مستقبل العلاقة الفرنسية - السورية رندة تقي الدين خلال مناسبات عدة، علنية أو خاصة، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إن شرط تطبيع العلاقة بين فرنسا وسورية هو عدم عرقلة الأخيرة انتخابات الرئاسة اللبنانية. وأكد باستمرار التزامه بالمحكمة الدولية والكشف عن المسؤولين عن اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري ومحاكمتهم، كما أكد باستمرار أن الحوار والتطبيع مع سورية لن يتما قبل أن يكون للبنان رئيس. حتى أن بعض أوساط قصر الاليزيه كان يؤكد دائماً أن «على سورية أن تدفع مسبقاً، وبعدها نكون مستعدين للتطبيع وإعادة العلاقات معها». أما الآن فقد اصبح الحوار الفرنسي - السوري طبيعياً، وبدأت المحادثات الأميركية - السورية في أنابوليس، ولا يزال لبنان من دون رئيس، وجميع الأوروبيين يتحدثون مع النظام السوري، ولا يبقى إلا أن يزور الرئيس السوري بشار الأسد باريس أو أن يزور ساركوزي دمشق. فقد وجهت فرنسا رسائل عدة إلى القيادة السورية، وحملها أهم معاوني ساركوزي، الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان. وينبغي الاعتراف بأن الرئيس السوري نجح في رمي الكرة في ملعب فرنسا عندما طلب من المبعوث الفرنسي أن يقوم البطريرك الماروني نصرالله صفير بإعداد لائحة بأسماء مرشحين للرئاسة، لأن لفرنسا علاقة تاريخية مع مسيحيي لبنان. وكان هذا المسعى ذكياً وبعيد النظر، لأن لسورية علاقات واسعة في لبنان، وتأثيرها على الأرض، بعد 30 عاماً من سيطرتها على القرار السياسي فيه، ما زال عميقاً وقوياً عبر حليفيها «حزب الله» و «حركة أمل». وكانت سورية تدرك أنها نتيجة التحالف بين «حزب الله» وطرف مسيحي أساسي هو العماد ميشال عون، يمكنها أن تظهر لفرنسا أن الفشل سببه اللبنانيون أنفسهم وليس سورية. وهذا ما حصل بالفعل. فعندما ذهب غيان مجدداً إلى دمشق ليسأل الرئيس السوري عن وعده والتزامه خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه معه ساركوزي، قيل له إن سورية التزمت بما تعهدت به على صعيد الضغط على «حزب الله»، وان على فرنسا أن تضغط على أصدقائها المسيحيين، وفي طليعتهم عون، لأنه العائق أمام الانتخابات الرئاسية. وكانت هذه خطة سورية ذكية، أدت إلى رمي الكرة مجدداً في الملعب الفرنسي عبر التذرع بالعائق ميشال عون. صحيح أن العائق هو عون، لأنه بقي حتى اللحظة الأخيرة يقول إنه أفضل المرشحين للرئاسة.وفيما كان كوشنير يعمل على التفاهم معه، تبلغ في دار السفارة الفرنسية، بالمبادرة التي أعلنها عون خلال مؤتمره الصحافي، ما حمل الوزير الفرنسي على ادراك أن المسعى الفرنسي وصل إلى فشل نهائي. فما الذي حصل، ولماذا جاءت مبادرة عون على نمط ما أعلنه الأمين العام ل «حزب الله» حسن نصرالله في خطابه العنيف الذي ألقاه غداة اللقاء بين الأسد وغيان في دمشق؟ السبب أن التحالف العوني مع «حزب الله» استراتيجي على جميع الأصعدة السياسية والمالية والتنسيق بينهما دائم ومستمر. ومع أن اتصالات ساركوزي بعون والحريري كانت تنبع من نية طيبة لأنه يريد فعلاً أن يتوصل لبنان إلى تسوية، لكن المسعى الفرنسي اصطدم بخبرة سورية الواسعة في الساحة اللبنانية. فالرئيس السوري تمكن من تحسين العلاقة مع فرنسا من دون أن يدفع أي ثمن مسبق. وكما كان يقول والده الراحل حافظ الأسد لكل زائر غربي كان يطالب بخروج القوات السورية من لبنان: إن سورية دخلت إليه بطلب من اللبنانيين. وهذا كان صحيحاً لأن الرئيس الراحل سليمان فرنجية هو الذي كان طلب ذلك، والآن يعتمد الرئيس الابن الاسلوب نفسه. وصحيح أيضاً أن اللبنانيين مختلفون في ما بينهم داخلياً، ولكن دور سورية مهم وأساسي، والسؤال الآن: ما هو مستقبل العلاقة الفرنسية - السورية في غياب رئيس للبنان؟ عن صحيفة الحياة 28/11/2007