الرياض: أكد الدكتور يوسف القرضاوي أن الإلحاد شذوذ عن القاعدة، فالبشرية في معظمها تؤمن بالله تعالى وإن كانت تشرك معه. ويضيف القرضاوي عرف علماء الآثار وعلماء الإنسانيات مدناً بلا حصون، وبلاداً بلا قصور، وبلاداً شاسعة ليس فيها مدرسة واحدة، لكن لا يمكن أن تجد مدينة صغيرة ولا قرية ضئيلة بلا معابد!! ودلالة هذا أن الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وثقافاتهم يؤمنون بقوة علوية تدبر الكون وترعى شؤونه وتستحق أن يصرفون لها صنوف العبادة وأنواع القربى والخضوع. وأوضح القرضاوي في الحلقة الأولى من "فقه الحياة" المذاع على قناة "اقرأ" الفضائية ، سر انتقال لوثة وآفة الإلحاد من الغرب المادي إلى بلاد الشرق، متذكرا شيخه وشيخ الأزهر عبدالحليم محمود رحمه الله عندما قال: " إلحاد الشرق ليس إلحاد عقل وفكر، بل إلحاد بطن وفرج" بمعنى أن بعض الفاسقين عن أحكام دين الإسلام من أبناء جلدتنا يريدون الانسلاخ عن أحكام الدين، ويحبون العيش كالبهائم في وحل شهوات البطن والفرج فيبررون الانحلال عقلياً بالإلحاد، ويفلسفوا سلوكهم بزخرف الأفكار وغرور الأقوال، والحقائق الكبرى لا تبطلها الألفاظ. ويتجاوز الشيخ القرضاوي إلحاد الشرق إلى إلحاد الغرب ويعتبره أنه لوثة أصابت الغرب في القرون الخالية بسبب التعامل الفظ لرجال الكنيسة مع العلماء ومواقفهم المخزية مع حقائق العلم، وإرهابهم في محاكم التفتيش التي حاكمت العلماء وأحرقت كتب العلم، فكانت ردة الفعل عنيفة بنبذ الدين والإيمان والاعتداد بالعلم والمختبرات وافتراض التناقض بين الدين والعلم، وهذه المشكلة ليست موجودة في ديننا. ويتحدث الشيخ بنبرة ثقة أن الغرب يعود إلى رحاب الله ويفيء إلى الحق فالقرن العشرين بالنسبة للغرب قرن العودة إلى الله تعالى ودليل ذلك أن ثلاثين عالماً في مختلف العلوم الدنيوية والتجريبية جمع كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) بين شهاداتهم بأن سائر العلوم والفنون تشهد لله تعالى بالوجود والوحدانية. وكذلك كتاب (العلم يدعو للإيمان) الذي أشرق من الغرب. ثم يسوق العلامة الشيخ القرضاوي الأدلة على وجود الله ووحدانيته التي تنطلق من دليل الفطرة، ويضرب بذلك مثلا في قصة (حي ابن يقظان) الذي تركه أبواه في جزيرة منفردة وتربى بين الغزلان والوحوش وبحث حتى انتهى للإيمان بالله الواحد. إن هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها قد تغطيها العافية والنعمة بحجب من الغفلة تحمل الإنسان المغرور على إنكار ربه، لكن الشدة والبلاء كفيلان بهتك هذه الحجب وعودة الإنسان لرحاب ربه يدعوه مخلصا له الدين. ثم ينتقل الشيخ لدليل السببية وهو من أهم الأدلة على وجود الخالق فقانون السببية يؤمن به كل عاقل ويقر به كل ذي عقل سوي فكل معمول له عامل وكل مسبب لا بد له من سبب وكل حركة تدل على محرك وكل صنعة تدل على صانع وكل مخلوق يدل على خالق، وفي القرآن الكريم ومن خلال كلمات معدودات اعطانا ربنا قاعدة جامعة مانعة نصفع بها كل ملحد، يقول الله تعالى: "أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون* أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون" (الطور: 35-36) فكل ملحد لا ينكر إن رأى شيئاً أن له صانع ولا يقبل أنه صنع نفسه من نفسه، فكيف يقبل أن الكون صنع من تلقاء نفسه مادام لا يمكن ان يدعي أنه هو من صنعه. وأما دلالة القصد فينطق بها كل شيء في الكون فكل شيء موضوع بحسبان: مسافة الشمس من الأرض، توازن البيئات، وغير ذلك من الدقة الهائلة في الكون التي تنطبق على الذرة كما تنطبق على المجرة. ويضرب الشيخ مثالاً جميلا للرد على القائلين بالصدفة فيقول: لو أن صندوقا يحتوي آلاف حروف الهجاء المتنوعة لو تم إلقاؤه على الأرض هل يمكن لهذه الحروف أن تكوّن خطبة منظومة بليغة لإمام البلاغة علي رضي الله عنه، لا يمكن أن تفعل ذلك ولا يمكن أن يقع من هذه الحروف أقل من ذلك، فكيف يريدوننا أن نؤمن بأن هذا الكون المنظم أدق تنظيم قد نشأ بالصدفة.