روسيا وسوريا هاني شادي الزيارة الثالثة للرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا (20 و21 أغسطس الجاري) أثارت جدلا كبير لا يقل بأي حال من الأحوال عن جدل الزيارتين السابقتين له في 2005و2006. والجدل يدور بشكل أساسي حول التعاون العسكري بين روسيا وسوريا التي تسعى إلى تحديث جيشها بالرغم من مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركية. وما زاد الجدل في زيارة الأسد الثالثة لروسيا أنها جاءت في ظل أزمة القوقاز والحرب "الصغيرة" التي وقعت بين موسكو وتبليسي وُهزمت فيها الأخيرة، وتلقت فيها الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسي رسالة واضحة مفادها أن موسكو لن تتقاعس في الدفاع عن مصالحها على الأقل في المناطق المجاورة لها والتي كانت منذ عهد قريب ضمن الاتحاد السوفيتي. الأسد أبدى دعما وتأييدا واضحين لموسكو في مواجهة ما أسماه بالاستفزاز الجورجي، رافضا محاولات الولاياتالمتحدة الرامية إلى عزل روسيا. ويرى بعض المراقبين أن الرئيس السوري وصل إلى روسيا لاستغلال الفرصة وإقناع القيادة الروسية بمد سوريا بأسلحة حديثة تحتاجها دمشق لدعم موقفها في المفاوضات مع إسرائيل. وقيل إن الرئيس السوري كان على استعداد لنشر صواريخ روسية حديثة في الأراضي السورية بما في ذلك صواريخ " اسكندر "ومنظومات" إس 300 " للدفاع الجوي. كما قيل إن روسيا لها مصلحة في إمكانية استخدام ميناء طرطوس السوري كقاعدة للأسطول الروسي الحربي في البحر المتوسط. وتقول مصادر روسية إن موسكو ربما ستكون مستعدة الآن لتزويد سوريا بما تريده من أسلحة وخاصة بعدما وقعت الولاياتالمتحدة وبولندا اتفاقية لنشر درعها الصاروخية في الأراضي البولندية، وبعدما تأكدت موسكو من أن إسرائيل سلحت ودربت الجيش الجورجي ليشن هجومه على أوسيتيا الجنوبية. غير أن موسكوودمشق نفيتا ما تردد من أقاويل في وسائل الإعلام سواء عن نشر صواريخ روسية متطورة في سوريا، أو ما تردد عن جعل ميناء طرطوس قاعدة عسكرية روسية. ولكن هذا النفي لا يعني بأي حال من الأحوال في رأي المراقبين عدم تفكير البلدين في مثل هذه الأمور في المستقبل. وكعادتهم حاول الإسرائيليون الضغط على موسكو لمنع صفقات الأسلحة مع سوريا، حيث اتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت بدميتري ميدفيدف أثناء وجود الأسد في منتجع سوتشي على البحر الأسود استعدادا للقاء الرئيس الروسي. أولمرت أوصل رسالة إلى القيادة الروسية مفادها أن تل أبيب ضد تزويد سوريا بأسلحة روسية حديثة لما في ذلك من تهديد باختلال ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة على حد قوله. ويقال إن أولمرت وعد ميدفيديف بأن إسرائيل سوف توقف مد جورجيا بأسلحة هجومية. وتشير بعض المصادر الإعلامية الروسية إلى أن إسرائيل ألغت بالفعل صفقة مكونة من 200 دبابة إسرائيلية من نوع "ميركافا" كانت اتفقت عليها مع جورجيا. ومع ذلك أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد قمة ميدفيدف الأسد أن روسيا ستواصل مد سوريا بالأسلحة، ولكنه شدد على أن هذه الأسلحة ستكون دفاعية ولن تخل بميزان القوى في المنطقة. وهذا يعني أن موسكو أمسكت بالعصا من النصف ، نصف لسوريا، والنصف الآخر لإسرائيل. وهذه عمليا هي السياسة الروسية في الشرق الأوسط والتي تتلخص في مد جسور العلاقات مع جميع أطراف النزاع في هذه المنطقة والوقوف على مسافة واحدة منها. ولكن روسيا عاجل أم آجلا ستكون في حاجة لتحصين نفسها في مواجهة الحملة الأميركية الأطلسية المتصاعدة ضدها في أعقاب الأزمة الجورجية. ولذلك يتكهن الكثير من المراقبين بأن الروس سيعززون العلاقات العسكرية بشكل أكبر مع سوريا. كما أن دمشق ستستفيد كثيرا في هذه الحالة حيث ستحصل على أسلحة حديثة ربما تمنع الاختراقات الجوية الإسرائيلية لها في المستقبل. ولمزيد من الضغط على موسكو أعلنت الولاياتالمتحدة قلقها من احتمال نقل أسلحة روسية حديثة إلى سوريا. كما أن أولمرت قرر زيارة روسيا واللقاء بقيادتها مطلع الشهر القادم لوقف أي إمكانية لتوثيق التعاون العسكري بين موسكوودمشق. عن صحيفة الوطن العمانية 24/8/2008