أمة في خطر مجدي شندي حينما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليق العمل باتفاقية القوات التقليدية في أوروبا تنفس بعضنا الصعداء، وحينما قرر قبل أيام استئناف تحليق القاذفات الاستراتيجية انتشينا.
ويحمل هذا الشعور الإنساني عدة أبعاد، أولها أن الولاياتالمتحدة لم تترك لها صديقاً، فهي تتصرف بعنجهية وبلطجة، وكأنها هي التي تصنع المقادير، فلا قوانين تلجمها، ولا أعراف أو قيم تضبط حركة ساستها وعسكرها، بل تستهزئ بشرعية الأممالمتحدة والقانون الدولي الإنساني وتستخدمهما فقط كممسحة إذا أرادت غسل سياساتها.
البعد الثاني أن هناك إحباطاً عربياً من أفعال الولاياتالمتحدة، وإن كان هذا الإحباط مبنياً على حسابات ساذجة، فتصورات العدل والإنصاف لا تليق بالإمبراطوريات، إذ أنها ليست جمعيات خيرية بل كيانات لها مصالح ومطامع، ومن ثم فإن انتظار «غودو» الأميركي لكي يضغط على إسرائيل لتنسحب من الأراضي العربية المحتلة، أو لكي ينسحب هو ذاته طواعية من العراق، أو أن يضغط على الحكومات العربية لكي توفر لشعوبها الخبز والحرية وحقوق الإنسان ليس إلا جرياً وراء سراب.
البعد الثالث أن هناك انتظاراً في أوساط الرأي العام العربي لقارعة تنزل بأميركا أو تحل قريباً من دارها، سواء كانت قارعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، فالحس التاريخي يجعلنا نتصور أن غضب الله الذي حل بعاد الأولى سيحل بعاد الثانية.
كما أننا ننتظر باللاوعي أن يتضخم التنين الصيني ويسيطر على التجارة العالمية ليجعل الصنم الأميركي يتراجع، وبالتالي تصغر أهميته في تسيير شؤون العالم، أو أن ينتفض الدب الروسي ويلملم خسائره وجراحاته ليقف مرة أخرى في وجه طغيان واشنطن، وينهي حقبة تفردها بالشأن العالمي.
البعد الرابع أن حالة الاتكالية العربية والاعتماد على الغير مرشحة للاستمرار، فالجميع يراهن على أن يتغير الكون من حولنا دون أن نتغير نحن، وكأنه إذا حدث ذلك ستجد كل مشاكلنا حلولاً دون عناء منا.
ومع أن توازن القوى وتكافؤها على النطاق العالمي أمر شديد الأهمية، ويتيح تحقيق حد أدنى من العدالة، عملاً بقاعدة مستقاة من الآية الكريمة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، إلا أن الحالمين بغد يعم فيه السلام وتعود فيه الحقوق العربية من تلقاء نفسها غارقون في الأوهام .
فطوال ثلاثة وأربعين عاماً (من 1948 وحتى 1991) كان العالم منقسماً إلى معسكرين، ومع ذلك ضاعت الحقوق وتمزق العالم العربي بين محازب للشرق ومناصر للغرب دون أن يفيدنا الغرب والشرق شيئاً، بل عمت المؤامرات، ورقص بعض العرب بالسيوف طرباً لهزيمة قسم منهم.
لم يتعلم العرب من عدوهم ومغتصب أرضهم شيئاً، فإسرائيل ماهرة في تغيير ولاءاتها والتقلب حسب ما تقتضيه مصالحها، من التعاون مع النازية إلى الاتجار بالمحرقة المزعومة، ومن البقاء تحت العباءة البريطانية إلى التملص من نفوذها (بعد أن تحولت إلى بلاد عادية تغرب عنها الشمس) والانضواء تحت ولاية أميركا (القوة الاستعمارية الجديدة الناهضة ) وليس عجيباً أن نرى النفوذ اليهودي يتغلغل في جنبات الدولة الروسية المنبعثة من جديد.
ما لم يدرك العرب أنهم في خطر فسيبقون في دائرة التنشين الدولية، إن غاب الجور الإسرائيلي فسيحل جور آخر، وإن غربت أطماع أميركا فستنبت ألف أميركا، في مصر مثل يقول (المال السايب يعلم السرقة) ونحن نعيش في أوطان سائبة تغري اللصوص، فالبترول يفتح شهية المتلمظين، ومن بعد البترول لن نعدم ثروات أخرى، ولن يفقد العالم كل وسائل السطو، نعم ربما تتغير الأسماء والأساليب ولكن يبقى الاستلاب.