لعبة المصالح في الاتفاقية العراقية الاميركية د. عبد الحميد مسلم المجالي بين واشنطنوطهران تقع بغداد على خريطة تنازع المصالح التي افرزتها السنوات التي تلت الغزو الامريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين الذي كان يشكل فيما يبدو عقبة أمام اعتبار العراق دولة مضمونة الصداقة للولايات المتحدة وامام حلم تصدير الثورة ولو سلمياً بالنسبة لايران منذ الاطاحة بالشاه. وترى واشنطن بعد كل ما جرى لها وللعراق خلال سنوات الغزو ان الخروج من ذلك البلد بخفي حنين ودون ان تبقي لها تأثيرا عسكريا او سياسيا طويل الأمد فان كل ما قامت به يصبح خارج إطار حسابات الدول والعقل وستبدو وكأنها دفعت ثمنا باهظاً من أرواح جنودها والمليارات من الكلفة المادية ومن سمعتها السياسية من اجل سواد عيون العراقيين او تقديم العراق على طبق من النفط لإيران لكي تحصل على ما لم تحصل عليه في حرب الثماني سنوات. في حين ترى طهران أن إسقاط نظام صدام حسين وان كان بأيدِ امريكية يجب أن يخولها بموجب الواقع المذهبي والديمغرافي والجغرافي سلطة الشريك في القرار العراقي وهي فرصة لم تتكرر على مدى قرون تمتد فيها ايران سياسيا وامنيا داخل العراق والمنطقة باعتبارها الدولة الاكبر والاقوى اقليمياً. بين رؤية واشنطن صاحبة الفضل في خلق الواقع الجديد و رؤية طهران التي وجدت لنفسها مساحة من النفوذ في ذلك الواقع مؤيدة من حلفائها السياسيين والمذهبيين الذين يحكمون العراق تجد بغداد نفسها غير قادرة على حسم امرها و إعلان عشقها النهائي وهو ما يفسر ترددها وحيرتها فيما يتعلق بالاتفاقية الامنية مع الولاياتالمتحدة التي وصلت المفاوضات بشأنها الى طريق مسدود وسط تهديدات امريكية وتحريض ايراني علني وسري لرفض الاتفاقية بدعوى انتهاكها ل السيادة العراقية كما تفهمها طهران. ومما يضاعف من حالة التعقيد في الموقف العراقي هو ان القوى السياسية والمذهبية والعرقية العراقية مشتتة المواقف والرؤى بقدر تشتت حساباتها في واقع يفتقر الى عوامل الثبات والاستقرار ومستقبل مفتوح على كل الاحتمالات بفعل عوامل داخلية و اقليمية ودولية غير مستقرة. فالاكراد الذين حصلوا على دولة شبه مستقلة كنتيجة لتحالفهم مع واشنطن يريدون لحليفتهم أن تبقي على تأثيرها في القرار العراقي ولذلك يرون في الاتفاقية مكسبا سيديم ما حصلوا عليه ويمنع المركز في بغداد من التراجع يوما عن فدرالية الاكراد ،فيما يرى السنة غير المقاومين ان حضور واشنطن العسكري والسياسي ولو كان هذا الحضور غير مرئي يشكل ضابط إيقاع فاعل يحد من شطط واندفاع الشيعة نحو الاستبداد بالسلطة ،بينما يرى الشيعة وان تعددت تكتيكاتهم ان الحليف النهائي هو طهران وهي القادرة بفعل العوامل الجغرافية والديموغرافية وعناصر القوة الأخرى على منع أي خلل في التركيبة السياسية القائمة قد يعيدها الى ما كانت عليه قبل الإطاحة بنظام صدام حسين.. واشنطن تقول أن الوقت يمضي بسرعة لان الموعد النهائي للتفويض من الأممالمتحدة بدا يقترب وان لم تكن الاتفاقية حينها قد وقعت فان خيارات العراقيين ستكون محدودة فهي لا تريد أن تبقي على قواتها في العراق بالشكل الذي هي عليه حتى لو كان الوضع الامني أسوأ من المتوقع وإذا ما اتخذت واشنطن قرارات حاسمة من جانب واحد فان عودة العنف والفوضى الى العراق غير مستبعدة خاصة وان الاوضاع السياسية والامنية مازالت هشة. ولهذا فان الشهور القليلة المقبلة تعتبر حاسمة وصعبة في وقت لا تبدو فيه واشنطنوطهران مستعدتين للاعتراف والتسليم بمصالح الاخرى في العراق كما هو الحال عندما اثبت العرب بالدليل القاطع أنهم خارج اللعبة. عن صحيفة الرأي الاردنية 11/11/2008