توفيت فجر أمس الأحد في مستشفى ايلنج بلندن الكاتبة والفنانة العراقية تحرير السماوي بعد معاناة مع مرض سرطان. كانت كثيرا ما تردد "شيء وحيد ومؤكد: المرء لا يعود أبداً. المرء يرحل فقط". ولدت الراحلة في بغداد 11 يناير 1952، وهي ابنة أسرة متوسطة عميدها الشاعر كاظم السماوي. وتعرفت على الشاعر العراقي الراحل شريف الربيعي عام 1975 في بغداد وارتبطت به ليتركا العراق سوياً عام 1975 فأقامت معه في بيروت، ليعيشا فصول الحرب الأهلية اللبنانية مع فصائل الثورة الفلسطينية، فعملت صحفية في مجلة "الأفق" ومترجمة في مركز الأبحاث الفلسطينية التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية تحت إشراف الشاعر الراحل محمود درويش. وفق "ألف ياء" تركت لبنان إلى قبرص، عبر دمشق التي أقامت فيها حوالي الثلاث سنوات، إثر الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في يونيو عام 1982 وهناك التم شمل العائلة، الأب والأم والبنت. ومن قبرص سافرت لاجئة إلى لندن عام 1990 بعد أن انفصلت عن زوجها الربيعي. إضافة إلى عملها الصحفي، في صحافة الثورة الفلسطينية، ترجمت الراحلة ثلاثة كتب هي "قصص إيرانية قصيرة" ثم كتاب س. ر. مارتين، تحت عنوان "في تجربة الكتابة" عن دار "الكلمة" وحظي باستقبال جيد، حيث عرض المؤلف فيه الحياة الداخلية لنصوص أكبر وأشهر الكتاب في العالم مثل أرنست همنجواي "الشيخ والبحر" وفرانسوا ساجان "صباح الخير أيها الحزن" وأريك ماريا ريمارك "لا جدي على الجبهة الغربية" وتوماس مان "أسرة بودنبروك" وغيرهم. وفي لندن ترجمت العام الماضي كتاباً من تأليف العالمين النفسيين النمساويين ليون جرينبيرع وربيكا جرينبرج بعنوان "التحليل النفسي للمهجر والمنفى" قدم له الشاعر عواد ناصر، وصدر عن دار "المدى" بدمشق. وكانت آخر مساهماتها نشر مقال ترجمته عن الألمانية للكاتب داريوش شايفان، وهو فصل من كتاب له يتناول تجربة الكتاب الألمان في المرحلة النازية، في العدد الأول من مجلة "أقواس". أما آخر نشاطاتها الفنية فهو إقامة معرض تشكيلي في لندن "إيلينج" أواخر العام الماضي، حظى بقبول نقدي وبيعت أغلب لوحاته. وعن تجربتها الخاصة في المنفى حيث عاشت أكثر من ربع قرن ترى الكاتبة تحرير السماوي أن حالة المنفى، هي شيء من الغيبوبة أو انقطاع في الوعي تنفصل معه الأشياء الحياتية عن تجربة، وماضٍ، وعادات، وتاريخ.. الخ. إذ أن حياتنا في المنفى كما نقلت عنها "إيلاف" هي حياة جديدة لا نقدر على اقتحامها كما يراد لنا أو كما اعتدنا أن نقتحم الحياة التي نعرف، ولا نقدر على العودة إلى حياتنا التي عرفناها في الماضي. منتصف طريق، مفترق طرق، وقوف أمام اتجاهات متنافرة. لا عودة ولا مضي.. حالة جمود نفسية وبالتالي فكرية ووجودية. والمنفى لديها "حالة دفاع عن النفس المتبقية، وما الولوج في المجتمع الجديد الإ حالة دفاع عن وجود وحماية ماضٍ ترك اضطراراً. انشطار جليّ في النفس والذهن والحياة.. شرح في الشيء وعلى الشيء نفسه. وما دام الانقطاع هو انقطاع عن الماضي والحاضر، فنحن شئنا أم أبينا مغيبين عن الحياة، الواقع، التعصب اليومي.. والمستقبل طفل نجهله يعيش بيننا ولا نراه". فنحن في المنفى "نعيش حالة من التغييب، التهميش، حالة طوارئ أعلنتها الحياة علينا. وكل من يرى العكس ويداهم مجتمعاً جديداً بأحلام كبيرة لا يعرف نفسه. ولا يعرف أن تلك النفس تبحث عن مستقر متحذر وليس عن مستقر طائف بين الأرض والسماء. نحن الجيل المرفوض في أرضه وأراضي الدنيا. المجتمعات لا تتبنى إلا أبناؤها، ونحن جيل اليتم. فماذا تبقى لنا الذين نهيم على وجوهنا في أراضي الدنيا بحثاً عن أمان وخفقة حنين؟ "قليل من كل شيء... نستمع إلى أغانينا ونطهو طعامنا ونتناقل بعض الأخبار ونكتب عن مأساتنا اليومية... ونقتل ما تبقى من حياة باحتساء الخمر والتفكر بماض لم يعد موجوداً. ما هو آت "مجهول"، حاضرنا مجهول. الماضي هو الإشراقة الوحيدة المتبقية في منفانا". وكانت تقول: في الغربة تنتفخ الآلام، وتتورم الذكريات، وتتقيح ذاكرتنا بتفاصيل تفقد مع مرور الأيام نكهتها المعهودة. الغربة اجترار لمرحلة أو لمراحل منقرضة من تاريخ حياتنا. ينتصف العمر إلى زمنين، الأول معاش والثاني اجترار للأول، أهو الموت أم تلاشي الأشياء والذاكرة والروح؟ قد يأتي الموت على هذه الشاكلة، يتدرج بخفة وخداع، أو ليست الحياة خدعة؟ الموت حاضر أبدا في حياتنا، يكبر فينا كالطفل... فلم نبتدع أشكاله مبكراً؟.