ماذا بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات التركية؟ عمر كوش بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التركية فإن السؤال المطروح هو: ماذا بعد؟ وكيف سيتم التعامل مع الملفات والتحديات العديدة التي تواجه تركيا في المديين المنظور والمتوسط، سواء على صعيد الاستحقاقات الداخلية المتعلقة بهوية الدولة وتركيبتها الاجتماعية والنظام السياسي التركي، أم على الصعيد الإقليمي الشرق أوسطي، أم على الصعيد الدولي الأوروبي والأميركي؟ لقد حقق حزب العدالة والتنمية انتصاراً بيّناً بحصوله على نسبة تصل إلى 48 من أصوات الناخبين الأتراك، وضمن تشكيل حكومة بمفرده، وأثبتت نتائج الانتخابات أن هذا الحزب يحظى بشعبية كبيرة، وهو أمر لم يتحقق في تركيا الحديثة إلا في خمسينيات القرن العشرين المنصرم، لكن كيف سيواجه تحدي انتخابات الرئاسة التركية؟ هل سيستمر في سعيه لإيصال مرشحه إلى كرسي الرئاسة التركية، وما هي الطريقة؟ الأرجح أن النخبة السياسية لحزب العدالة والتنمية ستمضي في معركة الرئاسة التركية حتى النهاية، بالرغم من تحدي قادة المؤسسة العسكرية والأحزاب العلمانية والقومية ومعارضة الإسلاميين المتشددين في تركيا، لأن خيار اللجوء إلى الشعب لتعديل الدستور وانتخاب الرئيس من طرف الشعب فرض على الحزب بعد فشله في حصول أغلبية الثلثين في البرلمان التركي. وسيبقى هذا الخيار مفتوحاً إن فشل البرلمان الجديد في ذلك، وبالتالي يتعين عليه التحالف مع أحد أحزاب الأقلية البرلمانية، والتوافق معه، لتحقيق مسعاه في إيصال مرشحه إلى رئاسة الجمهورية التركية. كما يتعيّن عليه خوض استفتاء، وفق ما قضت به المحكمة الدستورية على تعديل الدستور، من أجل انتخاب الرئيس من الشعب وليس عن طريق البرلمان، في أي انتخابات رئاسية مقبلة. وقد ألمح وزير الخارجية عبد الله غول إلى إمكانية استمراره الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن هنالك توقعات ترى أن رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان سيرشح نفسه للرئاسة نظراً للشعبية الكبيرة التي يتمتع بها في هذه الأيام. وأيّا كان الأمر، فإن حزب العدالة والتنمية سيمضي قدماً في معركة الرئاسة التركية استناداً إلى ثقة الجمهور التركي به، وبعد أن حقق إنجازات عديدة على المستوى المعيشي والاقتصادي والسياسي، حيث برهن على أنه حزب يؤمن بالممارسة الديموقراطية، ومتمسك بالعلمانية التركية، ويريد الحفاظ عليها، ويقرّ بأولوية النظام البرلماني. إضافة إلى أنه أظهر تسامحاً ومرونة أكبر من الأحزاب التي حكمت تركيا من قبله حول قضايا التنوع الإثني والثقافي، بالرغم من كونه حزباً محافظاً في الميدان الاجتماعي، ويتمتع بنفس ليبرالي على الصعيد الاقتصادي. وتظهر قضية الأكراد في تركيا بوجه عام أنها من بين أهم التحديات الداخلية التي تواجه حزب العدالة والتنمية والطبقة السياسية التركية، وأعتقد أن نهج الإقصاء والدمج القسري لا ينفع في التعامل مع ملف القضية الكردية، إذ لا سبيل سوى الحوار والممارسة الديموقراطية، وهو أمر فهمته بعض القوى السياسية الكردية، التي عملت على تشكيل أحزاب مستقلة، وخاضت الانتخابات الأخيرة، وفازت ببعض المقاعد البرلمانية، وعليها التقرّب والتحالف مع حزب العدالة والتنمية، للعمل على جعل الديموقراطية التركية تتقبل فكرة الدولة الثنائية القومية، وخصوصاً أن أردوغان وحزبه طرحا حلولاً جديدة، تقوم على الحكم اللامركزي ونشر التنمية في المناطق الكردية الفقيرة. أما التوتر الحاصل على الحدود التركية العراقية، فهو تحدّ كبير، ينذر بالاشتعال في أي لحظة، فمقاتلو حزب العمال الكردي تحصنوا في جبل قنديل وجواره، وباتوا يشنون هجمات عديدة على المراكز الحدودية وتجمعات الجيش التركي القريبة من الحدود. بالمقابل حشد الجيش التركي أكثر من مئتي مقاتل بكامل عدتهم وعتادهم، وهدد القادة العسكريون باجتياح شمال العراق في أكثر من مناسبة، والأمر مرشح نحو المزيد من الاحتقان، لكن الاحتلال الأميركي للعراق والحماية الأميركية لشماله يحدان من إمكانية الحسم العسكري لهذا الملف. وعلى صعيد التوجه الأوروبي، فأعتقد أن القادة الأتراك قد وصلوا إلى قناعة مفادها أنه لا أمل لتركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الأقل في المدى المنظور أو القريب، لأن قرار الاتحاد الأوروبي بتجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد كان واضحاً، ووجه رسالة فهمها السياسيون الأتراك جيداً، الإسلاميون منهم والعلمانيون والقوميون، بالرغم من أنه تذرّع بسوء العلاقة مع قبرص، وعدم فتح الموانئ التركية أمام القبارصة اليونانيين، ومطالبته بمنح الأقليات في تركيا حقوقها، وكذلك حقوق المرأة، وطرحه مسألة المجزرة ضد الأرمن عام ,1915 وتأكيده على المسائل الديموقراطية بصورة عامة. وعليه، فإن كل هذه المؤشرات لا تترك أمام القادة الأتراك سوى البحث عن خيارات جديدة، وتجعلهم يتوجهون نحو محيطهم الآسيوي والعربي ؟ الإسلامي، أي أن يتجهوا شرقاً بدلاً من الوجهة نحو الغرب. وهذا الأمر يعرفه القادة الأوروبيون تماماً، إذ سبق أن عبّر عنه بوضوح وزير خارجية ألمانيا السابق يوشكا فيشر بالقول: «يدفع التشدد الأوروبي تركيا نحو إقامة تحالفات مع روسيا وإيران». وأياً كانت الطريقة التي ستتعامل بها النخبة السياسية لحزب العدالة والتنمية مع الملفات والاستحقاقات الداخلية والإقليمية، فإنه يسجل لها مراساً ناجحاً في الممارسة الديموقراطية التي تفتقدها أنظمتنا السياسية العربية، وتفتقدها كذلك مختلف الأحزاب العربية، القومية منها والإسلامية وسواها. والمطلوب عربياً الاستفادة من التجربة الديموقراطية التركية، ومن طريقة حزب العدالة والتنمية، التي تنظر إلى الإسلام بوصفه إرثاً ثقافياً وتمسكا بالوطن ومؤسساته، ولا تنظر إلى الإسلام على طريقة الإسلام السياسي العربي الذي يعتبره ديناً ودولة ويتجاوز الوطن. عن صحيفة السفير اللبنانية 2/8/2007