تميزت الخطوط البيانية في جداول أسواق المال في العالم باضطراب شديد بين الصعود والهبوط في أسعار صرف العملات الرئيسية التي تتعامل بها. وأعلن البنك المركزي الأوروبي خطوات لتخفيف التوتر الذي انتاب سوق الديون في منطقة اليورو، في حين أكدت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في العالم تعهدها بدعم استقرار ونمو الأسواق المالية فيها. وأشار البنك المركزي الأوروبي إلى انه: "سينفذ بشكل فعال" برنامجاً لشراء السندات، مشيراً إلى أنه سيشتري السندات الإيطالية والإسبانية للجم العدوى التي أصابت الأسواق المالية. وحذرت مؤسسة "ستاندارد أند بورز" اليوم الاثنين، أن أزمة مالية عالمية جديدة قد تجتاح الأسواق الآسيوية بشكل أقوى من الأزمة السابقة، لاسيما أسواق الدول التي تتبع سياسة الاقتصاد المفتوح ولم تفلح باستعادة عافيتها بعد أزمة 2008 – 2009. وقالت المؤسسة في بيان لها: "من المرجح أن تكون مضاعفات الملاءة الائتمانية الحكومية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر سلبية مما شهدته من قبل، وأن عدداً أكبر من عمليات التصنيف السلبية ستلي ذلك". وجاء في البيان: "في ضوء الارتباط بالأسواق العالمية، فإن أي خلل حاد غير متوقع في الأسواق المالية للدول المتقدمة قد يغير الصورة الوردية"، مشيراً إلى أن الاقتصادات الأمريكية والأوروبية قد تنكمش أو تصاب بالركود من جديد. من جانبه، حث الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول أمس مجلسي النواب والشيوخ على تنحية السياسات الحزبية جانباً، والعمل على إعادة ترتيب الوضع المالي والتركيز على تنشيط الاقتصاد باعتباره المهمة الملحة. ويحاول أوباما تجاوز التوتر الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين، عقب الاتفاق الذي توصل إليه مع منافسيه الجمهوريين لخفض العجز في الميزانية بمقدار 2.1 تريليون دولار في اللحظات الأخيرة قبل أن تنفذ الأموال وتعجز الحكومة عن سداد التزاماتها المالية. ويسود الأسواق المالية الأوروبية الذعر الذي أثر على القطاع المالي في إيطاليا واضطر الحكومة إلى الاستعجال في تطبيق الإجراءات التقشفية في البلاد. واستعبد رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكوني أي تلميح لأن تحذو الحكومة الإيطالية حذو إسبانيا، حيث دعا رئيس حكومتها خوسيه لويس ثاباتيرو إلى إجراء انتخابات مبكرة في تعامله مع الأزمة. وأدت المخاوف من مسألة تفاقم الديون في منطقة اليورو وخروجها عن السيطرة إلى ارتفاع الفوائد على سندات الخزانة الإيطالية لأعلى مستو لها خلال 14 عاماً، وهبوط بورصة ميلانو الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى لها، ما سبب مخاوف حقيقية لدى واضعي السياسات الاقتصادية الأوروبية من أن تفاقم أزمة الديون في ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، يمكن أن يقوض آليات تنفيذ خطط الإنقاذ التي أعدت لمساعدة الدول الواقعة تحت وطأة متاعب اقتصادية مثل اليونان وإيرلاندا. من جانبه، أفاد متحدث رسمي باسم وزارة المالية البريطانية، أن وزير المالية البريطاني جوج أوزبورن، يجري مباحثات مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ومع عدد من نظائره الأوروبيين حول الأزمة في منطقة اليورو، وخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية. وفي باريس، نقل عن مكتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بأنه بحث مساء أول أمس مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الوضع المالي بعد خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدةالأمريكية. وفي نبأ نشرته مجلة "دار شبيغل"، أثارت به الشكوك حول إمكانية أن ينقذ صندوق الاستقرار المالي الأوروبي إيطاليا، حتى في حال مضاعفة حجمه بثلاثة أضعاف. ويشير خبراء حكوميون في ألمانيا إلى أن الديون الإيطالية كبيرة جداً، لحد يفوق إمكانيات الصندوق، وتبلغ ديون الحكومة الإيطالية نحو 1.8 تريليون يورو (ما يقارب 2 تريليون دولار)، 120 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا، بينما يملك الصندوق الأوروبي للاستقرار في الوقت الحاضر 440 مليار يورو (أي 628 مليار دولار)، ويهدف لمساعدة الدول المتوسطة والصغيرة. وفي هذا السياق، تصل ارتدادات الاضطرابات المالية في العالم إلى الأسواق المالية العربية، نظراً لربط عملاتها بالدولار الأمريكي. وقال مسؤول في الإمارات العربية المتحدة، إنها ستبقي على ربط بالدولار الأمريكي رغم خفض وكالة "ستاندارد أند بورز" التصنيف الائتماني لأكبر اقتصاد في العالم. نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أن مسؤولين في البنوك المركزية الخليجية يجرون اجتماعات منفصلة، لمناقشة تداعيات خفض التصنيف الائتماني الحكومي الأمريكي. ويذكر أن جميع الدول العربية الخليجية (باستثناء دولة الكويت، التي تربط عملتها بسلة من العملات) تربط عملاتها بالدولار الأمريكي، وترتبط اقصاداتها ارتباطاً وثيقاً بالوضع الاقتصادي الأمريكي، كما أن الدول الخليجية من كبار المستثمرين في سندات الخزينة الأمريكية. وقال نائب المدير التنفيذي للبنك المركزي الإماراتي محمد التميمي في هذا الصدد: "نحن مرتبطون بالدولار وسنبقي على ذلك" وأضاف: "لا نتوقع انهيار الدولار، لأن المشكلة ليست في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها، بل في الأسواق الأوروبية أيضاً". كما أكدت سلطنة عمان على أنها ستتمسك بالسندات الأمريكية، ولن تتخذ قراراً متسرعاً على أعقاب خفض التصنيف للولايات المتحدةالأمريكية. كذلك تصر المملكة العربية السعودية على موقفها بالاستمرار في الاستثمار بالدولار، وقال كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري في الرياض غارمو كوتيلاين، إن المملكة العربية السعودية هي أكبر منطقة مصدرة للنفط في العالم ولديها "ثقافة راسخة" في الدولار. وأضاف: "لكننا نمر في نقطة تحول تدفعنا للتساؤل عن دور الدولار والعوامل الأساسية في الاقتصاد الأمريكي... ستأخذنا الأحداث إلى حيث تجري إعادة تقييم دور الدولار". وفي سياق متصل، ذكر مدير صندوق رفض الكشف عن اسمه "أن السعودية تستثمر 1.9 تريليون دولار في الولاياتالمتحدةالأمريكية، معظمها يستثمر في أذونات الخزانة الأمريكية، وكيف ستتأثر هذه الاستثمارات ؟ لا نعلم، لكننا نعلم بأننا الأكثر تعرضاً للمخاطرة بين أسواق مجلس التعاون الخليجي".