الواضح أن الربيع العربى قد جعل الخريطة السياسية فى الدول العربية تتغير حيث يلاحظ إكتساح الإسلاميين فى أى إنتخابات يدخلونها وكان اخرها المغرب حيث أظهرت النتائج "المؤقتة"للانتخابات البرلمانية المغربية التي أعلنها وزير الداخلية، الطيب الشرقاوي، فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي ب80 مقعداً، في حين حصل أقرب المنافسين، وهو حزب الاستقلال، على 45 مقعداً، على أن يصار إلى إعلان النتائج النهائية الأحد، حيث من المتوقع أن يتمكن الحزب الإسلامي من زيادة عدد مقاعده. وقال الشرقاوي، في مؤتمر صحفي خصصه لعرض نتائج الانتخابات إن نسبة المشاركة بلغت 45.4 في المائة، مشدداً على أن الإقبال كان "كثيفاً في المناطق الجنوبية،" في إشارة إلى الصحراء التي تطالب بعض القوى فيها بالانفصال عن المغرب. ولفت الشرقاوي إلى وجود 489 شكاية حول مسار الانتخابات، جرى فتح تحقيقات في 60 منها، كما أشار إلى أن الاقتراع جرى بحضور 3790 ملاحظاً. وذكر الشرقاوي أن النتائج الأولية المؤقتة ل288 مقعد من أصل 305 مقاعد خاصة باللوائح المحلية أظهرت فوز حزب العدالة والتنمية ب80 مقعداً، مقابل 45 مقعداً لحزب الاستقلال الذي كان يقود الحكومة، بينما نال حزب التجمع الوطني للأحرار 38 مقعدا، وحزب الأصالة والمعاصرة 33 مقعدا. أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك في الحكومة، فنال 29 مقعدا، بينما نال حزب الحركة الشعبية 22 مقعدا. يشار إلى أن حزب العدالة والتنمية قد يحصل في نهاية المطاف على عدد أكبر من المقاعد بعد احتساب ما سيناله وفق اللوائح الوطنية، بحسب النظام الانتخابي المغربي. وأكدت المعطيات التي أعلن عنها الوزير المغربي في ندوة صحافية حول انتخابات أمس النتائج الجزئية التي تواردت محليا من مكاتب الاقتراع عبر تراب المملكة، والتي رجحت كفة إسلاميي العدالة والتنمية في مواجهة خصومه، وخصوصا من أعضاء تحالف الثمانية الذي يقوده "الأصالة والمعاصرة" و التجمع الوطني للأحرار، وهما الحزبان اللذان خاضا حربا سياسية واعلامية ضروسا ضد الحزب الاسلامي الذي يصفانه بأنه حزب "رجعي" بينما يعتبرهما رمزا للفساد السياسي بالبلاد. وكان الحزب أفاد في موقعه الإلكتروني أنه "تبعا للنتائج الجزئية المتوصل بها إلى حدود الساعة الثالثة والنصف صباحا من يومه السبت 26 نونبر 2011 فإنه تم التأكد من الحصول على 82 مقعد بالدوائر المحلية ولا زلنا ننتظر تأكيد 8 مقاعد إضافية على الأقل". وبات في حكم المؤكد أن حزب العدالة والتنمية سيتولى رئاسة الحكومة الأولى في ظل الدستور الجديد الذي وسع صلاحياتها التنفيذية، في انتظار استكمال نتائج اللائحة الوطنية الخاصة بالنساء والشباب، غير أنه سيكون ملزما بالدخول في تحالفات مع أحزاب أخرى لتأمين الأغلبية بالبرلمان المقبل. وكان كثير من المراقبين قد توقع أن يحتل حزب العدالة والتنمية صدارة النتائج بالنظر إلى شعبيته المتزايدة في موقع المعارضة "المريح" وكذلك لتحولات المحيط الإقليمي التي حملت الإسلاميين الى صدارة المشهد، وخصوصا في تونس ومصر، فضلا عن اتساع دائرة الغضب الشعبي من الأحزاب التي شاركت في تدبير الشأن العام بالمملكة التي تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية في مجالات التشغيل والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الأساسية. ولم يخف عدد من قادة الحزب تفاؤلهم بمجرى النتائج الأولية التي تفيد بإحراز مرشحي الحزب على الصدارة في عدة دوائر انتخابية، وخصوصا في كبريات المدن المغربية. ويتوقع المراقبون أن يركز الحزب تحالفاته على تيار "الكتلة الديمقراطية" التي تضم أساسا حزب الاستقلال الذي يقود التجربة الحكومية الحالية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، المشاركين في الحكومة. وتؤكد مرحلة "الغزل" التي طبعت علاقات العدالة والتنمية مع هذه الأحزاب "التاريخية" بالمملكة في الآونة الأخيرة، وكذا تصريحات زعماء الحزب الإسلامي هذا الاتجاه الذي يراهن عليه مراقبون لتحقيق انفراج في الحياة السياسية المغربية وتقديم إجابات جديدة للحراك المطلبي في الشارع. من جهة أخرى، أكد وزير الداخلية المغربي، الطيب الشرقاوي، أن نسبة المشاركة بلغت 45 في المائة مقابل 37 في المائة فقط خلال الانتخابات التشريعية السابقة في 2007. ورغم أن هذه النسبة تبقى متواضعة، فإنها مكنت شرائح واسعة من النخبة السياسية من تنفس الصعداء حيث اعتبروا أنها سمحت بتفادي الكارثة، في سياق يعرف اتساعا مطردا لظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية بمختلف أشكالها. ومرت العملية الانتخابية عموما في أجواء هادئة، كما لم يسجل الملاحظون الدوليون والمحليون خروقات واسعة النطاق. وقد بادرت فرنسا إلى الإشادة بهذه الأجواء مؤكدة "وقوفها إلى جانب المغرب في انجاز مشاريعه الإصلاحية." وتخللت الحملة الانتخابية التي شارك فيها 31 حزبا، دعوات لمقاطعة الاستحقاقات البرلمانية من لدن بعض أحزاب اليسار الراديكالي (النهج الديمقراطي، الطليعة، الاشتراكي الموحد) وجماعة العدل والإحسان الإسلامية (غير المعترف بها رسميا) وقطاعات واسعة من حركة 20 فبراير. وأصدرت حركة 20 فبراير-تنسيقية الرباط بيانا هنأت فيه المغاربة على مقاطعتهم الواسعة للانتخابات، في إشارة إلى نسبة 45 في المائة، معتبرة أنها تعد "تأييدا وتجديدا لثقة المغاربة في الحركة، وقطيعة مع المخزن وموكليه وعرابيه، وتأكيدا على الاستمرار في النضال ضمن مشروع الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية". يذكر أن مجلس النواب يتألف من 395 عضوا، يتوزعون ما بين 305 عضوا ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية و90 عضوا ينتخبون برسم دائرة وطنية تحدث على صعيد تراب المملكة، وتخصص للنساء (60 مقعدا) والشباب ممن لا يزيد سنهم عن أربعين سنة (30 مقعدا). وتعزيزا لضمانات النزاهة والشفافية التي شكلت نقطة سوداء في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المغربية، تم اعتماد 4000 ملاحظ محلي ودولي لتتبع أجواء الانتخابات إلى حين صدور النتائج النهائية. ويمكن أن نوجز أسباب تفوق حزب العدالة والتنمية في اللاتي: أولا: نسبة المشاركة المتدنية حسب البعض والمتوسطة حسب البعض الآخر، فحزب العدالة والتنمية، وعلى غرار الأحزاب ذات العقيدة السياسية، منذ مشاركته في أول انتخابات عام 1997 يتوفر على قاعدة انتخابية صلبة لا تتأثر كثيرا بالأحداث والمتغيرات، حيث كان معدل الأصوات التي يتحصل عليه خلال الاستحقاقات السابقة هو 500 ألف صوت، وبالتالي فإن هذه النسبة زادت اليوم ولم تتضاءل، فحتى لو كانت المشاركة ضعيفة فإن قاعدة الحزب الانتخابية ستمنحه أصواتها، وهو الأمر الذي تفتقد إليه الأحزاب المنافسة التي تعتمد على الأعيان وعلى الرأي العام متغير المزاج السياسي. ثانيا: لقد استفاد حزب العدالة والتنمية من موجة “الربيع العربي”، حيث لم نلاحظ عداء يذكر للسلطة له ولم نشهد كذلك أي مضايقات سياسية له من طرف الإدارة الترابية، بل بالعكس تم منحه، كما باقي الأحزاب، جميع الإمكانات المادية والإعلامية، يكفي أن نعرف أن إحصائيات الهيئة العليا للسمعي البصري ذكرت أن حزب العدالة والتنمية هو الذي تصدر المشهد الإعلامي سواء كان إعلاما حكوميا أو مستقلا، وكان هذا بسبب تأثير “الربيع العربي” بما أن الدولة المغربية حاولت أن تنجو من موجة إسقاط الأنظمة عبر فتح المجال للمعارضة السياسية وكسب التعاطف الشعبي الذي راكمته هذه المعارضة طيلة سنوات. ثالثا: كون حزب العدالة والتنمية لم يتحمل المسؤولية في أي حكومة سابقة، وكونه يبشر في خطابه بدولة العدالة الاجتماعية، فإنه نال ثقة جزء من الشعب المغربي الذي يرى فيه آخر فرصة لإنقاذ البلاد من الفساد السياسي والاقتصادي، فضلا عن عدم تسجيل خروقات مهمة على هذا الحزب، سواءا خلال ممارسته في تدبير الشأن المحلي عبر البلديات والمقاطعات أم على أشخاصه وأعضائه. رابعا: الدعوات التي تبنتها حركة 20 فبراير والأحزاب التي تدور في فلكها بخصوص الدعوة لمقاطعة الانتخابات دفعت بالكثير من المواطنين إلى الخروج من اللامبالاة والذهاب لصناديق الاقتراع، خاصة الذين لا يوافقون هذه الحركة الشبابية أفكارها ونضالاتها، فهنا يمكن القول أن جزء من الشعب المغربي صوت لحزب العدالة والتنمية ضد حركة 20 فبراير وجزء آخر صوت لأن الجو العام الذي أحدثته حركة 20 فبراير منذ 7 أشهر دفع بالكثير إلى الاهتمام بالشأن العام وممارسة السياسة، إما عبر الانتخاب أو عبارة المشاركة في الأحزاب، يكفي ان نعرف بان حزب العدالة والتنمية استقطب إلى صفوفه الكثير من المواطنين خلال المرحلة السابقة وذلك حسب بيانات الحزب المتوفرة، فضلا عن الجزء الذي يصوت على حزب العدالة والتنمية بسبب عقيدته السياسية وأيديولوجيته ذات النفحة الإسلامية. خامسا: الفشل الذي صاحب التجربة الحكومية السابقة وتراجع المغرب على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية، والشك في قدرة الأحزاب السياسية المنافسة ل حزب العدالة والتنمية في تدبير المرحلة القادمة، دفع جزءا من الشعب المغربي إلى التصويت العقابي لفائدة حزب العدالة والتنمية وضدا على الأحزاب الحكومية، حيث يتم اتهامها بإفساد الحياة السياسية والتقهقر بالمغرب نحو المراتب المتأخرة ضمن مؤشرات التنمية البشرية. سادسا: استفاد حزب العدالة والتنمية من وسائل الاتصال الحديثة وأدوات التواصل المبتكرة، فهو لم يركز على المسيرات والمهرجانات الانتخابية فحسب، وإنما صاحب ذلك بحملة منظمة على المواقع الاجتماعية على الانترنت كما وظف هذه الأخيرة في الترويج لمشروعه وأهدافه ومرشحيه، فيكفي أن نعرف بأن موقعه على الانترنت يعتبر أهم مواقع الأحزاب المغربية وانه الحزب الوحيد الذي يتوفر على إذاعة على الشبكة العنكبوتين. سابعا: استفاد أيضا حزب العدالة والتنمية من موجة فوز الاسلامين في البلدان المجاورة، فالكل تقريبا كان يترقب فوز حزب العدالة والتنمية نسبة إلى فوز حركة النهضة في تونس، على أساس أن هناك عناصر تشابه كثيرة بين الحزبين، وكذلك النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنيمة التركي الذي يتشارك وحزب العدالة والتنمية المغربي نفس الاسم والرمز الانتخابي إضافة إلى تبادل الزيارات وبرامج التكوين وودية العلاقات. يبقى أن نشير إلى أن حزب العدالة والتنيمة أمامه عدة تحديات سواء كانت قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وأول تحدي سيصادفها الحزب هو تحدي الاحتجاجات التي تصر حركة 20 فبراير على الاستمرار فيها، خاصة ان نسبة المشاركة قد تدفعها إلى مزيد من الاصرار والتحدي، فأعضاء الحركة يؤكدون أن نسبة المشاركة تأتي في صالحهم على أساس أن مجموع الذين صوتوا في الانتخابات لا يتجاوز 6 ملايين مواطن مغربي، بينما عدد الذين يحق لهم التصويت يتجاوز 22 مليون مواطن في بلد يتجاوز عدد سكانه 30 مليون نسمة......فهل ينجح حزب العدالة والتنمية في كسب هذه التحديات؟