رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل «حزبُ الله» خارج المكان والزمان؟
نشر في محيط يوم 31 - 10 - 2007


هل «حزبُ الله» خارج المكان والزمان؟
بيان نويهض الحوت
في زمن الهيمنة الأميركية البوشية الذي نحياه، ليست الهيمنة المطلقة هي أسوأ ما في هذا الزمن، فكل دولة عظمى عبر التاريخ كانت لها هيمنتها، غير أن «العهد البوشي» يتميز بأضاليل لم يسبق أن وُجد ما يماثلها، حتى في عصر انفلات الوحش الاستعماري الأوروبي، في القرن التاسع عشر. وإن يكن من ضرورة لأمثلة:
«الديموقراطية» التي تتبوأ الصدارة في «العهد البوشي» ما هي إلاّ قناع لإخفاء المطامع الأميركية بلا حدود، وخير الأدلة أسئلة من نوع: أين هي الديموقراطية في العراق اليوم؟ بل أين هي أسلحة الدمار الشامل؟
نضال الشعوب من أجل تحررها من الطغيان واسترداد حقوقها، أصبح لا يُعرّف إلاّ ب«الإرهاب»! وقد يرتد هذا إلى التاريخ.. أي أن معاني الجهاد الإسلامي السامية منذ حروب الفتح في القرن السابع للميلاد، وصولاً إلى حرب تموز، سنة ,2006 توصف بكل صلف ورعونة، بأنها أعمال إرهابية، كما يُقال عن المجاهدين «إرهابيون»!
الحرية المطلقة لرجال الأمن في الولايات المتحدة في اعتقال الإنسان الفرد، لمجرد احتمال الظن بأنه قد يخطط لعمل «إرهابي»، هي أسوأ درجات الظلم والمهانة التي يتعرض لها الإنسان البريء.
التدخل السافر للولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لأية دولة تضعها في دائرة هيمنتها المباشرة، بل أكثر من ذلك، التدخل لفرض تغيير العقيدة الوطنية أو حتى الدينية، سبق أن جرى مثيل له، لكن ليس بكل صفاقة تحت غطاء «الصداقة» أو «الاتفاقيات الثنائية»!
كل هذا ما كان له أن يحدث مصادفة، إذ سبقه مخطط أخطبوطي ذكي من أجل جر العالم إلى حبائله، حتى إنه تم جر دول وقادة مسلمين اكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم في الخط المعادي لتاريخهم!
لكن ما زالت هناك أسئلة رئيسية بلا أجوبة مقنعة عمّا جرى في نيويورك وواشنطن، في 11/9/,2001 في ذلك اليوم الذي أضحى معلماً تاريخياً فاصلاً، وكأنه حرب عالمية رابعة يؤرَّخ لما قبلها وما بعدها؛ وهي: من المسؤولون حقاً عما جرى؟ هل يُعقل أنه لا يوجد مسؤولون عن ذلك العمل الإرهابي بامتياز في النظام الأميركي نفسه؟ وبين كبار المسؤولين في المؤسسات الأمنية وغيرها؟ هل يُعقل أن مجموعات صغيرة، من كهوف الشرق، هبطت فجأة على ناطحات السحاب النيويوركية، وعلى معقل البنتاغون، وبأحدث الطائرات والوسائل التكنولوجية الحديثة، ونكاد نقول من دون أي خطأ؟
كل هذا والشعب الأميركي لم يطرح بعد بجدية أسئلة تطرحها أصغر الشعوب، في وضعٍ كوضعه: لماذا؟ كيف؟ من الذين فتحوا للمنفذين الحدود والأجواء؟ من المسؤولون؟ من المستفيدون؟
أليس غريباً أن يكون الأفراد المتهمون بهذه التفجيرات، ومن ورائهم العالَم الإسلامي كله بحكم الرابط الديني، هم الخاسرون، بينما العهد الأميركي البوشي هو الرابح الأكبر؟ فهو الذي كسب يداً مطلقة في بترول العراق، وفي كل العراق، وفي غير العراق؛ وهو الذي بات يعمل على تقسيم شرق أوسط جديد؛ وهو الذي امتدت هيمنته ليس إلى أقصى بلاد المعمورة، فحسب، بل إلى كل بيت، وإلى الجالسين أمام كل تلفزيون، ناهيك عن اقتحام العقل البشري، واقتحام المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية!
لم يكن ما قلناه حتى الآن مجرد مقدمة، بل هو الموضوع نفسه، هو «الهيمنة الأميركية البوشية» التي يعتقد أربابها أن بقدرتهم بث الرعب في النفوس، وأنهم وحدهم يحق لهم تصنيف الدول والأمم والشعوب والأحزاب والمناضلين.. فكل من آمن بهيمنتهم وخضع لها، لا تُفتح له المطارات والحدود الأميركية والمصارف الأميركية، فحسب، بل تفتح له حتى أبواب البيت الأبيض! وأمّا من خالفهم وكان صاحب عقيدة ورأي، فهو «إرهابي» بلا جدال، وهو من جنى على نفسه، وأقل جزاء له هو اعتباره خارج العصر الأميركي؛ وبكلمات أكثر وضوحاً، خارج المكان والزمان.
لكن مع مرور الزمن، لن تكون الولايات المتحدة إلاّ الخاسر الأكبر، فهي في تجاهلها لأسباب قوة «حزب الله»، مثلاً، سوف تكرر أخطاءها، بينما قوة حزب الله تزداد.. كما تزداد قوة الأحزاب والمؤسسات المؤمنة بحقها في الحياة الحرة، وكذلك قوة الدول الرافضة ل«الهيمنة الأميركية»، كإيران، وكوبا، وفنزويلا، وكل من سار على خط الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز من الدول الأميركية الكاريبية والجنوبية. ولن نتنبأ بدور روسيا العظمى الجديدة، كذلك لن نتوغل بالخيال بعيداً صوب الشرق الأقصى، ونكتفي بالتذكر أن طموحات العديد من دوله لم تعد تكتفي بأن يكون لها مكان تحت الشمس، بل أيضاً في عالم النجوم والفضاء.
أمّا البلاد العربية، وهي المعنية في سياساتها بشكل مبدئي ورئيسي من الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، فهي تعيش أسوأ أيامها منذ حرب ,1948 وتبدو في عجز واضح عن اتخاذ الموقف السليم.
من مشكلاتنا الرئيسية نحن العرب أننا دائماً نتهرب من تحديد المسؤولين عن هزائمنا، وكانت الحجة في الماضي انعدامَ «الديموقراطية» في عهود الاستعمار والانتداب؛ غير أن عهود الاستقلال استمرت على عادة قمع الحريات.. واستمر معظم المؤرخين والكتاب على عادة التهرب من التحليل الدقيق، والرأي الصريح.
أمّا المشكلة المستجدة، فهي أننا أصبحنا عاجزين كذلك عن تحديد المسؤولين عن انتصاراتنا، ولو فعل لبنان ذلك في أعقاب حرب تموز ,2006 لما بقي يتخبط طوال العام المنصرم في تحليل حرب لم يختلف على نتائجها الكتاب والمحللون الأجانب، وفي مقدمهم الإسرائيليون.
والسؤال: كيف تحول مجرى الحروب العربية الإسرائيلية من حروب رسمية بين الدول إلى حروب بين الدولة العدوة والقوى المقاومة لها؟ وفي بلد صغير كلبنان؟ وفي زمن «الاستسلام»؟
منذ الاجتياح الإسرائيلي الأول للبنان، أي منذ «عملية الليطاني»، في 14/03/,1978 حتى محاولة الاجتياح الأخير في 12/07/,2006 لم تكن الاستراتيجيا الإسرائيلية ضد لبنان بحاجة إلى ذرائع. لبنان بمفرده يشكل مجموعة أخطار ضد إسرائيل حتى لو لم يحمل لبناني واحد سلاحاً ضدها. وليس هنا المجال لاستعادة المطامع الإسرائيلية في لبنان، من دينية واستراتيجية واقتصادية ومائية.. ثم ما استجد عليها من مطامع تهدف إلى تكريس لبنان بعد العراق منطلقاً لبناء شرق أوسط جديد. لكننا نتوقف عند بعض الملاحظات:
باستثناء حرب 1948 التي شارك فيها لبنان، قامت السياسة اللبنانية تجاه إسرائيل على سياسة اللاحرب واللاسلم، ولم تكن للبنان أية علاقة مباشرة بحرب ,1967 ولا بحرب ,1973 أما الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على حدوده، فكانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة تكتفي إزاءها بالشكوى إلى الأمم المتحدة.
كان قَدَر لبنان، بحكم الجوار، أن يستضيف على أرضه عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطينيين، أكثر من العدد الذي يتناسب مع مساحته وقدراته؛ مع ذلك، لم يشكل الوجود الفلسطيني عبئاً حقيقياً إلا بعد انتقال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن إلى لبنان، بعد أحداث أيلول سنة .1970
اعتقد البعض أن ما نتج عن وجود الثورة الفلسطينية في لبنان، خاصة بعد التحالف في ما بينها وبين الحركة الوطنية اللبنانية، كان السبب الرئيسي في سلسلة الحروب الأهلية، والاجتياحات الإسرائيلية، ولا تدخل مناقشة هذا الاعتقاد في سياق موضوعنا، غير أنه لا بأس في أن نتذكر أن الاعتداءات الإسرائيلية على الحدود اللبنانية كانت قد ابتدأت في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، يوم كان اللاجئون يقبعون في مخيماتهم ممنوعين من التنقل حتى من مخيم إلى آخر من دون إذن من المكتب الثاني، كما أنها لم تتوقف بعد خروج قيادة المنظمة والمقاتلين الفلسطينيين نهائياً من لبنان، سنة .1982
عدم الإجماع بين مختلف المؤسسات السياسية اللبنانية على اعتبار دولة إسرائيل دولة معادية، كان دوماً عنصراً مهماً في إضعاف مواقف لبنان الرسمية والشعبية، فلا يُعقل أن بلداً في العالم لا يعرف مَن هو العدو مِن الصديق.
نعود إلى عملية الليطاني التي استمرت ثمانية أيام متواصلة بكل ضراوة، وكان هدفها واضحاً، وهو التهجير إلى الشمال. على غير العادة، سارع مجلس الأمن لاتخاذ قرار يلزم فيه إسرائيل بالانسحاب، وهو القرار الشهير بالرقم ,425 وتاريخه 19/03/,1978 ولولا المفاوضات التي كانت تجري سراً بين إسرائيل ومصر، والتي تُوجت باتفاقيتي كامب ديفيد، لما كان الطلب الأميركي، ولا كانت الاستجابة الإسرائيلية.
أبرز نتائج عملية الليطاني المعروفة: اختراق الجيش اللبناني بواسطة الرائد سعد حداد؛ مجيء القوات الدولية المعروفة ب(اليونيفيل(؛ إنشاء الحزام الأمني على امتداد حدود إسرائيل الشمالية وبعمق عشرة كيلومترات. أمّا الشيء الجديد الذي جاء به ذاك الاجتياح الأول من دون أن يلقى انتباهاً يُذكر، فهو أن إسرائيل افتتحت سجلاً لنوع جديد من المجابهات، ليس مع الجيوش العربية، بل مع التنظيمات المقاوِمة، ظناً منها بأنها سوف تقضي على تنظيمات كهذه بأسرع من التصورات، وقد تألفت تلك التنظيمات، سنة ,1978 من عناصر المقاومة اللبنانية والفدائيين الفلسطينيين.
ما بين اجتياح 1978 واجتياح ,1982 كانت إسرائيل تشن حرب استنزاف بكل ما في الكلمة من معنى ضد لبنان، لكنه ما أن انسحب آخر جندي إسرائيلي من سيناء في نيسان ,1982 حتى بات الخطر الحقيقي وشيكاً. وعلى الرغم من عدم إطلاق كاتيوشا «فلسطينية» واحدة من الحدود الجنوبية لعام كامل، بناء على اتفاقية «فيليب حبيب»، إلاّ أن الذريعة لا تنقص إسرائيل، فقد هاجمت لبنان في 6/6/1982 تحت مظلة «سلامة الجليل»، وحاصرت عاصمته لثلاثة أشهر، من غير أن تتوقف نيرانها على بيروت براً وبحراً وجواً، وكل هذا بينما الجنوب اللبناني، بل لبنان كله، هو الذي كان بحاجة إلى استراتيجيا لبنانية/ عربية لتحميه من الاجتياحات الغادرة.
لم تبرز مطامع العدو في هذا الاجتياح بالنسبة إلى الأرض أو المياه فقط، بل برزت في محاولته السيطرة على موازين المجتمع اللبناني من جذوره، سياسياً، وثقافياً، و سلوكياً، ونفسياً، حتى عاد الكثير من اللبنانيين يبحث عن الهوية.
أمّا الأهداف المعلنة لإسرائيل فلم تتحقق من هذا الاجتياح، وأهمها توقيع معاهدة سلام مع لبنان، فاتفاقية 17 أيار 1983 التي تلت الحرب، ألغيت بعد عام؛ حتى إخراج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، والذي اعتبرته إسرائيل نصراً مؤزراً، فهو لم يكن السبب المباشر الذي أوصل منظمة التحرير إلى إذلال أوسلو.
غير أنه كانت هناك نتيجة على غاية من الأهمية لاجتياح ,1982 وهي تكريس النهج الإسرائيلي بشن الحروب ضد رجال المقاومة، وهو النهج الذي كانت ابتدأته سنة .1978
إزاء هذا الواقع، ابتدأت في لبنان ما بعد 1982 مقاومة باسلة، كان يُقال لها المقاومة الوطنية تارة، والإسلامية تارة أخرى، ثم بات يقال إنها المقاومة الوطنية والإسلامية. وكان الحدث الجديد في مرحلة ما بعد الاجتياح ولادة «حزب الله»، حزباً مقاوماً منذ بداياته، وقد استمر يحمل المشعل، مع سواه تارة، وبمفرده تارة أخرى، وليس في هذه الشهادة انتقاص من نضال الآخرين وجهادهم، لكنها كلمة حق تُقال إن هذا الحزب لم يتوقف يوماً عن النمو، والانتشار، والبناء، والجهاد، والتكامل، وتوحيد الصفوف، وتقديم الشهداء مشاعل على طريق التحرير.
إسرائيل، من ناحيتها، ما كانت لتكتفي باجتياح ,1982 بل استمرت طوال الثمانينيات تعد العدة لجولات قادمة، استناداً إلى كونها القوة الأولى الضاربة في الشرق الأوسط، واستناداً إلى إلحاقها الهزائم بعدد من الجيوش العربية. وقد جاءت التطورات الدولية في العقد الأخير من القرن العشرين لصالحها، من انهيار الاتحاد السوفياتي، وتقلص هيبة معسكر عدم الانحياز، وزوال عهد القطبين، وتحول مجلس الأمن الدولي إلى مزرعة أميركية.
أمّا بالنسبة إلى الغزو الأميركي للمنطقة العربية في هذا العقد مرتين تحت شعار الديموقراطية، فأسوأ ما نتج عنه هو التخبط الذي وقع فيه عدد من الدول العربية، بين التحالف مع القوات الغازية بحجة محاربة الإرهاب، أو السير على الطريق المعاكس، أي مجابهة أصل الإرهاب: الصهيونية وحلفائها.
بدا لإسرائيل إزاء التطورات الدولية التي انتهت إلى وحدانية «القطب» الأميركي، أنها قد تغدو هي أيضاً الحاكم الأوحد في الشرق الأوسط القادم الجديد، خصوصاً أن عدداً لا يستهان به من الدول العربية كان قد وقع صلحاً معها، أو فتح لها المكاتب، أو استمر في علاقاته السرية التي ما توقفت منذ عقود. أما اتفاقية أوسلو وما تلاها من تنازلات في إثر تنازلات، فقد فتحت الأبواب أمام إسرائيل للاستمرار في تهويد القدس، وبناء المستوطنات، وبناء الجدار الفاصل القاتل، والاستمرار في تقطيع ما تبقى من أراض فلسطينية كي يصبح الحلم ببناء دولة فلسطينية أمراً شبه مستحيل؛ أمّا بالنسبة إلى حدودها الشمالية، فقد وقعت في وهم سهولة القضاء على المقاومة في لبنان، استناداً إلى كونها تمتلك أقوى جيش ضارب في المنطقة بأسرها.
لكن ما جرى على أرض الواقع كان يحمل المفاجأة تلو المفاجأة لإسرائيل. وهذا ما يدعونا إلى التوقف إزاء طبيعة الحروب الجديدة ما بين دولة ومقاومة.
أطلق على الاجتياح الإسرائيلي الثالث للبنان في 25/07/1993 «عملية تموز»، أو «حرب الأيام السبعة»، وأطلقت عليه إسرائيل عملية «تصفية الحسابات»، وكانت تستهدف منع الكاتيوشا التي يطلقها حزب الله، وقال رابين رئيس الوزراء إنه منذ بداية سنة ,1993 تعرض الشريط الحدودي إلى 882 هجوماً، وقال إنه منذ انسحاب إسرائيل من المنطقة سنة ,1985 قتل 99 جندياً إسرائيلياً.
أدت عملية تموز إلى المزيد من الشهداء والجرحى والمنازل المدمرة والمهجرين، لكن الأسوأ من هذا كله الذهول مما جرى.
بطلب من الرئيس الأميركي ساهمت كل من إيران وسوريا بإرساء تفاهم يقضي بعدم تعرض شمال إسرائيل إلى الكاتيوشا مقابل تعهدها بعدم قصف القرى الآهلة والمدنيين. لكن هل من داع إلى القول بأن إسرائيل لم تلتزم يوماً بما تعهدت به؟
ثم.. لا مجال للمقارنة بين عناصر القوة التي تمتلكها «الدولة» مهما صغرت، وتلك التي يمتلكها «الحزب» مهما كبر! فكيف حين تكون «الدولة» مدعومة من أقوى دولة في العالم، بينما الحزب متهم بأنه حزب «إرهابي»!
مع ذلك.. تمكن هذا الحزب المجاهد مدعوماً من شعبه من أن يقوم بما عجزت عنه الجيوش العربية، تمكن من دحر إسرائيل واضطرارها إلى الإذعان والانسحاب، لأول مرة في تاريخها. وكان الانسحاب في 25/04/2000 بأسرع من كل التوقعات.
انتهى عهد الشريط الحدودي.. تحرر الجنوب.. لكن.. بقيت مزارع شبعا محتلة.
وكانت هناك جولة بعد ستة أعوام كان كل فريق يستعد خلالها، غير أنه اتضح من النتائج في ما بعد أن إسرائيل فشلت في تلك الأعوام الستة في أمرين على غاية الأهمية:
فهي فشلت في الاستعداد الكافي للحرب، أولاً؛ وفشلت في معرفة قوة عدوها، أي حزب الله، ثانياً؛ إذ أثبتت الأيام أنها كانت والأرجح أنها ما تزال لا تعلم مدى قوة هذا العدو من أمامها.
وهكذا.. قادها الجهل هذه المرة لتهجم بكل صلف ورعونة على مواقع حزب الله، بل لبنان كله، منذ 12/7/,2006 وكل توقعاتها أن الحرب تنتهي في أيام، لكنها استمرت 33 يوماً.
من دون أي ريب كانت حرب «ال33 يوماً» حرباً فريدة من نوعها بالمقاييس المختلفة، فالتاريخ لم يسجل بعد حرباً استعمل فيها أحد الفريقين مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها تلك المحرمة دولياً، من الجو والبحر والبر، وانشغل بها العالم كله، وما هي في حقيقة الأمر سوى حرب بين دولة وحزب!
هل فوجئ العسكريون في إسرائيل بقدرات حزب الله؟
من السذاجة التصور بأن الفوارق بين طبيعة المجابهات التي يخوضها مجاهدون على طريقة حرب العصابات ضد جيش نظامي، هي وحدها السبب في انتصارهم. لو كان الأمر كذلك، لما احتاجت ثورة الجزائر أكثر من سبع سنوات لتنتصر، والحق يقال إنه لولا حكمة الجنرال ديغول واستيعابه لمتغيرات العصر، لكان موعد استقلال الجزائر قد تأخر.
اليوم لا ديغول هناك في إسرائيل.
اليوم لا بد لإسرائيل من أن تجابه صراعها بين غطرستها المعهودة والعقل الذي يحدو بها لمعرفة أسباب انتصار المقاومة الإسلامية، ولنتركها تجابه صراعها.
لكن ما يعنينا هو صراعنا نحن العرب. ما يعنينا هو المفاجأة التي هزت الشارع العربي حماسة، وهزت كراسي الحكام هلعاً.
أهذه هي الحرب الأخيرة في سجل الحروب العربية الإسرائيلية؟ أم إنها «الحرب» الأولى في سجل الصراع الحقيقي مع العدو الصهيوني؟
بحثاً عن الجواب نعود إلى الخطاب السياسي العربي منذ قيام دولة إسرائيل.
في سنوات ما بعد النكبة، كان الخطاب السياسي متواصلاً في التغني بفلسطين وشعبها وقضيتها، وبقدر ما كان الحاكِم العربي يجزل وعوده بتحرير فلسطين، بقدر ما كان يبقى مطمئناً إلى بقائه على كرسي الحكم؛ وهكذا اختلطت المبادئ بالأهداف بالوسائل بالمطامع! أمّا في مرحلة ما بعد ثورة مصر، سنة ,1952 وما تلاها من دولة الوحدة بين مصر وسوريا، سنة ,1958 فقد أضيفت قضية الوحدة العربية إلى قضية فلسطين، وخصوصاً في الخطاب الناصري، وبات تصنيف الدول العربية يضم معسكرين: دولاً تقدمية، وأخرى رجعية. ثم اختفت مصطلحات «التقدمية» و«الرجعية» في أعقاب حرب ,1967 نهائياً، بسبب ما ترتب على حرب هذه النكسة من الاستفادة من أموال البترول العربي لإعادة بناء الجيوش المصرية والسورية والأردنية والفلسطينية، ولم يعد الحديث إلاّ عن إزالة آثار العدوان.
أمّا بعد اتفاقيات السلام والمعاهدة المصرية الإسرائيلية، سنة ,1979 فأصبحت حدود الانقسام بين العرب تخضع لمعايير القرب والبعد من خط الاستسلام، أي بين منطق الذين كانوا على هذا الخط، ومنطق الذين كانوا لا يزالون ينادون بعكس ذلك؛ ثم اتخذ الانقسام منحى أكثر حدة ووضوحاً بعد مؤتمر مدريد للسلام، وما أعقبه من «اتفاقية أوسلو» بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، واتفاقية «العقبة» بين إسرائيل والأردن. وهكذا ابتدأ ما يُعرف ب«ثقافة السلام» بالانتشار، هذه الثقافة المستوردة التي أضحت معانيها ومفرداتها شرطاً لقبول الخطاب السياسي العربي أميركياً ودولياً.
أمّا الخطاب السياسي لحزب الله، فأهم ما يتميز به من خلال خطب الأمين العام السيد حسن نصر الله، كذلك من خلال خطب العشرات من نوابه والمسؤولين فيه وتصريحاتهم، فهو نهجه الذي يتناقض كلياً مع النهج الاستسلامي، والذي ينضح مصداقية وإيماناً وصلابة.
وأمّا بالمقارنة بين حرب «ال 33 يوماً» وما سبقها من الحروب العربية الإسرائيلية، فمن أبرز نتائج هذه الحرب الأخيرة عربياً، وإسلامياً، ولبنانياً، وفلسطينياً، هو في كونها ركزت وضع البوصلة في الصراع مع العدو الصهيوني نحو الاتجاه الصحيح، اتجاه المقاومة.
أمّا القرار الأميركي/ الإسرائيلي بشطب «حزب الله»، واعتباره بكل بساطة، حزباً «خارج المكان والزمان»، فهو يعيد إلى الذاكرة العربية القرار الاستعماري المشابه بشطب الشعب الفلسطيني من الوجود، منذ تسعين عاماً، يوم أصدرت بريطانيا وعدها بتأسيس «وطن قومي للشعب اليهودي»، أي الدولة اليهودية، على لسان اللورد بلفور. لم يكن في ذلك الوعد أية إشارة إلى الشعب الفلسطيني، كانت هناك إشارة فقط إلى «الجماعات» أو «الطوائف غير اليهودية»، وهي التي حرص الوعد في أسطره الثلاثة على حرمانها من أي حق سياسي.
الفوارق بين الأمس واليوم، أبرزها أنه ما كان هناك بالأمس خلاف على اعتبار بريطانيا دولة مستعمِرة، مثلا، بينما السباق محتدم في أيامنا على إرضاء من هم في موقعها دولاً ومؤسسات، وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة! كما أنه ما كان هناك بالأمس خلاف على اعتبار الشيخ عز الدين القسّام باعثاً للثورة في فلسطين كلها، مثلاً، وهو الشيخ المجاهد المؤمن، ابن جبلة السورية، الذي لم يطالبه أحد بإثبات فلسطينيته قبل أن يقوم بإعلان الثورة من أحراج يعبد، مع جماعة صغيرة من رفاقه، ضد بريطانيا العظمى. بينما اليوم هناك من يطالب الذين يناضلون دفاعاً عن القرى الحدودية، من الاجتياحات الإسرائيلية الهمجية، بضرورة إثبات هويتهم اللبنانية، أولاً وآخراً، وقد يأتي يوم يحرّم فيه على ابن مارون الراس أن يدافع عن عيتا الشعب، فمن يدري؟
أمّا القواسم المشتركة بين الأمس واليوم، فهي أقوى من كل الفوارق المصطنعة، ولو توقفنا إزاء نهج الشيخ القسّام ونهج السيد نصر الله، لوجدنا قواسم أكثر من أن تحصى، أهمها الإيمان بالله، ورسوله الأمين، وكتابه المبين. ومن يعرف الإسلام على حقيقته، ومن يعرف تاريخ العرب المسلمين، يعرف أنه ما من معركة خاضها الرسول، صلوات الله عليه، أو خاضها رجال الصحابة والفتح، أو المسلمون المؤمنون في العصور اللاحقة، إلاً وكانت هذه الآية الكريمة نصب أعين القادة: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».
هكذا أعد الأجداد كل ما يستطيعونه من قوة في حرب اليرموك، وفي فتح القدس، وفي فتوح بلاد الشام.. ولكل زمان مصادر قوته، ولكل زمان رباط خيله، وقد استعدت المقاومة الإسلامية في لبنان طوال سنوات طويلة، فلم تترك شاردة ولا واردة إلاّ وحسبت لها الحساب، وهي تدرك كل الإدراك أنها لا تعيش في زمن الصحابة والخلفاء الراشدين، بل في أسوأ العهود العربية تأخراً وتبعية.
هذا ما جعل المقاومة الإسلامية تنتصر، فالنصر ليس بالإيمان وحده، ورجالها كلهم مجاهدون مؤمنون، لكنه بالإيمان والإعداد المتواصل جهد المستطاع، وبلا حدود، بلغة العصر، إن شئنا.
من السذاجة أن يتصور أي حاكم عربي، أو أي سياسي لبناني معتز بصداقته للبيت الأبيض، أنه بالإمكان إرهاب مجاهدين أقوياء شرفاء قدموا ألف دليل ودليل على شجاعتهم وانتصارهم.
هؤلاء ليسوا خارج المكان، هم في قلب المكان، وليس المكان لبنان وحده، بل هو كل وطن يرفض شعبه الاحتلال أو التبعية؛ وكما ارتفعت صور عبد الناصر أو غيفارا بالأمس على الجدران التي يصبو سكانها إلى الحرية، في أية مدينة من مدن العالم، ترتفع اليوم صور مانديلا وحسن نصر الله.
وهؤلاء ليسوا خارج الزمان، فشجرة الحرية قد تذوي أغصانها يوماً، أو عهداً، أو حتى قرناً، لكن تعود إليها الحياة كلما وجدت من يرويها، وهؤلاء يروونها بدمائهم وإيمانهم وصلابتهم.
أمّا عهد الهيمنة الأميركية الأحادية، فالدليل على زواله آجلاً إن لم يكن عاجلاً، هو ليس فقط زوال كل ما سبقه من عهود «استعمارية» بحكم مسيرة التاريخ، الدليل هو تزايد الأصوات الحرة التي ترتفع يوماً بعد يوم، ومن بينها أصوات من لبنان الصغير، فالأوطان ليست بمساحاتها، لكن بإرادة شعوبها.
عن صحيفة السفير اللبنانية
31/10/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.