تقاس قيمة الفن بتعبيره عن ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه ودوره فى الارتقاء بقيم المجتمع وعاداته و تغيير ما قد ينتشر بالمجتمع من أفعال سلبية او سلوكيات خاطئة.
وهذه هى رسالة الفن الراقي الذي يحافظ على تماسك المجتمع من خلال معالجة ما به من سلبيات وعرضها على الرأي العام وهنا يبرز الفن كصاحب رسالة الحقيقية
هذا المؤشر السابق قد يختلف عليه عدد قليل ممن يؤمنون بمقولة الفن للفن وهى مقولة تظهر فى بعض أزمنة المجتمعات تعبيرا عن سلوك بعض اصحاب المهن الرفيعة فيقولون اننا نقدم فنا للفن وصحافة للصحافة وادبا لمجرد الادب .
اى لا تطلب منى رسالة فهذا ليس دورى ولا تطالبنى بمعالجة سلبيات المجتمع فلست مصلحا اجتماعيا وغيرها من الردود الهزيلة الرديئة والتى لا ترقى للبحث او المناقشة لان الإنسان خلق ليقوم بمسئولياته تجاه نفسه وتجاه المجتمع من اجل تحقيق النمو والارتقاء والتقدم .
وازعم أن من يدعى انه يمارس الفن من اجل الفن لديه أهداف تحت الطاولة تظهر عندما تشاهد ما يقدمه من منتج فني وهو ما دعاني إلى كتابة هذه السطور وتعالى معي لنبحر فى صلب الموضوع
إن اى واحد منا وهو صغير كان يجلس ليشاهد فيلما فى البيت او مسلسل تليفزيونى مع اسرته وما ان يظهر مشهد خارج عن الذوق العام مثلا كأن يظهر ممثل وممثلة يتبادلان القبلات وهما في خلوة معا يبادرالاب أو الأم بتغيير القناة إلى قناة أخرى.
وعندها لا يسال الأطفال عن سبب تغيير القناة لأنهم يعرفون أن ما رأوه عيب وغير اخلاقى ولا يجدر بهم ان يشاهدوه ولكن وانا صغير كنت اندهش من هذا فما دام هذا حرام وعيب فلماذا يسمح ببثه أصلا على الشاشة
ظلت هذه الأسئلة تراودني وانا صغير لان ابي وامي افهماني ان مثل تلك المشاهد حرام وعيب وهي من المعاصي التي تغضب الله تعالي وكذلك اصدقائى واقاربى وحتى أستاذ المدرسة وكل الناس يعلمون هذه الحقيقة.
ولكن ما يدهشنى اكثر ما دام كل هؤلاء يرون أن هذه المشاهد الجنسية بين غير المتزوجين زواجا شرعيا خطأ وحرام فلماذا يبثها تليفزيون الدولة والذى علمنى أبى انه ملكى وملك كل طفل مصرى " التليفزيون والإذاعة بتوعك انت وكل الأطفال اللى معاك فى المدرسة وكل الناس فى مصر "
عندما كبرت أكثر ظلت الأسئلة تلاحقني الا ان اندهاشي زاد كثيرا لانى عرفت ان دين الدولة التي انتمى إليها هو الإسلام وهذا الدين يحرم ممارسة الجنس خارج نطاق العلاقة الزوجية ويحرم على اى امرأة ان يتم تقبيلها من اى رجل غير زوجها او أبوها .
فلماذا اذن يتم بث تقبيل الفنانات بل وممارسة كل ما هو حرام في غرف النوم على تليفزيون الدولة دون ان يتم تجريم ذلك ومحاسبة من ينشرون الفاحشة في الذين آمنوا ؟؟
مرت السنوات وكبرت أكثر وأكثر وعرفت أن القانون يحرم الدعارة وهى ممارسة الجنس دون عقد شرعى وبمقابل او بدون مقابل وأمام الناس وكذلك عرفت ان القانون يعاقب اى رجل يقبل زوجته فى الشارع وسماه القانون فعل مخل فى الطريق العام .
وزادت دهشتي كيف يحرم القانون رجل من تقبيل زوجته – حلاله – فى الشارع بينما يبيح لممثل بتقبيل فنانة فى فيلم مثل "النوم فى العسل " أمام ملايين الناس حيث يذاع الفيلم مرارا على تليفزيون أنا واحد من ملاكه ويبث أمورا ارفضها تماما وأظن ان الكثير من الملاك لهذا التلفيزيون يرفضون هذا .
وقد عرفت أن الدين المسيحي والمؤمنون به من شركاءنا في الوطن يحرم اى ممارسة للجنس خارج إطار الزوجية ويعتبره ذنبا بالغ الخطورة بل انه يعتبر الزنا السبب الوحيد لإباحة إنهاء عقد الزواج .
اذن ما دمنا نعيش فى دولة دستورها يؤكد ان الدين الرسمى للدولة هو الاسلام والذى بدوره يحرم اى ممارسة للجنس خارج اطار الزوجية ويشدد العقوبة اذا كانت هذه الممارسة امام الناس ويعتبره فحشا عاما .
وما دام الدين المسيحى يؤكد على حرمة ممارسة الجنس أيضا خارج إطار الزوجية وما دام الاباء والامهات والاطفال وكل الشعب يرفض اى ممارسة للجنس خارج الزواج وكل اب وام يحث ابنه على الفضيلة وحماية بنت الجيران واى بنت فى الشارع وحمايتها من اى معتدى عليها بدافع الرجولة والنخوة .
ما دام كل ذلك مؤكدا ولا خلاف عليه وما دام القانون والدستور جاءا ليحافظا على قيم وثوابت المجتمع ومواجهة الانحراف من باب الردع العام فما هو ذلك الشيء الذى يسمى الفن والذى يعطي نفسه الحق لتقديم اى شيء وينتهك القانون والدستور والأديان السماوية بحجة الفن للفن؟؟
ما تعلمته واعرفه ان الفن يجب ان يعبر عن ثقافة كل مجتمع وقيمه وان ممارسة الجنس فى الأفلام فى الدول الغربية مثل أمريكا وفرنسا وغيرها يعد أمرا طبيعيا لان الثقافة هناك لا تعتبر ذلك عيبا إلا إنها تمنع الأطفال من مشاهدة هذه الأفلام فى الصغر وتكتب عليها للكبار فقط إلا أنها فى المجمل أفلام غربية تعبر عن تقاليد مجتمع غربي هذه هى تقاليده ومن حقه ان يقدم ما شاء.
إذن ألستم معي أنه ينبغي لمنتجي الأفلام فى المجتمع الشرقى المحافظ مثل مصر عدم ضرب ثوابت ومعتقدات الناس الدينية والا تتمرد علي ثقافة هذا المجتمع المتدين بطبعه و ان تمتنع عن تقديم الدعارة والجنس المكشوف مغلفين ذلك بغلاف كاذب يدعى الفن ؟؟
بالنظر الى تاريخ السينما المصرية نجد انها سينما بها الكثير من ثقافة التغريب التى ابعدت المجتمع عن ثقافته وتقاليده بحجة التحديث.
ونسى صانعوا هذا النوع من السينما ان التقدم يأتى عبر العلم وعبر التمسك بالهوية لا عبر تشجيع الناس على ممارسة الجنس وتهييج عواطفهم وغرائزهم لتزيد بسبب ذلك حوادث الاغتصاب والطلاق والجرائم الجنسية في ظل تزايد البطالة وانتشار العنوسة وعدم قدرة غالبية الشباب علي الزواج .
لنظر مثلا الى اليابان والصين والهند وهى مجتمعات شرقية مثلنا هذه المجتمعات نهضت عندما تمسكت بثقافتها وتقاليدها وأصولها واقرأ مثلا كتاب "التنين الأكبر" وهو كتاب الفه استاذان أمريكيان فى الاقتصاد وعملا فى مؤسسات اقتصادية عملاقة .
وكيف أنهما يؤكدان أن نهوض الصين بنى أساسا على التمسك بتقاليد المجتمع الصيني وعاداته وحفاظه عليها بمعنى ان تتعلم وتنتج احدث التكنولوجيا فى وقت تحافظ فيه على تقاليد المجتمع وأصوله.
فى كتاب "التنين الأكبر" عبر الكاتبان عن اندهاشهما عندما عرفا من اكاديمى صيني كبير ان أباه قال له " اذهب الى أمريكا وتعلم احدث ما وصل إليه العلم فى الاقتصاد وقد تعمل نادلا فى مطعم .
ولكنك عندما تعود إلينا بعد إكمال تعليمك فان الأمريكان سيعملون لديك وكان يوصيه ابيه بالحفاظ على تقاليد المجتمع الصينى الشرقى المحافظ "
الأدلة كلها تؤكد أن تقدم مصر رهن بالتحديث العلمي مع الحفاظ على ثقافة وتقاليد هذا المجتمع الشرقي المحافظ والمتدين وان نشر الخلاعة والمجون والفاحشة بين الناس عبر الفن المزعوم هي وسائل هدم وليست وسائل بناء وتقدم وان التقدم والنهوض الحضاري لن يتم عبر إنتاج الكثير من أفلام "البورنو" التي تدعى التحرر .
فمثلا المشروع الفنى للمخرجة إيناس الدغيدى مشروع لايؤدي إلا إلي تخريب وهدم قيم المجتمع وثقافته ومبادئه مهما ادعت كذبا أنها تسعى إلى تحديث المجتمع ومواجهة سلبياته .
لان أفلام مثل مذكرات مراهقة والباحثات عن الحرية وغيرها من افلام البورنو لا تساهم فى تحديث المجتمع ولا تحل أزمات بل تتسبب فى أزمات كبرى وتساهم فى نشر الرذيلة بين الشباب وتحرك فيهم الغرائز وتبعدهم عن تلقي العلم والنهوض ببلدهم .
لذا أدعو المجتمع الذي يرفض هذه الثقافة الغربية التي ينشرها بيننا بعض الفنانين ومنتجوا أفلام البرنوا أن يقف موقفا موحدا بكل أطيافه أباءا وأمهات ومسلمين ومسيحيين من اجل طرد الثقافة الوافدة الهدامة والأخذ علي يد تجار النشطة الثقافية الذين يبيعون لنا الوهم ويهدمون مجتمعاتنا باسم الفن .