يوم 17 افريل كتب سليمان بوصوفة بجريدة الخبر،مقالة بعنوان: قرار نزع الخمار وسلخ اللحية - وقد تضمن المقال مغالطات عدة ،سأركز في مقالي هذا على أهم تلك المغالطات بعيدا عن قرار نزع الخمار وسلخ اللحية ،وبعيدا عن الجدل الدائر حوله،وبعيدا عن التعليق عن مصدرالقرارومرجعيتة وما يشهده الواقع،لأن كل ذلك دخل حكم الماضي الشكلي .
رغم أنني لا أنفي أبدا أن يكون، في الزوبعة إثارة لبعض العواطف،إلا أنني ألاحظ أن السيد بوصوفة يخلط بين أمور التفريق بينها أساسي في تحصيل الفهم،حين يخلط متعمدا بين ما هو ديني عقائدي شرعي ،و ما هو مختلق مدني مصلحي منفعي ،. وقد وضع لجسم الموضوع رأس غيره.
كمن يلبس الحق بالباطل،أويحاول تغطية الشمس بالغربال،وراح يكيل بمكيالين ويدفق مداده فوق صفحات الآخرين،ترك موضوعه المختار القرار- وراح يطوف في أروقة الحركة الوطنية وكأن معارضة القرار صدرت في الأربعينيات من القرن العشرين،و يدل على ذلك قوله: ماجاء منه في الشكل وتصدر الموضوع:( الخبر المفترض حول اعتزام السلطات الجزائرية فرض قرار خلع الخمار وحلق اللحية في صور جواز السفر البيومتري وبطاقة الهوية) فالقرار صادر وليس مفترضا أستاذ.
ثم ان التضجر من برنامج قناة المستقلة حول قرار وزير الداخلية الجزائري، الاثنين 5 أبريل 2010م ،لاينم عن معارضة الكاتب لحرية الرأي فحسب ،بل تضمن الدعوة إلى الواحدية السياسية،وينتقد مرحلة إقدام جبهة التحرير على الانفتاح والتعددية الفكرية السياسية والحزبية في الثمانينيات من القرن العشرين،وهو ما لا يعقل في الحقل السياسي.
فمن المؤكد ان الكاتب كان يعي ما يقول لكنه يخفي وراء ظهره ورقة أخرى غير التي ابرزها،ويتجلى ذلك في حديثه عن المتصلين بقناة المستقلة ( المذكرين بالثورة الجزائرية التي قامت على المبادئ الإسلامية وعن شرف المجاهدات الجزائريات اللائي أخرجن فرنسا من الجزائر لتعود من النافذة عبر عملائها)،(حزب فرنسا في الجزائر).
مستهجنا مداخلة نائب عن البرلمان الجزائري الذي زادت من صب الزيت على النار كونه فنّد اعتزام الحكومة تطبيق مثل هذا القرار،حسب زعمه،وفي ذات الوقت يدعم البرلماني بطرحه اسئلة تشكيك،هل دعت وزارة الداخلية الجزائرية فعلا إلى خلع الحجاب وحلق اللحية؟ أم أن الصحافة تعمدت إثارة هذه الضجة؟ . وهل؟وهل..؟
وفي سياق ذلك يكشف عن السطور الأولى من الورقة المخفية بسؤاله ( هل المجاهدات الجزائريات أمثال جميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي ،ورمز المقاومة النسوية لالة فاطمة نسومر( 1830 1863م ) محجبات؟ - فلم نتمكن من إحصاء مجاهدة جزائرية واحدة كانت تضع الخمار على رأسها ).
لأن عادة ارتداء الخمارغزت الجزائر في بداية الثمانينيات في عهد الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، حينما بدأ يحارب الشيوعيين بإطلاق العنان للحركات الإسلامية التي قادها السلفيون والإخوان) مدعيا أن الخمار ليس قيمة اجتماعية جزائرية،لأن الجزائريات ومنذ قرون يرتدين نوعين من الحجاب:الحابك،والَمْلاية.
ليسأل الأستاذ كيف كان غطاء رأس جدته؟
ثم يقول: ( وهل كان كبار الثوار أمثال كريم بلقاسم وعبان رمضان وسي الحواس ومفدي زكرياء ومحمد بوضياف ومحمد خيدر وحسين آيت أحمد وغيرهم كثيرون، هل كانوا رجالا مُلتحين؟)وهنا نقول وهل الأمير عبد القادر وميصالي الحاج والكثير امثالهم كانوا بلالحية؟،
-ليخرج الباقي من سطور ورقته بطرح السؤال:( أين هذه القيم الاجتماعية التي دافع عنها المتدخلون إذا؟ ربما كانوا يتحدثون عن الشيوخ أمثال عبد الحميد بن باديس ومحمد العيد آل خليفة والبشير الإبراهيمي والعربي التبسي؟) ليخلص إلى أن الشيوخ كانوا ضد إعلان الثورة المسلحة في فاتح من نوفمبر 1954م، وهو ما اضطر الثوار إلى سجنهم أو وضعهم تحت الإقامة الجبرية !!
ثم يستطرد،(ولكي أكون أكثر وضوحا،هؤلاء الشيوخ كانوا ينشطون في حركة الإصلاح التربوي والاجتماعي الديني تحت مسمى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،ولم يكونوا ضد قيام الثورة المسلحة كفكرة وإنما اعتبروا حينها بأن الفكرة لم تنضج)،!! ).
ربما اصدر حكمه لأن بن باديس قال : شعب الجزائر مسلم ...وإلى العروبة ينتسب.و أصدر نائبه في الجمعية البشير الإبراهيمي عام 1964 م ضد الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة ،بعد الاستقلال ،بياناً جاء فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية".
وباستعمال (لغة المنطق)يقول نجد القرار الجديد يدعو الجزائريين إلى تهذيب اللحية (كما فعل وزير الدولة أبوجرة سلطاني عندما استلم أول وظيفة حكومية) وليس إلى حلقها، ويدعوالمحجبات إلى إظهار الأذنين والجبهة ومنطقة العنق) هذا كلام يطرح اكثر من تعجب .
وعن إشكالية التشوهات والعلامات الفارقة التي تميّز الأشخاص وتظهرعلى الأذنين والجبهة، كلامه يطرح اكثر من علامة استفهام؟؟
فالخمار واللحية لايحجبان الجبهة، ثم إن التكنولوجيا كشفت 60علامة تميز الوجه،ثم أن الأمر يبدو منطقيا إذا اكتفينا بالوقوف على عتبة سطح الكلمات دون أي جهد عقلي للبحث في المعاني ومقاصد الافكار الجزئية، لكن تبدوا الطامة فظيعة بمجرد أن تبدأ بالتفكير،فالموقف من مثل هذه المسائل ينتظمه مجال العقيدة .
موقف الدين و وجهة تشريعاتها،إن قبولا أو رفضا أو تهذيبا و تشذيبا ،حسب تصورنا لقيام مجتمعا مسلما تتوافق لديه مبادئ الديمفراطية والمقومات الشخصية وتتماشى حياته مع التطور التكنولوجي والمعرفي فركوب السيارات ليس مثل ركوب الحمير وهذا مرده إلى مصالح الناس و معرفتهم بدنياهم،و الناس فيه سواء مؤمنهم وكافرهم.
و قد بين الرسول (صلي الله عليه وسلم ) ذلك بوضوح تام عندما قال للصحابة رضوان الله عليهم : أنتم أعلم بدنياكم،و ينظمه قول الله تعالى :" و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لاتعلمون" .
ويكشف الكاتب جميع سطور الورقة بالحديث عن قرارات شعبوية مثل : بناء أعظم مسجد في العالم - إطلاق قناة للقرآن الكريم - الآذان في التلفزيون،-وملاحقة المراهقين والمراهقات في الحدائق العامة - والاهتمام بالزوايا- منع الكتب الفكرية الجادة وإغراق السوق بالكتب الدينية التجارية؟،مبينا ان النظام ليس له القدرة على الوقوف ضد التيار السائد ويريد ان يشغل الناس بفتاوى الخمار والحجاب وإطلاق اللحى ومحاربة البنوك الربوية !! .
هل تريدنا يا أستاذ أن نغمض أعيننا عن ما يسئ الى كرامتنا وقيمنا إرضاء لفلان او علان؟هل نمشي وراء من اراد كشف عوراتنا ؟هل نسكت صوت الأذان؟واي برنامج تراه مهما تضيع اهميته بلحظة الآذان؟وهل؟...وهل..؟. إنه لمن دواعي الحزن أن يجد الإنسان نفسه يناقش في البديهيات مع من انتسب الى الكتابة الصحفية. فهناك أشياء لاتتغير و لايمكن أن تتغير! و إذا تغيرت فسدت مصالح الناس و هلكوا بالفوضى .
ولتوضيح بعض المسائل نقول: -ان مسألة الخمار واللحية متأصلتان لدى الشعب لجزائري منذ أربعة عشر قرنا وليس من عهد الشاذلي بن جديد،والأسباب التي جعلت التلحي يطغى هو الانقلاب على القيم التي يريد كاتبنا نفي وجودها في الجزائر. - الدفاع عن قرار لاينبغي ولايصح ان يكون على حساب مبدأ أوعرف او شخص.
ومثل المواضيع أدوات فاعلة في الحملة الشرسة التي تشنها بعض الجهات على عناصر الهوية الوطنية والتحريض والتهييج ضدها، وتصويرها كأنها الوحش المفترس الذي يزحف ليلتهم الكل والانقضاض على الحكم بعد ذلك، في محاولة لإثارة أجهزة الدولة من جهة وتحصين حزب فرنسا من جهة ثانية، وصب الزيت على نار الاختلاف،في محاولات مستمرة لمنع مجرد حسن التعامل،والتعايش وعفة اللسان رغم الاختلاف.
فلا شك أننا نختلف فهذه سنة الله في خلقه،ولا يلزم من ذلك أن نكون أعداءً لبعضنا،فنحن حين نختلف مع غيرنا من الاتجاهات لا ننسى أصل الولاء والطاعة لله والإخلاص للوطن.
و لابد من التفريق بين النوع والعين، ولابد من إقامة الحجة وإزالة الشبهة،في كل أمر يهم المجمع - إن الخلط بين عدة مسائل ابعد الموضوع عن إطاره ليتحول الى تقرير سياسي لامعالجة رأي. - كلمات الحجاب و النقاب و الخمار،يتداولها الناس وربما لا يعرفون الفرق بين الواحدة منها والأخرى .
- فالحجاب: في اللغة هو المنع من الوصول،ومنه قيل للستر الذي يحول بين الشيئين:حجاب؛ لأنه يمنع الرؤية بينهما. وسمي حجاب المرأة حجاباً لأنه يمنع المشاهدة وقد وردت مادة (حجب) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع تدور كلها بين الستر والمنع، في قوله تعالى: {حتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (32) سورة ص-{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } (46) سورة الأعراف - و{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إإلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ } (51) سورة الشورى،-و{كلا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (15) سورة المطففين - و {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا} (17) سورة مريم ، أي ستارا. - و{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} (53) سورة الأحزاب . أي من وراء ساتر مانع للرؤية.
من هنا نعلم أن مفهوم الحجاب في الاصطلاح اللغوي هو الستر،والمنع يتضمن الستر. والحجاب في الشرع هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم.
إذا تأملت دلالة الحجاب من حيث اللغة والشرع تبين لك أن غاية الحجاب هو الستر عن الأنظار. - الخمارهوغطاء الرأس فقط فنساء الجاهلية تغطين رؤوسهن وتكشفن نحرهن وهي متزينة بالقلائد والحلي فجاء الإسلام ليقول لا لابد إن المرأة ترخي الخمار بحيث يغطي النحر والعنق ( وليضربن بخمورهن على جيوبهن).
- اماكلمة النقاب فقديمة الاستعمال وتعني تغطية الرأس والوجه معا ولايخص المرأة وحدها بل الرجل أيضا يتنقب للتخفي. وملخص القول أن المعالجة الحكيمة لقضايا الأمة لاتفيدها الدعوة الى الانقسام والتشرذم،ولا تخدمها الأفكار التطرفية.
وإذا كان للبعض خصام وينظر إلى الأشياء الكبيرة من حلقة فلن يجني في خصامه إلا دما عليه ويندم.