكا لن يرضى بديلاً عن ذلك. وبالتالى فإن حدوث التقارب العلني المتوقع بين أمريكا وإيران, يعنى انهاء أكثر القضايا الشائكة بالنسبة لدول الخليج, فبالرغم من ان بوادر هذا التقارب اقتصر فقط على رسالة وجهها الرئيس الامريكى باراك أوباما للإيرانيين بمناسبة عيد النيروز, إلا أن تأثيرها كان كبيراً للغاية على دول الخليج خاصة اقتصادياتها, حيث ارتفعت أغلب بورصات دول الخليج, بمستويات كبيرة منذ بدء الأزمة المالية العالمية, والتى يرجح ان أحد أسبابه الرئيسه يرجع إلى وجود بشائر تقارب بين الأمريكيين والإيرانيين فيما يخص برنامجها النووى.
ربما أكبر المكاسب الناتجه عن التقارب الأمريكيى الإيرانى سيتجه إلى القضية الفلسطينية, فالتقارب المزمع سيؤدى إلى تركيز الإدارة الأمريكية على مسألة الصراع العربى الاسرائيلى, بعدما كان مشتتاً ما بين الملف النووى الايرانى, وملفات أخرى فى منطفة الشرق الاوسط مثل التوتر القائم فى العراق والهجمات المسلحة ضد القوات الامريكية. وفيما يخص الجبهة الداخلية الفلسطينية, أو بالأحرى الخلاف الفلسطينى الفلسطينى, فإن التقارب الامريكى الايرانى من شأنه ان ينهى هذا الخلاف, والذى أحد أبطاله الرئيسيون حركة حماس, وهو ماظهر واضحاً فى عدد من المواقف ربما كان اهمها زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى إيران فى الفترة الأخيرة وتأكيدة ان النصر على العدو الإسرائيلى فى غزة جاء بتعاون إيرانى، واصفا إياها بالشريك في النصر, وقوله ان تحرير القدس سيبدأ من إيران, إضافة إلى هجومه الشديد على القادة العرب. وتؤكد كل تلك المؤشرات على مدى العلاقات الوثيقة التي تربط الحركة وإيران. والتى من المقرر ان تقوم الإدارة الامريكية فى حاله حدوث تقارب بالضغط على إيران, لكى تقوم الأخيرة بدورها بالضغط على حركة حماس للوصول إلى حل توافقى بين الحركة والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح, خاصة مع مساعى الرئيس الأمريكى الرامية للتوصل إلي حل لمشكلة الصراع العربى الاسرائيلى, عن طريق حل سلمى يضمن "للشعبين " العيش بسلام جنبا الى جنب في دولتيهما. أما فيما يخص مصر, والتى تشهد علاقتها مع إيران توترات متلاحقة, فالتقارب الامريكى الإيرانى ربما لن يغير شيئاً فى علاقتهما, التى شهدت توترات ذات جذور تاريخية يصعب احتوائها بين ليلة وضحاها, ولكن المكاسب المصرية ستكون فى عودة التهدئة على الجبهة المصرية الفلسطينية, فالتقارب (الفلسطينى الفلسطينى, والاسرائيلى الفلسطينى) المرتقب من شأنه, أن يعيد الهدوء للحدود المصرية, خاصة فيما يتعلق بموضوع المعابر والأمن القومى المصرى. ربما الخوف الوحيد من التقارب الأمريكى الايرانى يكمن فى زيادة التوغل الإيرانى فى العراق تحت غطاء أمريكى, فبغرض توقف العمليات ضد القوات الأمريكية فى العراق وافغانستان, قد تعقد الإدارة الأمريكية صفقة مع إيران تؤدى إلى زيادة النفوذ الإيرانى الشيعى عن طريق السيطرة على السلطة فى العراق, مما يعنى زيادة فى النفوذ الشيعى بالمنطقة كافه, مما قد يوقظ أحلام الانفصال لدي الطوائف الشيعية في بعض دول المنطقة, خاصة الخليجية, ذات التوجهات السنية, مما يعنى غزوا فارسيا جديدا للعرب, خاصة مع ظهور أطماع الإيرانيين فى العلن, بعد تصريحات برلمانيين إيرانيين بأن البحرين والإمارات هى إمتداد لإيران وجزء منها . فقد اعترف أحد المراجع الشيعية المعارضة للنفوذ الإيرانى فى المنطقة بذلك, وهو المرجع حسين المؤيد خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة, فقد طالب بتدخل عربي فعال لإنقاذ العراق من النفوذ الإيراني, مشيراً إلى أن طهران تتبع سياسة ملء الفراغ لفرض نفوذها على العراق والتوسع في اتجاه باقي الدول العربية المجاورة. كما حذر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل أكثر من مرة من خطر "تقسيم" العراق والتدخلات الاقليمية خصوصا من قبل ايران في شؤونه الداخلية. ولكن اعتقد أن هذا التصور بعيد المنال, لان هناك عوامل كثيرة تقف أمام المد الشيعى فى العراق اهمها أن التركيبة الديموغرافية لصالح السنة بالعراق, مما يعنى أن السلطه ستعود إلى القيادات السنية مرة أخرى عاجلاً أم أجلاً. وتكمن المشكلة الأخرى بين العرب وإيران فى قضية الجزر الإماراتية التى تحتلها إيران (جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى), والتى شبهتها دول مجلس التعاون الخليجي بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
فان التقارب الامريكى الإيرانى المزمع من شأنه ان يوقف البرنامج النووى الإيرانى, , وهذا يعنى انتقاصاًكبيراً للنفوذ الإيرانى فى المنطقة, وتوازنا فى القوى بينها وبين العرب, مما يعطى فرصة للعرب لإبراز القضية الإماراتية على الساحة الدولية, وربما الضغط على إيران بالحل العسكرى فى حالة عدم الاستجابة لمطالبهم. فى النهاية ورغم الضجة المثارة على بوادر التقارب الأمريكى الايرانى, وخسائر العرب المحتملة منه, فإن كل الشواهد توضح ان هذا التقارب لن يستمر طويلاً , وان المواجهة بين الولاياتالمتحدةالامريكيةوايران ستعود وبسرعة شديدة لسبب هام هو ان إيران سترفض اى تنازلات فيما يخص برنامجها النووى, فى حين لن تقبل الولاياتالمتحدةالأمريكية, وتحديداً اللوبى اليهودى فى امريكا, بأقل من تنازل ايران عن هذا البرنامج ، مما يعنى ان التوتر قادم لا محالة, والعودة إلى نقطة الصفر مرة اخري .