إلي أي حدّ سيذهب الأمريكيون في التغيير؟ خيرالله خيرالله في أعقاب انتهاء مؤتمر الحزب الديمقراطي في دنفر الذي رشح باراك أوباما للرئاسة، يظل السؤال: هل الأمريكيون علي استعداد للتغيير الكبير، أم انهم شعب محافظ يفضل في لحظة الحقيقة التمسك بالسياسيين الذين ينتمون إلي مدرسة معينة، بغض النظر عما إذا كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين؟ اسم هذه المدرسة هو الآتي: الأمريكي الأبيض الأنغلو- ساكسوني البروتستانتي. وحده الكاثوليكي جون كينيدي شذ عن القاعدة في الماضي. ذلك عائد، إلي حد كبير، إلي أنه ينتمي إلي عائلة معروفة وثرية ذات نفوذ سياسي محلي كبير في ولاية مساتشوستس، نما لاحقا حتي جعلها جزءا لا يتجزأ من العائلات التقليدية التي لديها حضور في الكونغرس امتد إلي ولايات أخري بينها نيويورك وماريلاند. لقد سمح الانتماء العائلي لجون كينيدي بالوصول إلي الرئاسة علي الرغم من كونه كاثوليكيا.. مع باراك حسين أوباما، تبدو الأمور مختلفة. الرجل أسود يأتي من عائلة فقيرة وقد صنع نفسه بنفسه. لم يتوقف في خطابه الذي أعلن فيه قبول ترشيح الحزب الديمقراطي له عن الاشادة بوالدته وجدته والجهود المضنية التي بذلتها عائلته من أجل تمكينه من الحصول علي تعليم راق. أراد أوباما، الذي كان يتحدث في ختام مؤتمر الحزب في ملعب رياضي يتسع لما يزيد علي ثمانين ألف شخص، التوجه إلي الأمريكيين العاديين مؤكدا تمسكه بالقيم التي جعلت من الولاياتالمتحدة القوة العظمي الوحيدة في العالم ومكنت رجلا أسود مثله من الوصول إلي موقع مرشح أحد الحزبين الكبيرين للرئاسة. دخل باراك أوباما التاريخ بمجرد أنه صار علي باب قوسين أو أدني من بوابة البيت الأبيض. من كان يتصور أن رجلا مثله سيكون مرشح الحزب الديمقراطي في السنة 2008 بعدما كان القس الأسود مارتن لوثر كينغ يكافح قبل خمسة وأربعين عاما من أجل المساواة بين السود والبيض ويطلق من واشنطن صيحته المشهورة: لديّ حلم ؟ في الذكري الخامسة والأربعين للصيحة- النداء التي أطلقها مارتن لوثر كينغ، تحقق أكثر من نصف الحلم. هناك رجل أسود يخوض الانتخابات الرئاسية باسم الحزب الديمقراطي الذي أتي برؤساء مثل فرانكلين روزفلت وجون كينيدي وليندون جونسون وجيمي كارتر وبيل كلينتون وغيرهم... يكاد المشهد أن يكون سورياليا، لكنه يختصر إلي حد كبير التحولات ذات الطابع الاجتماعي التي تشهدها الولاياتالمتحدة ويعكس في الوقت نفسه السرعة التي تحصل بها هذه التطورات. انها تطورات جعلت أوباما قادرا علي التطرق في خطابه إلي قضية المثليين وحقوقهم وزيجاتهم وضرورة معالجة هذا الواقع بدل تجاوزه أو الاعتراض عليه كما يفعل المحافظون والمتدينون. كان خطاب أوباما رائعا، أقله من الناحية النظرية. وزاد في قيمة الخطاب إلقاء أوباما نفسه الذي يمتلك كل ميزات الخطيب الناجح. كان الخطاب قطعة أدبية بكل معني الكلمة. خاطب الأمريكيين الذين يشكون من السنوات الثماني التي أمضاها بوش الابن في البيت الأبيض. صحيح أن المرشح الأسود ركز في البداية علي منافسه الجمهوري جون ماكين، لكن الصحيح أيضا أنه سعي إلي جعل المعركة بينه وبين بوش الابن لكونه من أقل الرؤساء الأمريكيين شعبية. كان أوباما واضحا كل الوضوح عندما شدد علي كل ما يشكو منه المواطن الأمريكي العادي مشيرا إلي أن عهد ماكين سيكون امتدادا لعهد بوش الابن لا أكثر. وقال في هذا المجال إن ثماني سنوات أمضاها الأمريكيون في ظل إدارة بوش الابن أكثر من كافية . كانت بعض العبارات الواردة في الخطاب مفيدة للتأكّد من أن استراتيجية أوباما تقوم علي خوض المعركة مع بوش الابن وليس مع جون ماكين. أراد جعل الرئيس الأمريكي الحالي عنوان المعركة، علما أن السناتور ماكين حرص دائما علي تمييز نفسه عن بوش الابن واختلف معه في شأن مسائل كثيرة من بينها كيفية إدارة الحرب في العراق وخفض الضرائب والتعيينات القضائية وحتي طريقة معاملة المعتقلين في قضايا مرتبطة بحرب العراق والارهاب. ماكين ليس بوش الابن، لكن أوباما يصر علي العكس ويراهن علي النجاح في الربط بين الرجلين كي يحقق انتصارا في الانتخابات الرئاسية يوم الرابع من نوفمبر المقبل. يمكن لاستراتيجية الربط بين بوش الابن وماكين أن تؤدي إلي النتائج المتوخاة أي إلي ابتعاد الناخبين عن المرشح الجمهوري الذي خاض في النهاية حربا لا فائدة تذكر منها في العراق، متجاهلا أنه كان عليه الانصراف إلي الانتهاء من أفغانستان قبل شن الحملة العراقية. يمكن أن يحصل ذلك. ولكن هل بلغ القرف من بوش الابن حد استعداد الأمريكيين للتصويت لمرشح أسود أختار السناتور جو بايدن الكاثوليكي ليكون نائب الرئيس؟ هل تطور المجتمع الأمريكي إلي درجة جعلته علي استعداد في الذهاب بعيدا في طلب التغيير كرها منه لارث بوش الابن؟ من الباكر التكهن بفوز ساحق لباراك أوباما، خصوصا بعد لجوء ماكين بدوره إلي لعب ورقة التغيير واختار امرأة هي ساره بالين لتكون نائب الرئيس. والمتوقع من بالين (حاكم ولاية آلاسكا) التي تبلغ الرابعة والأربعين، أي أنها أصغر سنا من أوباما، أن تجذب أصوات النساء اللواتي استأن من عدم اختيار هيلاري كلينتون مرشحة لمنصب نائب الرئيس. كانت خطوة ماكين ذكية. انه يعرف أن مزاج الأمريكيين يميل في هذه الأيام إلي التغيير. ولكن إلي أي حد سيذهبون في التغيير؟ عن صحيفة الراية القطرية 2/9/2008