تجئ هذا العام الذكري الثامنة والثلاثون لرحيل عبدالناصر في28 سبتمبر1970 مرتبطة ببعض المواقف التي مازالت آثارها باقية تضئ لنا صفحات التاريخ.
في يوم19 سبتمبر مر نصف قرن علي اعلان تشكيل حكومة الجزائر المؤقتة من القاهرة عام1958 برئاسة( فرحات عباس) رئيس حزب البيان العربي.. وكان لها نائبا رئيس هما كريم بلقاسم وزير الدفاع وأحمد بن بيللا.. ووزراء الدولة حسين آية أحمد ورابح بيطاط ومحمد بو ضياف ومحمد خيضر, ولم يكن إعلان الحكومة الجزائرية الحرة المؤقتة من القاهرة هو بداية التعاون بين ثورة23 يوليو, وثورة الجزائر.. فقد سبق أن أعلنت الاذاعة المصرية من صوت العرب ساعة الصفر للثورة الجزائرية في أول نوفمبر1954 باذاعة بيان جبهة التحرير الجزائرية المصاحب لتفجير24 قنبلة في اماكن مختلفة من الجزائر في وقت كانت قوات الاحتلال البريطاني مازالت تحتل منطقة قناة السويس.
ولكن إعلان الحكومة المؤقتة كان يقدم أكثر من دلالة علي استمرار تعاون الثورتين المصرية والجزائرية, وهو ماصرح به جمال عبدالناصر في حديث للصحفي الهندي كارنجيا يوم29 سبتمبر1958 عندما قال له( إن إعلانها في القاهرة هو الدليل الواضح علي تأييدنا الكامل لها, وأننا نثق في أن اعلانها سيكون عاملا يبعث المزيد من القوة والشجاعة في قلوب إخواننا الجزائريين الشجعان الذين يحاربون نصف مليون جندي مسلحين بأسلحة حلف الاطلنطي).
وهنا.. لابد من الإشارة الي أن إعلان الحكومة الجزائرية من القاهرة قد جاء في توقيت مثير.. أعقب العدوان الثلاثي علي مصر الذي شاركت فيه فرنسا التي اعتبرت ان ضرب الثورة المصرية هو ضرب لثورة الجزائر وتجفيف لمنابع تأييدها.. وقد رفضت مصر اعادة العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا لفترة طويلة رغم اعادتها مع انجلترا.. وذلك لأن ثورة الجزائر كانت مازالت مستمرة, وزاد عدد الجنود الفرنسيين المحتلين الي ربع مليون جندي, وهكذا وقف جمال عبدالناصر مع الثورة الجزائرية في قيام حكومتها المؤقتة من القاهرة.. والتي مازال مقرها موجودا في شارع شريف امام البنك المركزي حيث يوجد المركز الثقافي الجزائري الذي يقدم للمترددين عليه اعلاما قوميا ناضجا عن العلاقات المصرية الجزائرية.
وشاءت الظروف خلال هذا الشهر أيضا ان تدعو منظمة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية الدكتورة آليدا جيفارا كريمة الزعيم الكوبي ارنستو شي جيفارا لزيارة مصر التي سبق لوالدها أن قام بزيارتها عامي1959 و1965, والتقي مع جمال عبدالناصر.
والدكتورة آليدا هي الابنة الكبري لجيفارا وقد ولدت في24 نوفمبر1960, وتعمل حاليا طبيبة اطفال بأحد مستشفيات هافانا.. وسبق لها أن عملت في أنجولا والإكوادور ونيكاراجوا.. وتعمل علي نهج ومبادئ والدها الانسانية الذي ضحي بحياته من أجلها خلال نضاله مع الشعوب من أجل التحرر, وتزور الدكتورة اليدا جيفارا في زيارتها المقبلة لافريقيا مصر وجنوب افريقيا فقط من دول القارة.. وتحرص في هذه الزيارة علي لقاء بعض الذين قابلوا والدها في مصر خلال زيارته لها.
وهكذا.. وبعد هذه الفترة من رحيل جمال عبدالناصر تقبل ابنة الثائر التاريخي جيفارا لزيارة مصر مؤكدة ان دور جمال عبدالناصر في تحرير الشعوب وتضامنها لم يقف عند الحدود العربية أو آسيا وافريقيا, وإنما امتد ايضا الي أمريكا اللاتينية التي تتحول بعض دولها في السنوات الأخيرة الي دول مواجهة مع العدوانات ومحاولات الهيمنة الأمريكية.. وتأتي ذكري رحيل جمال عبدالناصر مقترنة بمحاولاته في تهدئة الموقف بين الأمة العربية, ودعوته لعقد مؤتمر قمة لوقف القتال الذي كان قد اشتعل بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية.. وبذل فيه من الجهد ما استنفد طاقته وهو مريض واسلم الروح بعد توديعه لآخر الزعماء المشاركين.
عاد السلام بين الأشقاء العرب.. واقترن رحيل جمال عبدالناصر بهذا الموقف الانساني الرائع الذي يتجدد في نفوس الاحرار في انحاء العالم.. والذي جعل من رحيله ذكري دائمة وبارزة من علامات التاريخ المعاصر. عن صحيفة الاهرام المصرية 29 / 9 / 2008