أكد الدكتور علي جمعة مفتي مصر أن البحث العلمي هو نقطة البداية الصحيحة للأمة الإسلامية حتى تضع قدميها مرة أخرى في خريطة العالم، وتشارك بحضارتها في بناء الحضارة الإنسانية، في وقت يحتاج العالم إلى منهج البحث الإسلامي، وإلى تراث المسلمين، وطريقة تفكيرهم، وتجربتهم في استيعاب الحضارات، مؤكدًا أن السبيل إلى كل ذلك هو إحداث نهضة في مجال البحث العلمي الإسلامي ليكون امتدادًا حقيقيًّا لعلوم المسلمين الأوائل ومظهرًا للصلة بين أصالة السلف ومعاصرة الخلف. جاء ذلك في كلمة فضيلته الافتتاحية بمناسبة صدور العدد الأول من مجلة دار الإفتاء المصرية مع بداية شهر رمضان المبارك. وأضاف مفتي الجمهورية في افتتاحية العدد الأول للمجلة أن دار الإفتاء المصرية من منطلق حرصها على نشر منهجية الإفتاء الصحيحة تدعو العلماء والفقهاء وطلبة العلم في جميع التخصصات إلى الاهتمام بالبحث العلمي في هذا الجانب والتوسع فيه وتحويله إلى بحوث أكاديمية ورسائل علمية، وتأصيله تأصيلا تفصيليا من أجل انطلاق البحث العلمي بأقوى صوره؛ خاصة وأن الأمة الإسلامية تحتاج في عصرنا هذا إلى البحث العلمي المتخصص، والتعمق والبعد عن التعميم والسطحية، وإلى الجمع بين الأصالة والتجديد. وأوضح مفتي الجمهورية أنه يجب علينا أن نراجع إدراكَ الواقع كل حين؛ بما فيه التمييز بين الشخصية الطبيعية والشخصية الاعتبارية، والفرق بين فقه الأمة وفقه الأفراد، وطريقة الاختيار الفقهي سواء كان من جهة رجحان الدليل، أم من جهة مراعاة المصلحة، أم بالانتقاء في كل مسألة على حدة من الفقه الإسلامي الواسع الموروث بما فيه اجتهاد من السابقين مع القيام باجتهاد جديد في المسائل المحدثة، وأنه لابد من مراعاة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال؛ حتى نحقق المصالح ولا نخرج عن المقاصد الشرعية. وأكد مفتي الجمهورية أن الفتوى هي عملية التطبيق الواقعي للعلم الأكاديمي النظري، والتي تتغير طبيعتها بحسب الزمان والمكان والأحوال، وتظهر حاجتها الماسة إلى البحث العلمي في كلا شِقَّيْها الأساسَيْنِ: إدراك الواقع على ما هو عليه, ومعرفة الحكم الشرعي فيه، وأنه في إطار تطبيق تلك المبادئ قامت دار الإفتاء المصرية ( وهي المؤسسة الدينية المنوطة بالفتوى في مصر ) بإنشاء مركز الأبحاث الشرعية؛ تحقيقًا لصناعة الفتوى على وجهها المهني الصحيح. وحذر مفتي الجمهورية أنه في الظروف التي نعيشها حيث يتكلم كثير من الناس في غير ما يحسنون نحتاج إلى أن ندرك أن هناك فارِقًا بين علم الدين وبين التَّدَيُّن، فالأول تقوم به الجماعة العلمية، وله مصادره ومناهجه، أما الثاني وهو التدين فهو مطالب به كل مكلف لتنظيم علاقته مع نفسه وكونه وربه، وحينئذ فالبحث العلمي الرصين هو العلامة الفارقة بين الفتاوى الشرعية المؤصلة والكلام المرسل على عواهنه، وهو العصمة الحقيقة للأمة من اتباع الشيطان؛ كما قول تعالى: [ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا].