(1) عبد الرحيم الشويلي فجر يوم الأربعاء الموافق الثاني من شهر آب عام 2011 حسب التاريخ الميلادي واليوم التاسع حسب مفكرة ثوار الخامس والعشرين من يناير المصرية نهضت مرعوباً من فراشي.
وبدون مقدمات وجدت نفسي أتجه صوب التلفزيون الموجود داخل الصالة والذي يشتغل ليل نهار بدون إطفاء.
أريد ان أشاهد واسمع ماحدث ، لا أريد أن يفوتني شيْ من أخبار الثورة والثوار التي تتناقلها كل فضائيات وإذاعات العالم.
ماهذا؟
ماذا أرى؟.
صرخت بصوت عال وأنا أرى بأم عيني صوراً لمعركة لم أشاهدها الا في بعض الأفلام التي تؤرخ لتاريخ ومعارك المسلمين ، حسبت ما رأيت مقطعاً من فلم الرسالة.
اشتباكات ومعارك ، خيل وجمال وحمير، رجال يحملون سيوفاً وسكاكين طويلة وعصي طويلة كأنها رماح ويرتدون الجلاليب البيضاء وعمائم يغطون بها رؤوسهم .
في بداية الاشتباكات حاول بعض المؤيدين للرئيس السابق مبارك اقتحام الميدان على ظهور الخيل والجمال أو على عربات تجرها الخيول وهم يلوحون بالسياط والعصي.
سرعان ما تحولت بعض الشاحنات إلى حواجز بين المتراشقين بالحجارة، ومع استمرار سقوط الضحايا تحول ميدان التحرير إلى موقع لعلاج الجرحى. وبعد بدء سريان حظر التجوال استمر اعتصام المحتجين في الميدان وبدأ بعضهم في إزالة آثار المصادمات.
تلاشت دهشتي وانا ارى واسمع المذيع يقول ان هناك موقعة لازالت مستمرة في ميدان التحرير ، انها موقعة الجمل . التاريخ يعيد نفسه ، نعم ، ها أنذا أرى بأم عيني موقعة الجمل في القرن الحادي والعشرين .
أسمح لي ايها القارئ العزبز أن نعرج بشيء من التفصيل عن هذه الموقعة وعن الموقعة التاريخية الأخرى ، اي موقعة الجمل الأولى.
ماهي موقعة الجِمال أو معركة الجِمال: هي هجوم بالجِمال والبغال والخيول تشبه معارك العصور الوسطى, قام به الموالون للحزب الوطني الحاكم والتابعون لنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك بتاريخ 2/2/2011 م .
للانقضاض على المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة أثناء ثورة 25 يناير 2011 م وذلك لإرغامهم على إخلاء الميدان حيث كانوا يعتصمون.
وكان من بين المهاجمين المجرمون الخطرون الذين تم إخراجهم من السجون للتخريب ولمهاجمة المتظاهرين, ويطلق عليهم اسم "البلطجية".
أما موقعة الجمل فهي معركة وقعت في البصرة في جنوب العراق ، عام 36 ه بين قوات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (كرم الله وجهه) والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام .
بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها ) التي قيل أنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى هذا الجمل.
يبدو أن القاسم المشترك بين الموقعتين هو وجود الجمل في كلا المواجهتين.
( 2 )
طلب أولادي مني أن أشتري لهم شوماَ أوطبنجات ( مسدسات ) صوتية لكي يقوموا بمشاركة رجال وفتيان الحي في حماية السكان الآمنين ليلاً.
أعتذرت عن شراء الطبنجات ولكنني اشتريت لهم نوعاً قاسياً من العصي يفي بالمرام من سوق العصي ، لكن ياترى ماقصة هذه السوق؟
«النبوت» «الشومة»، و«العكاز» أسماء تعرفها الثقافة الشعبية المصرية، فهي أسماء لأنواع من «العصي» تستخدم في الدفاع عن النفس وفي بعض الألعاب الاستعراضية التقليدية، وقديما كان يستخدمها الفتوات في الحارة المصرية لفرض وبسط سيطرتهم على غيرهم.
عادت وللأسف هذه المسميات لتستخدم من جديد بين المصريين أثناء وبعد ثورة 25 يناير ، بعد ان قام الكثير منهم باللجوء إليها للدفاع عن أنفسهم ومنازلهم مع غياب عناصر الأمن عن الشارع المصري.
كان على أهالي المدن والأحياء المختلفة أن يقوموا بحماية أحيائهم ومدنهم لهذا قاموا بتكوين «لجان شعبية» تتولى مهمة الدفاع وحماية المنشآت العامة والخاصة من اللصوص والخارجين عن القانون وما يسمى بالبلطجية ، و لم يجد هؤلاء الأهالي سوى هذه الأدوات البسيطة لتسهيل مهمتهم خلال ساعات الليل.
ولهذا السبب انتعشت سوق هذه العصي من جديد، وأصبح لها سوقاً خاصة تظهر في شوارع القاهرة وأحيائها الشعبية إلى جانب عدد من المدن والمحافظات المصرية.
أغلب باعة هذه الأدوات هم من محافظات الصعيد جنوب مصر، حيث تشتهر لديهم هذه الأدوات لارتباطها بالعادات والتقاليد المتوارثة.
راجت وبسرعة كبيرة هذه التجارة وتهافت الناس يسألون عن هذه الأدوات لحماية أنفسهم من البلطجية واللصوص الذين فروا من السجون وأصبح لكل نوع منها سعراً وحسب أطوالها ونوع الشجر الذي صنعت منه.
ارتفعت أسعار هذه الأدوات التي تراوحت من 20 جنيها وحتى 100 جنيهاً مصريا و تختلف باختلاف الحجم والطول وتوع الشجر.
كذلك الأمر بالنسبة لمحلات بيع الأسلحة النارية حيث لاقت هي الأخرى رواجاً هي الأخرى خال تلك الفترة العصيبة رغم أن هذه المحال لا تجد رواجاً خلال الأيام الطبيعية، إلا أنها أصبحت بضاعة رائجة بسبب رغبة الكثير من المواطنين في حماية أنفسهم.
أثبتت الأيام أن هذه الأدوات كانت بالفعل خير سلاح للملايين من المواطنين المصريين الطيبين الذي استطاعوا بفضل إيمانهم وطيبتهم وشجاعتهم أن يحافظوا على ممتلكاتهم وان يبعدوا الشر عن بلادهم بالرغم من التضحيات التي لابد منها عندما يواجه الوطن مثل هذه المحن والملمات.
لأاعتقد أنه يوجد شعب في هذا العالم أكثر ظرافة من الشعب المصري الطيب الذي يتسم بخفة دم لا حدود لها ويتمتع بروح النكتة التي لا مثيل لها رغم الظروف الاقتصادية والمعيشية التي بمر بها .
( 3 )
أصبحت النكتة عند المواطن المصري جزءا من حياته وغذاؤه اليومي ، النكتة مقترنة بالمصري يتناولها مثل تناوله للغذاء.
لهذا فليس من المستغرب أن يرفع الشباب الثائر شعارات ولافتات لا تخلو من روح النكتة والطرافة وتدعو للضحك ، وهكذا امتلأ ميدان التحرير بمئات اللافتات التي تحمل صوراً كارتونية وتعليقات فيها أكبر قدر من السخرية بالنظام وأزلامه .
وليسمح لي القارىء العزيز أن أسجل له هنا بعضاً من هذه الشعارات ، أرجو ان تلاقي أستحسانه ورضاه .