يخطئ من يظن أن جنرالات المجلس العسكرى قد ردعهم الضغط الشعبى عندما خرجت معظم القوى السياسية يوم الجمعة 18 نوفمبر الماضى لتعلن رفضها المواد فوق الدستورية (المعروف إعلاميا ب : وثيقة السلمي) وأن المعركة قد إنتهت بهذة البساطة. فالأمر يتعدى ما يعتقده البعض من أن الدوافع وراء المواد فوق الدستورية هى طموحات بعض الجنرالات في إغتنام بعض المكاسب للمؤسسة العسكرية على حساب الثورة ، فلو كان الأمر كذلك (وإن كان صحيح جزئيا ) لأمكن التوقع أن اللجوء لآلية الضغط الشعبي لمحاولة إثنائهم عن ذلك أو عن بعضه ممكن أن تحقق بعض النجاح ، ولكن الحقيقة التي يتناسها الكثير أن فرض وثيقة السلمي هو مطلب أمريكا الأساسى مع بعض إضافات داخلية من أجل تسوية الطبخة وتسويقها داخليا ، والهدف الحقيقى والرئيسى وراء وثيقة السلمي هو فصل المؤسسة العسكرية تماما عن النظام السياسى وماعدا ذلك مجرد تفاصيل فرعية وليست جوهر القضية. أكيد من حقك أن تتساءل لماذا يكون مطلب أمريكا الأول هو فصل المؤسسة العسكرية فى مصر عن النظام السياسى؟ الإجابة بإختصار : لأن أمريكا على مدار أكثر من 33 عاما قامت بدعم تسليح وتدريب الجيش المصرى بمتوسط 2 مليار دولار سنويا ( إنخفضت الآن الي 1.35 مليار دولار) لتصل الى ما يزيد عن ال 60 مليار دولار منذ 1979 وما خفى كان أعظم ، وببساطة أمريكا من المستحيل أن تقبل أن يستخدم هذا السلاح الأمريكى ضد إسرائيل أو حتى التلويح به أو بإستخدامه كأداة ضغط ضدها فى حال مجئ نظام سياسي منتخب ديمقراطيا ليحكم البلاد ، حتى وإن استطاعت أن تتعامل معه مرحليا بسياسة العصا و الجزرة ، لكن فى شئون الأمن القومى لن تترك أمريكا الأمر للصدفة ولا لزعزعة قدرتها على التعامل مع النظام الجديد أو خلق توازنات جديدة فى المنطقة ، فتريد قطع الطريق على نتائج أي إنتخابات قادمة لا ترضيها .. بفصل المؤسسة العسكرية تماما عن النظام السياسى كيف يمكن فصل المؤسسة العسكرية عن النظام السياسي؟ عن طريق الآتى : وضع خاص للجيش - يجعله فوق النظام السياسى ومؤسساته الدستورية والرئاسية لضمان إستقلالة وعدم توجيه خارج الإطار المحدد له بإتفاقية كامب ديفيد ونزع سلطة التشريع الخاص بالمؤسسة العسكرية من البرلمان وقصرها على المجلس العسكري. إضافة "حماية الشرعية الدستورية" لدور الجيش - ليعطيه الشرعية لإلغاء نتائج إنتخابات أو أقصاء تيار سياسى وقمع معارضيه عند اللزوم واذا لاحت في الأفق بوادر صدام مع إسرائيل أو محاولة توجيه للمؤسسة العسكرية خارج المسار المحدد بواسطة أمريكا لضمان أمن إسرائيل القومي. نزع قرار الحرب من يد الرئيس القادم و وضعه فى يد جنرالات المجلس العسكرى - تخيلوا الشعب المصرى لأول مرة يختار رئيس شرعى للبلاد ليكون قائدا أعلى للجيش فلا يستطيع أن يأمر تلك المؤسسة التى قبلت فقط أن تؤمر من منتزعى السلطة بدون شرعية بالتزوير ، وتتأفف من أن تؤمر من رئيس منتخب وتريد أن تحصن نفسها من "هوى الرئيس القادم" كما صرح من قبل اللواء ممدوح شاهين ليتحول الرئيس من قائد أعلى للجيش الى عضو فى مجلس أعلى للأمن القومى الكلمة العليا فيه للجنرالات وليست للرئيس المنتخب. سرية الميزانية - وهذا هو الجزء الوحيد فى تقديري المسموح بالتفاوض عليه فهو لا يمثل مطلبا أمريكا بالأساس ولكنه مطلب ملح للجنرالات .. لحماية مصالح الطبقة العسكرية وإمتيازاتها بحجة الأمن القومي وسرية الميزانية. وتمت صياغة النقاط الأربع في المادتين 9 و 10 من وثيقة السلمي وإختار ترزية المجلس أطار على غرار وثيقة الإستقلال الأمريكية تحت مسمى المواد فوق الدستورية وتكمن المشكلة الحقيقية لذلك الأطار انه لا توجد اداة دستورية لتعديله او إلغائه كما فى حاله الدستور حيت ينص الدستور نفسه على أليات تعديله والغاء بعض مواده ولكن فى حاله المواد فوق الدستورية لا سبيل لإلغاءها أو تعديلها إلا بالثورة عليها فقط وفى هذه الحالة ستكون ثورة على المؤسسة العسكرية ، التى بموجب المواد فوق الدستورية نفسها تمنحها الصلاحية لقمع تلك الثورة ان حدثت بإسم "حماية الشرعية الدستورية" وقد إختار المجلس العسكرى توقيت طرح المواد فوق الدستورية بعناية فائقة لوضع إستحقاق الإنتخابات سيف على عنق كل القوى السياسية وقبلها بأسابيع قليلة لضمان فرضه وأعتمد على بعض القوى المدنية التليفزيونية ذات الشعبية العارمة داخل مدينة الإنتاج الأعلامى للعب بالفزاعة الإسلامية وكيفية الحفاظ على مدينة الدولة ضد حكم طالبان القادم ، و كأن الأسلاميين لو أرادوا الإنقلاب على مدنية الدولة ستردعهم ورقة بها بضع سطور وهمية عن مدنية الدولة صادرة عن كيان فاقد الشرعية لتسويق فصل المؤسسة العسكرية تماما عن النظام السياسى ... أي بدلا من ( الألف و اللام ) سنة 1980 لأجل تمديد المدد الرئاسية بدون حد أقصى ، الآن مدنية الدولة ضد فزاعة الأسلاميين الوهمية مقابل الإنفصال الكامل للمؤسسة العسكرية عن النظام السياسى ، تماما كما تريد أمريكا لحماية أمن إسرائيل القومي من أى تهديد مستقبلي وإلا كان مصير القدرات العسكرية المصرية نفس مصير سلاح صدام حسين عندما أنهى مهمة إنهاك نظام إيران الخومينى وقرر الخروج عن المسموح والمرسوم له أو كمصير سلاح المجاهدين الأفغان بعد أنتهاء الحرب مع السوفيت بعد أن أغدقت أمريكا على كلاهما بالسلاح عندما كانوا يحاربون عدو مشترك وقامت عندما غيروا الأتجاة بتدمير قدرات هذا السلاح والذريعة دائما جاهزة تحت أى مسمى ومجلس الأمن جاهز لما تشاء القوى العظمى من قرارات. هو ده لب الصراع على المواد فوق الدستورية وعندما توافقت القوى السياسية لأسباب سياسية مختلفة - على عكس ما أراد المجلس - على رفض المواد فوق الدستورية في تظاهرة الجمعة 18 نوفمبر ، فعمد النظام على ضرب أهالى المصابين المعتصمين فى اليوم التالي مباشرة وأمعن فى قمع المتظاهرين فى الأيام الأولى لبدء الأعتصام ليزيد من إضطراب الوضع الداخلى ليلوح بأمكانية الغاء الإنتخابات سياسيا - وليس أمنيا حتى لا يتهم بالتقصير - وأن الوضع غير مستقر سياسيا لإدارة الإنتخابات ولكن لإستعانته بكلاب مسعورة تحمل روح الأنتقام فتفاقم عدد الشهداء وخرج الأمر عن السيطرة بعدما فوجئ الثوار قبل غيرهم بالحشد الشعبى الكبير على غرار 28 يناير فقرر تأجيل المعركة وبناء حائط عازل فى شارع محمد محمود - كان بأستطاعتة بناءه من اليوم الأول أن أراد - ليوقف المذبحة وخرج من الجولة الأولى محملا بخسائر عديدة وفشل فى فرض الوثيقة. ولهذا أعتقد ان المعركة لم ولن تتنتهى والتصريحات منذ بدء الإنتخابات تكاد تكون يومية من المجلس العسكرى على مضمون المواد فوق دستورية وان الوثيقة مازالت مطروحة للنقاس وان خسروا الجولة الأولى فليس معناه خسارة المعركة وأن التحضير لإيجاد ذريعة لفرضها بأى طريقة ممكنة جارى على قدم وساق والخيارات عديدة أمام المجلس العسكرى منها الأختراع الجديد المسمى المجلس الأستشارى كوسيلة لفرض الوثيقة من خلاله ، ولا أستبعد أيضا على عقليات من يديرون شئون البلاد إستخدام أساليب قديمة جديدة ومألوفة للنظام الذى ينتموا اليه لايزال كماهو من هدم أضرحة وإعتداء على نساء غير متحجبات ، وممكن صدام طائفي بسبب علاقة عاطفية او البحث عن كنيسة غير مرخصة لهدمها او إستدعاء بعض مشاهد الثمانينات لحرق محال الخمور ( للأسف مفيش نوادى فيديو هيضطروا يفكروا فى بديل ودى حاجة شاقة عليهم ، أقصد التفكير طبعا ) ومع وصول أول كاميرا للتغطية الحادث يظهر سلفيين أمن الدولة (الأمن الوطنى حاليا) ليتصدروا المشهد كأحد أفلام وحيد حامد مستخدمين بعض من عباراته المبتذلة ليكتمل المشهد الطالباني ويفزع الإعلام الإسلاموفوبياوى مع ربط ذلك بنتائج الأنتخابات وما يريد المجلس رسمه للمواطنين من أن دولة طالبان قادمة لمحاولة فرض المواد فوق الدستورية بدعم من بعض القوى المدنية المذعورة لأظهار المجلس العسكرى كحامى للدولة المدنية والحقيقة هى تنفيذ مطلب أمريكا بفصل المؤسسة العسكرية عن النظام السياسى تماما لتحييد قدرات مصر العسكرية وأستمرار التبعية. هذة المعركة هى أشد معارك الثورة شراسة وأهمها على الأطلاق ، فهى معركة السيادة الكاملة لمصر على أراضيها وأمتلاك قرارها السياسى فلا تنمية أو بناء بدون إستقلال الإرادة السياسية ومحاربة التبعية للقوى العظمى. أستعدوا فمامضى كان مجرد إحماء لما هو قادم ..