تعالت الأصوات وصرخت في أنحاء المعمورة كلها فجأة وفي أعقاب الأحداث المؤسفة التي شهدتها الخرطوم عقب مباراة المنتخبين المصري والجزائري، مطالبة بالثأر لكرامة المصريين ورد الاعتبار لهم، ونحن معهم بلا أدني تحفظ، فكرامة المواطن من كرامة الوطن الذي يقطنه وهذا بند في كل الدساتير العالمية في كل البلدان المتحضرة ولكن ماذا عن كرامة المواطن نفسه داخل وطنه وماذا عن الوطن الذي يتمعن ويتلذذ في امتهان كرامة مواطنيه؟..
لا أحد يجيب والكل يتملص من المسئولية ويشترك في الزفة الإعلامية وتأجيج المشاعر بتحريض من الدولة وبمباركة مسئوليها الكبار، والكل يزايد علي الكل في الوطنية ومن يشذ عن الأوركسترا فهو خائن وعميل!
هوس وجنون إعلامي غير مسبوق في تاريخ الإعلام المصري يدهس فيه أي صوت للعقل أو نبرة حكيمة الكل ماشي في الجوقة المحرضة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!
ولكننا فقط نتساءل لماذا أصبحت كرامة المصريين مستباحة في كل البلدان العربية مما يجعلنا نذرف الدم بدلاً من الدمع علي حالنا وعلي ما وصلنا إليه من هوان؟!.. ومن المسئول عن هذا الجرم في حق الشعب المصري؟.. نحن يا سادة هنّا علي أنفسنا فهنّا علي الآخرين ببساطة شديدة بدل اللف والدوران والكلام الكبير المزوق، نحن المصريين مسئولون جميعاً من كبيرنا إلي صغيرنا عن ضياع كرامة وهيبة الإنسان المصري في كل مكان، نحن فرطنا في حقوقنا في الداخل فكان من السهل أن يضيعوا حقوقنا ويأخذوها في الخارج!..
يوم رضينا بتزوير الانتخابات والإتيان بشخصيات لا يمثلوننا يتحكمون في مصائرنا مع أن تزوير إرادة أمة جُرم سيحاسبنا الله عليه حتي ولو لم نجترفه بأيدينا ولكننا كنا شهداء عليه والساكت عن الحق شيطان أخرس، فقدنا كرامتنا يوم تحولنا جميعاً إلي شياطين خرس!!..
أين كانت هذه النخوة الوطنية المزعومة يوم غرقت العبارة وراح ضحيتها 1030 مواطن مصري لماذا لم ينتفض الإعلام بهذه الشراسة علي الحكومة ويمنعها من تهريب صاحبها " ممدوح إسماعيل" والاقتصاص منه للثأر لدماء المصريين الأبرياء، فالدم المصري ليس رخيصاً كما يدعون الآن!
أين كان هؤلاء الذين يزايدون في وطنيتهم عندما يقتل كل حين وآخر جنود من حرس الحدود مع العدو الصهيوني؟.. لماذا لم تتخذ السلطات المصرية أي إجراء أو وقفة حازمة مع الحكومة الإسرائيلية علي الأقل لإثبات حرمة الدم المصري؟..
بل الأدهي من ذلك لماذا تصمت حتي الآن علي قضية قتل الأسري المصريين في حرب 67 ولم تحركها في المحافل الدولية لنثبت كرامة المصري التي هي من كرامة مصر!..
فرطنا في حقوقنا يوم كانت تصلنا النعوش المصرية من العراق إبان حكم صدام ونجد من يبررها من أعلي سلطة ويقول إنها وفاة طبيعية مع أنها كانت كلها جرائم قتل في حق أبنائنا الذين ذهبوا لتعمير العراق بعد حربها الضروس مع إيران!!..
فرطنا في كرامتنا يوم وافقنا أن ترسل لنا ال C I A المصريين ممن تصفهم بالإرهاب" سرا" لنحقق معهم وننتزع منهم الاعترافات تحت التعذيب لأن أمريكا لا تستعمل التعذيب، رضينا أن نعذب أبناءنا لنرضي أمريكا، هانت علينا دماء المصريين الذين يتباكون عليها الآن!..
نعم فرطنا في كرامتنا يوم رضينا أن نعيش 28 سنة في ظل قانون الطوارئ وتمتلئ المعتقلات بما يزيد علي عشرين ألف معتقل بلا محاكمة.