رواية جديدة مثيرة صدرت بالقاهرة تحت عنوان "سيرتها الأولى" من تأليف محمود عبد الوهاب وهو روائي مصري له العديد من القصص القصيرة وتعد هذه الرواية هي الرواية الأولى له .. ومنذ البداية يمكن للقارئ ألا يتفق مع القيم التي تعكسها الرواية ، حيث البطل والبطلة يعيشان على علاقة محرمة خارج نطاق الزواج . غير أن هذا لن يغير من الأمر شيئا حيث أن أحداثها وقعت بالفعل !! فالرواية تدق ناقوس الخطر عن الخلل القيمي المجتمعي والهوة الشاسعة ما بين الانغلاق والانفتاح ، وتقدم شبكة الأخبار العربية "محيط" فيما يأتي عرضا لهذا العمل الأدبي كما تجري مقابلة مع صاحبها فيما يأتي: محيط- حوار: صفية حمدي الرواية تدور حول امرأة تبدو جلية في شخصيتها جميع التناقضات ، فهي باحثة أكاديمية ، مطلّقة ، تستخدم ألفاظا غير لائقة في حياتها اليومية رغم أن اسمها "نسمة" , الطرف الآخر من الرواية هو سامح .. عشيقها رغم أنها طليقة صديقه .. وفي أكثر من موضع توضح الرواية عدم قدرته على الارتباط بها بسبب ظروفه المادية المتعثرة ، وبالتالي عاشا حياتهما بكافة أشكالها دون زواج وتنتهي بنا فصول الرواية باتصالها الهاتفي به تخبره أنها تزوجت من شخص آخر لا يمكن رفضه !! ومع مؤلف الرواية كان هذا الحوار : محيط : ما المقصود بعنوان روايتك "سيرتها الأولى" ؟ عبدالوهاب: أعني السيرة الأولى لهذه المرأة التي تدور حولها الرواية , وفي نفس الوقت أنبه لأن هناك مزيدا من التفاصيل التي تشرح الشخصية , ومازال هناك ما لم تتناوله هذه السطور وهناك سيرة أخرى , والبعض أشار إلى أن هذا العنوان "موحي" ومنهم الكاتب علاء الديب حيث كتب قائلا : " لا أعلم بماذا يقصد محمود عبد الوهاب بسيرتها الأولى وهل استلهمه من نص قرآني .. لا أعتقد .. ولكنه عنوان موح على كل الأحوال" . محيط : البطلة في الرواية تحوي الكثير من التناقضات وهي نموذج نادر في الواقع، فهل كنت متعمدا في ذلك؟ عبد الوهاب: هذا التناقض أردت أن أعرض به مدى الثراء والتنوع في الشخصية , وأنا لا أعتبره تناقضا بقدر ما هو جوانب متعددة في الشخصية .. فهي أكاديمية وعلى درجة مرتفعة من التعليم وفي نفس الوقت تعبيراتها وضحكاتها وعباراتها شعبية جدا . محيط: ذكرت أن أحداث "سيرتها الأولى" واقعية ، فإلى أي مدى يمكن الحكم عليها بذلك؟ عبد الوهاب: 80% منها واقعي وحدث بالفعل .. وشخصياتها واقعية . محيط : تكررت مشاهد بعينها مرات ومرات في روايتك .. مثل ابنة دبلوماسي هام أو سفير تجلس في البار ومعها خمسة أشخاص وأسبوعيا ؟ عبد الوهاب: أردت أن أنظر لهذه الفئة كيف تعيش حياتها ، كم ينفقون من الأموال ؟ يسهرون جماعات أم فرادى من خلال مشاهداتي وتجارب واقعية . محيط : ولكن هذا الجانب بالرغم من أهميته لم تقف عنده كثيرا ؟ عبد الوهاب: أعترف أنني لم أتعمق في أوضاع هذه الطبقة بالشكل الكاف ، لأنها لا تمثل الخيط الرئيسي للرواية ، فهي ترتكز على المرأة نفسها . محيط: وضعت خطوطا حمراء كثيرة تحت عبارات عكست واقعا لا أخلاقيا .. فهل كان الدافع لكتابتها رواج الرواية تجاريا ؟ عبد الوهاب : لو نظرنا للرواية من منطلق ديني فكتابتها حرام وغير منضبطة ، ولكن الأدب عموما لا ينظر للكتابات من الزاوية الدينية ودائما يكون الحكم عليها بحسب الشخصيات نفسها والأسلوب ، وليس معنى أني أعرض خللا أخلاقيا أنني أتفق معه .
محيط : ولكن ألا ترى أن للأدب رسالة في تنمية الذوق والإحساس وتزعج القارئ المشاهد الصارخة الإباحية والتي يقرأها؟ عبد الوهاب: هناك مقولة تقول : "الإنتاج الفني الجيد هو ما يترك المتلقي في حالة أفضل مما كان عليه" , وهذا هو المقياس , وأنا أرصد تجربة صادقة أحلل فيها النفس الإنسانية التي تحمل بداخلها فجورها وتقواها , الإيجابيات والسلبيات .. مراقبة البشر .. التي تعد من أجمل الأشياء حتى مع العدو رغم أنها صعبة إلا أنها تحمل الكنوز بداخلها . محيط : جزء أساسي في الرواية قام على تصوير الصراع داخل البطل، ينطلق من إنه يحب طليقة صديقه ، ومع ذلك فهو يعيش معها كما لو كانا متزوجين، فما الذي أردت توصيله ؟ عبد الوهاب: أنا عرضت حالة واقعية .. البطل لديه شعور بالذنب من أنه يحب المرأة التي كانت زوجة صديقه لكن في واقع الأمر اتفق مع البطلة ومع معرفته بأنها عانت منه كثيرا وصل إلى الحد الذي لم يشعر فيه بالذنب لأنه أحبها بعد طلاقها, وهنا كانت العلاقة متشابكة وتفاصيل الإنسان .. البطلة لازالت مجروحة من تجربتها وتتداوى على أيدي البطل , والأخطر أنهما في هذه الحالة تبدو لهما جوانب أخطر من شخصية هذا الصديق .. جوانب لم تراها من قبل مما بدأت ترويه هي عنه فيما بعد . وكان يظهر الصراع بتذكره أن هذه كانت زوجة صديقه وقوله لها أن "صادق" لم يعلمها شيء جيد ولم يساعدها على احترام التقاليد أو الشعائر الدينية , وهو رغم ممارساته معها إلا أنه كان أكثر اقترابا من الضمير الديني منها . محيط : قد يشعر القارئ بسقطات مفاجأة في الرواية فما المقصود من ذلك؟ عبد الوهاب: أنا قصدت ذلك ولم أرد أن أعرضها بترتيب زمني محدد للأحداث ، بل تعمدت بعد كل فصل تعيس أن أتبعه بشيء مناقض له تمام . محيط : كم استغرقت منك الرواية في كتابتها ؟ عبد الوهاب: ثلاث سنوات دون تواصل ، ولكن لمدة ستة أشهر كان العمل يوميا, فأنا بدأت فيها قبل ثلاث سنوات , وتركتها وكتبت قصص قصيرة أثرت في تنمية قدراتي في الكتابة ولأنها كانت الرواية الأولى كان هناك صعوبة في الكتابة فأخذت الوقت لتطوير الأسلوب . محيط : هل معنى "سيرتها الأولى " أنك ستكتب سيرة ثانية ؟ عبد الوهاب : احتمال كبير أن يكون هناك سيرة أخرى تحمل مقارنة مابين إمرأتين إحداهما ستكون صاحبة السيرة الأولى والثانية شخصية ملتزمة متدينة , وقد تكون مشابهة مثلا لفيلم قصة حب العالمي , الجزء الأول منه كان كلاسيكي والثاني البطل فيه بعدما فقد حبيبته إلتقى بسيدة أعمال وظن أنه يحبها وتزوجها ثم تكشف بعد ذلك العكس وأنه لم يستطع الانسجام معها مثلما كان في تجربته الأولى . محيط : وماذا عن القصص القصيرة التي كتبتها ؟ عبد الوهاب : قريبا سوف تصدر مجموعة قصصية من بينها سبعة عشر قصة نشرت من قبل ، إحداها بعنوان " كل شئ محتمل في المساء " وفيها أرصد شقاء الإنسان في عالمه من خلال قصة موظف بسيط يقوم في الصباح حزين وأثناء حلاقة ذقنه في صباح أحد الأيام يحاول أن يعرف سبب حزنه هل هو الشغل ؟ أم ماذا ؟ واعتقد أن السبب فعلا هو الشغل , يفكر ما سيحدث له .. ممكن يموت أثناء سيره وممكن لا .. فكيف سيواجه مشاكله بالعمل ؟ يظل طوال اليوم متوقعا للمشاكل وغير متأكد من أنه لن يتعرض لها حتى ينتهي اليوم . قصة آخرى عنوانها " المرأة " وهي قصة على عكس ما أثير حول رواية "سيرتها الأولى " وتؤكد أن ليس كل ما يكتبه الراوي يكون راض عنه , وأكشف هنا أن المرأة التي تدور حولها هذه القصة هي خالتي شخصيا , أرصد التحول في حياتها بعد أن وصلت إلى سن السادسة والسبعين من عمرها , أنظر لها وأنا في منتصف العمر .. وجهها يضئ نورا من الإيمان كلما أنظر لها وأسترجع ما كانت تقوم به في مرحلة شبابها وملابسها وما فعله بها التقدم في العمر وهي تتجه نحو مرحلة النسيان التي بدا لي أنه الزهايمر , أخشى أن أفقدها وأنا أحبها حبا شديدا و أريدها , وكنت أنظر لها نظرة شفقة إلا أنني وأنا أكتب هذه القصة أيقنت أنني أنا من يحتاج إلى الشفقة وليست هي لأن الإيمان منجي .. لديها نزعة دينية قوية جدا أتذكر معها ردود أفعالها حينما توفي زوجها كانت هادئة على العكس من غيرها وأتساءل هل هو الصبر أم الذهول ؟ أم قوة الإيمان ؟ ! محيط : في "سيرتها الأولى" ختمت بعدة أبيات من الشعر تخيلت أمامك فيها منطقة "الشيخ على" المشهورة بالإسكندرية وكأنك تحاور هذا الشيخ وتلومه وتوحي بإيحاء ما .. فماذا قصدت ؟ عبد الوهاب: الشيخ على هنا هو رمز لغواية الشيطان التي كانت سببا فيما آل إليه أوضاع بطلي الرواية وسبب انزلاقهما في الممارسات المخالفة لتقاليد المجتمع , تخلي البطل أنه يحاوره فقال :لماذا اقترفت ما اقترفت ياشيخ علي ... خدعتنا أغويتنا أوهمتنا بأنك باق للفجر روجت لنا بأنك قطب الأقطاب وبأنك المنتهى ... ثم ونحن في منتصف الطريق انسللت ثم ونحن في وسط البكاء سرت تضحك غير عابئ ... فمن خلال هذه الأبيات يقف البطل وكأنه نادما على ما كان يفعله ويرى في الشيطان سببا في غوايته , ويصور نهاية كل من يسير في نفس النهج ومن شدة ما يعانيه يطلب منه أن يترك الناس وكفاه ما فعله بالكثيرين منهم فيقول : اترك هؤلاء الناس النيام في البيوت ... وكفاك ما فعلته حتى الآن فأجابه الشيخ علي والذي هو رمز غواية الشيطان قائلا : وما شأنك ؟ فأجابه البطل : هذا شعبي فاتركه !! فقال الشيخ علي : بل هذا شعبي أنا فامتثل .. ولم يعبأ الشيخ وابتلع معظم السكان ثم صوب إلى البطل نظرة طويلة مستهزأ ثم ابتلعه . أراد محمود عبد الوهاب بهذه النهاية أن يقول أن نهاية الغواية معروفة وستظل كما هي كما سيظل من يحركها باقيا ويظل معها صراع النفس بين فجورها وتقواها , ويؤكد على أن قيم المجتمع هي الأقوى رغم أن كل عواملها من حولنا تبدو أنها تنهار , إلا أن هذا الانهيار هو نفسه الذي يؤكد على قيمة هذه القيم ورغم أنه خلال هذا الحوار يعكس هذه الرغبة ويؤكد على رفضه من حيث المبدأ الديني لبعض ما تحويه الرواية قائلا أنه أراد أن يعكس التجربة صادقة كما هي إلا أن هذا لا يشفع لأن تقدم على الشكل الذي قدمت به والذي رفضه الكثيرون وكان سببا فيما واجهته الرواية من نقد لاذع .