الاعتداءات على أهالي عكا..معان ودلالات! د. فايز رشيد (الموت للعرب) هذا الشعار صرخ به المستوطنون الصهاينة وهم يقومون بالاعتداءات على مواطني عكا من العرب، يحرقون ويدمرون بيوتهم وسياراتهم، ويطردونهم من مدينتهم، مستعينين بالإمدادات التي جاءتهم من خارج المدينة، من غلاة المتطرفين، وتغاضي قوات الشرطة الاسرائيلية عن جرائمهم ، فالاعتداءات كانت تتم على مسمع ومرأى من هذه القوات. حادثة السائق توفيق الجمل، الذي اضطر لقيادة سيارته والمرور من حي يهودي في عكا، في الليلة الاولى من عيد الغفران، في طريقه الى عكا الجديدة لاحضار ابنته (وقد اعتقلت الشرطة هذا السائق فيما بعد) لم تكن السبب الاساسي في هذه الاعتداءات ذلك ان (17) الف عربي يسكنون المدينة من بين (52) الفا هم عدد سكانها ، بالقدر الذي كانت فيه بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فالعرب في عكا القديمة موضوعون على رأس اولويات السلطات الاسرائيلية لتهجيرهم منها ، ولذلك فان اغراءات كثيرة كانت تقدم لهم لترك بيوتهم الى منازل جديدة تم بناؤها في القرى العربية المحيطة ، وذلك من اجل تهويد المدينة. معروف ايضا ان اسرائيل ومنذ سنوات طويلة تمنع على العرب في الحي القديم من عكا ترميم بيوتهم ، او اجراء اي تغيير فيها ، وذلك بهدف دفع السكان الى مغادرتها ، ومن المعروف ايضا ان مساجد عكا واماكن العبادة الاسلامية الاخرى ، تحولت الى كنس ومواخير او جرى هدمها ومنع إعادة البناء في مواقعها. كذلك فان الكيان الصهيوني وعلى طريقته يمارس سياسة التجهيل بالنسبة للسكان العرب، فلا توجد في المدينة سوى مدرسة ثانوية واحدة. عكا مدينة فلسطينية وادعة ، تنزرع عميقا في التاريخ، جاءها شرحبيل بن حسنة فاتحا في عام 16 للهجرة، وقد اتخذها ابن طولون احدى عواصم دولته. وقد جددها هشام بن عبدالملك ، حكمها الأفرنج وحررها صلاح الدين الأيوبي في عام 583 للهجرة، وقهرت غزو نابليون في عام 1799م وارتد خائبا عن اسوارها ، ولذلك تسمى ب(قاهرة نابليون) وبمدينة (الجزار) نسبة الى حاكمها القوي آنذاك: احمد باشا الجزار. احتلتها القوات الصهيونية في 18/5/1948 بعد قتال عنيف، وقامت بتهجير معظم اهاليها الى الدول العربية المحاذية لفلسطين. لقد وضع اسرائيل كينغ ، متصرف لواء الشمال في عام 1976 وثيقة، صارت تعرف باسمه ، تحدث فيها صراحة عن القنبلة الديموغرافية العربية وعن ضرورة التخلص من العرب، وبخاصة في الجليل. جددت هذه الوثيقة مؤتمرات هرتسيليا الثمانية (2000 2008) والتي بحثت في وسائل التخلص من هذا الخطر: اما بالترانسفير، وتخفيض نسبة الولادة ، وتبادل مناطق الكثافة السكانية الكبيرة مع السلطة الفلسطينية ، وبالفعل فان تبادل الاراضي مطروح على جدول اعمال الحكومة الاسرائيلية . كثيرون في دولة الكيان الصهيوني تحدثوا عن الخطر الديموغرافي العربي منهم: المؤرخ الذي خان ماضيه: بني مورس وآخرون ، فوفقا للتقديرات الاسرائيلية فان نسبة العرب في اسرائيل ستتفوق على اليهود في عام 2035 اذا بقي الميزان الديموغرافي قائما كما هو عليه الآن. ان من معاني ودلالات الاعتداءات على أهالي عكا التالية: اكذوبة التعايش التي تتشدق بها اسرائيل بين العرب واليهود فيها ، ورغم مضي ستين عاما على قيام هذه الدولة، لم تنتج العقيدة الصهيونية والتربية الاسرائيلية وتعاليم المدارس الدينية ، سوى المزيد من الحقد على المواطنين العرب، كما ان اسرائيل لا تزال تسعى لتهجير السكان الفلسطينيين من المدن المختلطة مثل: يافا وحيفا وعكا والناصرة واللد وغيرها، بهدف التهويد النهائي لهذه المدن على طريق بناء الدولة اليهودية الخالصة النقاء. كما ان اعتداءات عكا الاخيرة تمثل اثباتا جديدا على عنصرية دولة الكيان الصهيوني وعلى زيف مقولة (الديموقراطية الاسرائيلية) فكثيرون من الاسرائيليين وآخرهم اولمرت يقرون ويعترفون بسياسة التمييز العنصري الممارسة ضد العرب في منطقة 48. ما حدث في عكا يلقي الضوء على بعض المصطلحات السياسية مثل: إمكانية الحل من خلال الدولة الديموقراطية الواحدة ، التي يتعايش فيها العرب واليهود معا ، فالاعتداءات التي جرت في عكا تثبت بما لا يقبل مجالا للشك استحالة قبول الاسرائيليين بالتعايش مع الفلسطينيين او مع العرب بشكل عام ، الامر الذي يلقي بمدلولاته على طبيعة الصراع العربي الصهيوني ، وعلى سماته العامة وضرورة الاستفادة من هذه السمات في تحديد الرؤية المستقبلية لفلسطين، كدولة فلسطينية ذات سيادة ، وجزء اساسي من امتها العربية دولة ديموقراطية عربية تتعايش فيها الأديان على قدم المساواة، ويتمتع كافة مواطنيها بنفس الحقوق والواجبات، وان أية رؤية استراتيجية تبتعد عن هذا الفهم ، فإنها رؤية ناقصة لا تتعامل مع الواقع ومعطياته وتتنافى وحقائق الأمور وحقائق الصراع وطبيعته ، والحدود التي من الممكن ان يصل اليها الاسرائيليون في التعاطي مع الفلسطينيين او مع العرب بشكل عام. (على الجميع ان يحترموا الغفران)! هذا ما قالته تسيبي ليفني رئيسة الوزراء الاسرائيلية المكلفة اثناء احداث عكا بالطبع فان ليفني تقصد العرب، لان اليهود يحترمون (الغفران). بكلام آخر فان ليفني التي عممت استنتاجها والتي لم تعزه الى حادثة فردية (مع ان السائق لم يقصد إهانة الدين اليهودي بركوبه سيارته)، تريد القول: ان العرب لا يحترمون الأعياد الدينية اليهودية. مثل هذه التصريحات تشي: باستحالة جنوح أي قيادة اسرائيلية حالية او اخرى مقبلة على المدى القريب او الآخر البعيد الى السلام مع الفلسطينيين او العرب، وان العربي لن يخرج من دائرة العدو الى الدائرة الاخرى (الصديق). ذلك يبين ايضا: استحالة المراهنة على المدى البعيد على أية تغييرات دراماتيكية في التربية الصهيونية وبالتالي لدى الاسرائيليين بشكل عام، فيما يتعلق بالعقلية الديموقراطية القائمة على احترام الآخر (العربي)، وسيبقى هذا حكما في المنظار الصهيوني الانسان الذي يتوجب عليه الموت، فالعربي الجيد وفقا لمائير كهانا هو (العربي الميت) ما جرى في عكا هو اكثر من حادثة اعتداءات. عن صحيفة الوطن العمانية 19/10/2008