تختبر المجموعة القصصية الأخيرة "هذه ليلتي" للقاصة المغربية فاطمة بوزيان الصادرة عن "مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب" تحطيم جُدُر الزمن بين شخوص من الماضي وشخوص من الحاضر. في قصتها الأولى "أسرار"، تبني القاصةُ - كما تشير فاطمة ناعوت بجريدة "الوطن" السعودية - مفارقتها الإبداعية على إشكالية ضجر الأبناء برقابة الآباء على خصوصياتهم، ثم لا يفتأ هؤلاء الأبناء يمارسون الوصاية ذاتها على أبنائهم فيما بعد. هذا الصدام بين الماضي والحاضر نلمسه في قصص أخرى مثل "اشتهاء حزن"، "رنّات الديكة"، "هذه ليلتي"، حيث الطفلة التي شاهدت عرسًا في القديم، تعاين حال عرسها الخاص اليوم، لتنبئها بما كانت عنه جاهلة. تطرح بوزيان بعض إشكالات المجتمع العربي بعامة، والمغربي بخاصة، مثل الفصام الذي يعتمر عقول بعض المثقفين، خاصة حين يعيشون في أوروبا فترة من الزمن، فنجدهم يطرحون نظريات متحضرة لا تلبث أن تتبدد بمجرد ارتطامها بأرض التنفيذ. كذلك إشكالية عدم المساواة بين البنت والولد، أيضا نصطدم بالمآسي الناجمة عن فرار بعض الشباب المغربي إلى إسبانيا وفرنسا عبر البحر. هناك أيضا - وفقا لنفس المصدر - قصة "ازدحامولوجي" التي تحذّرنا القاصةُ من خلالها ومنذ السطر الأول فتقول: "العالم ملغوم، انتبه"، بدأت بطلة القصة البحث عن نفسها داخل محركات البحث في الشبكة العنكبوتية وكانت دوما تصطدم بجملة واحدة "This Page Cannot Be Displayed"، هذه الصفحة لا يمكن أن تُعرَض. ثم تبدأ بطلتنا في ملاحظة أن كل الشخوص من حولها تشرع في التسرّب إليها، واحدا بعد واحد، فتسلك سلوك صديقتها الشاعرة غريبة الأطوار، وتنفعل ببدائية مثل جارها الشيخ، وتتفاعل مع مباريات كرة القدم مثل زوجها، وتغدو مزعجة وخرقاء مثل زميلتها العصبية، وهلم جرا. أما شخصيتها الفعلية فقد توارت وخَفُتَ حضورها وراء كل تلك الطبقات الكثيفة من الشخوص التي تتراكم داخلها يوما بعد يوم. الحكاية تحمل أبعادا فلسفية شديدة العمق بالفعل، حيث تلوّح لنا بوزيان بخطر "التوهان" وسط الكثرة. فلا يكفي البحث عن الذات، ولا يكفي الاستمتاع برحلة البحث على مذهب المتصوفة: الطريق لا الوصول، بل ثمة حتمية لا بديل عنها لأن نجد ذواتنا أولا، ثم نحميها من الضياع والذوبان ثانيا وأخيرا.