إذا كانت المصالحة الفلسطينية مستبعدة.. فما هي البدائل؟ نصوح المجالي تبذل هذه الأيام جهود في دمشق، وأخرى في القاهرة، لترتيب الوضع الفلسطيني؛ القاهرة تعمل لانجاح التهدئة التي لا زالت قلقة، ودمشق تحاول التمهيد للمصالحة، لكن القضايا الشائكة بين أطراف المعادلة الفلسطينية لا زالت عالقة، رغم ترحيب كلا الطرفين بما صدر من مبادرات للم الشمل الفلسطيني. والعقدة، ان برنامج المقاومين في غزة، وبرنامج المفاوضين في الضفة لا زالا متباعدين، مع أن أياً من البرنامجين لم يحقق أي نتيجة ملموسة على الأرض، فبرنامج حماس، يتمحور حالياً حول تهدئة حتى تعود غزة وتلتقط أنفاسها وتتعافى بعد الاستنزاف الهائل الذي تعرضت له، أثناء حكم حماس، بسبب الحصار والحرب اليومية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة. فغزة تحتاج الى فتح المعابر لاعادة عجلة الحياة فيها والى طمأنة الغزاويين ان حالة الحصار والخنق التي تعرضت لها غزة ليست نهاية المطاف. ومع ان غزة كانت الأكثر تضرراً، الا ان الحياة في الضفة لم تشهد تقدما، فالمداهمات الاسرائيلية، استمرت في مدن الضفة الغربية، وحركة الاستيطان توسعت كما ان المحادثات السلمية كانت مخيبة للآمال، والضفة ايضا بقيت محاصرة من الداخل بالجدران العازلة والحواجز والمطاردات، فالمقاومون في غزة، والمتوسلون بالمفاوضات السلمية كلاهما عمليا كانا تحت النار، والنار في غزة أكسب المقاومين عطفاً اكثر في الشارع العربي والفلسطيني، وفشل المفاوضات، افقدت المفاوضين كثيراً من مصداقيتهم والنتيجة واحدة، الاحتلال باقٍ ويتوسع والانقسام الفلسطيني الذي يزيد من ضعف الموقف الفلسطيني هو الاخر باقٍ. تبذل مصر جهودا لتثبيت التهدئة القلقة في غزة، وهدف التهدئة يبدو مرحلياً، فتح المعابر وخصوصا معبر رفح، واحراز تقدم في صفقة الأسرى، وتزويد غزة بأسباب الحياة ومع ان التهدئة، استهلت بأكثر من خمسة عشر خرقاً من الجانبين الا انها مطلوبة مرحليا من الجانبين، مع ان ما بعد التهدئة لا يقل اهمية عن التهدئة؛ فالمهم لاي غرض ستوظف التهدئة مستقبلا أهي لتيسير جهود السلام ولم الصف الفلسطيني ام لمزيد من الاستعداد للمواجهة؛ حتى الآن لا شيء واضح. وفي دمشق، التي دخلت مؤخراً في مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل، هناك جهود لم تكتمل بعد لتقريب وجهات النظر بين حماس والسلطة الفلسطينية، ومن يدري قد تكون جهود المصالحة قد بدأت فعلا في الاروقة السرية، وليس من المصلحة الفلسطينية الاعلان المبكر عنها فلا يعقل ان يزور محمود عباس دمشق فقط لتنسيق المواقف بين الفلسطينيين والسوريين في المفاوضات الجارية مع اسرائيل مع ان محصلة هذه المفاوضات قريبة من الصفر، او للتشاور مع الفصائل الاقل اهمية في الساحة الفلسطينية. هناك حلقة مفقودة بين حماس والسلطة الفلسطينية يؤدي عدم علاجها الى تباعد فلسطيني يزداد باستمرار بسبب مواقف المتطرفين في كلا الجانبين، ويحتاج علاجها الى جهود عربية مكثفة على اكثر من صعيد. سوريا تستطيع تليين موقف حماس ودفعها للمصالحة والقاهرة تستطيع التأثير على السلطة ودفعها الى رأب الصدع الفلسطيني لكن ذلك لن ينجح الا اذا كان هناك ارادة دولية تفرض على اسرائيل التعامل مع الفلسطينيين كفريق واحد في محادثات السلام وللأسف مثل هذا الموقف غير متوفر حاليا، لتطابق الموقف الاميركي والاسرائيلي الذي يجعل من نفي حماس وعدم التعامل معها شرطا لاستمرار التفاوض. على الفلسطينيين اذا ارادوا ان يفرضوا ارادتهم ويثبتوا حقوقهم ان يحققوا وحدتهم اولا وان يصلوا الى رؤية موحدة، تتوزع فيها الادوار وتتوفر فيها البدائل على ان تحكم بسقف واضح من الحقوق والمطالب الفلسطينية التي لا يمكن تجاوزها تحت أي اعتبار. ما يجري حتى الان ليس له معنى سوى الضياع في متاهة المناورات والمماطلات الاسرائيلية التي توحي بقبول مبدأ التفاوض والسلام مع العرب وتكريس كافة الجهود لتثبيت الاحتلال واعاقة السلام. فالمفاوضات التي تعطى الوقت الكافي لابتلاع الارض وبدون تحقيق نتائج محصلتها ليست من صالح النضال الفلسطيني. والتهدئة اذا كانت فقط لالتقاط الانفاس فستكون مدخلا لاحتباس الانفاس مرة اخرى، واذا كانت مقدمة لتهدئة طويلة فستودي الى نفس النتيجة باعطاء الوقت الكافي للمشروع الصهيوني، والاهم ان تكون التهدئة مقدمة لموقف سياسي جديد. يقدم البديل بحيث لا تتناقض اهداف المقاومين في غزة والمفاوضين في الضفة الغربية لان ذلك يؤدي الى خسارة للطرفين فالانتفاضة الفلسطينية بكل ما بُذل فيها من تضحيات فشلت عندما تعارضت اهداف حماس واهداف فتح في كيفية استثمارها، وعندما أتجه طرف نحو عسكرة الانتفاضة واخر نحو استخدامها بالطرق السلمية ولا يختلف الامر الان اذا استمرت اهداف الطرفين متناقضة بدون تكامل في الادوار فالمحصلة استمرار الوضع الراهن، الذي يخدم المشروع الاحتلالي الصهيوني وضياع الحقوق الفلسطينية فهل تنجح دمشقوالقاهرة في احداث اختراق حقيقي في تقريب المصالحة بين الفلسطينيين، ام ان التهدئة استراحة، من لا يملكون من البدائل سوى فشل المفاوضات في هذه المرحلة. عن صحيفة الرأي الاردنية 10/7/2008