د. سعيدة الفارسي تمكنت الشاعرة والناقدة العمانية الكبيرة د. سعيدة خاطر الفارسى" من أن تجد لها مكانا تحت الشمس على الساحة الأدبية العربية، واستطاعت من خلال أعمال أدبية متنوعة من إثبات أن للمرأة العربية دور لا غنىً عنه إلى جوار المبدعين من الرجال، وهو ما ناضلت من أجله على مدى نحو عشرين عام من الجهد المتواصل على مستويات عدة، منها ما هو خاص بالإبداع أو النقد أو حتى بمجال الدراسات الأكاديمية، وبمجرد إصدارها لأحدث دواوينها "مازلت أمشى على الماء" .. انتهزنا الفرصة لكى نجرى معها هذا الحوار،، - فى البداية دعينى أسألك عن ديوانك الأخير "مازلت أمشى على الماء" .. كيف ترينه بالنسبة لمسيرتك مع الشعر؟ * هذا الديوان الذى يُعد الثامن في مسيرتى كمبدعة، أعتبره الأهم والأكثر نضجا فى تلك المسيرة، وهو يضم عشرين قصيدة متنوعة ما بين التفعيلة والنثر، قصائد الديوان في مجملها تتناول الهمَ الإنساني العربي، يتجاور فيها الواقعي جنبًا إلى جنب مع الرمزي، ويحمل الديوان نظرة مغايرة، تعكس إحساسى بواقعى وتفاعلى معه. - إلى أى مدى تأثرت أنت بالبيئة وبالتحديد المدينة التى عشت فيها سنوات عمرك الأولى؟ التأثر كبير وكبير جدا وإن كان النتاج لا يوضح ذلك بشكل مباشر إلا أن الذاكرة تمتاح بين الحين والحين من ذلك النبع في معظم النتاج الإبداعي وعلى مدى المسيرة الزمانية علما بأن طفولتي متنوعة المشارب نظرا لتنقل أسرتي بين مدن ثلاث مدينة صُور العمانية حيث الولادة والسنوات الأولى ومدينة الكويت حيث التعليم ثم مدينة مسقط حيث الزيارات الخاطفة في الطفولة ثم العمل والإقامة الدائمة، ثم القاهرة "ملهمة المبدعين" التي طالت إقامتي فيها للدراسات العليا، ولمحبتي الخالصة لها ولمن فيها. - إلى أى جانب تفضلين الانتماء : إلى أن الشاعر هو ابن بيئته أم أن الشاعر هو عنصر أساسى فى تشكيل البيئة المحيطة به، بما يفترض في شخصياته من سمات التمرد على المألوف وتحطيم القوالب التقليدية؟ * الحالتان ينتمي إليهما الشاعر هو ابن بيئته حتما لن يتكلم عن سكان الكواكب الأخرى، وفي الوقت نفسه هو عنصر أساسي في تشكيل البيئة المحيطة به وتغيير السيئ وليس كل مألوف سيء يجب أن نتمرد عليه، ولا كل تجديد مثمر يجب اللهاث خلفه، صحيح أن التمرد وخربشة السائد والمألوف هي من أبرز سمات المبدع لأن الإبداع لغة هو خلق على غير سابق، ولكن بعض هذا التمرد يكون استلابا للنفس وتغريبا للحضارة التي انتمي إليها، وتقليدا للآخر بدون وعي بما يتناسب مع البيئة والموروث واحتياجات هذه البيئة. - إلى أى حد تعرقل ظاهرة الشللية تطور الأدب العمانى والعربى عموما؟ * إلى حد التخلف الناتج حاليا والذي تعيشه الدول العربية وتخيم غمامته على المستقبل العربي ككل فلا صلاح يرجى من أمة لا تقدر مواهب مبدعيها، ولا يتسيد على المشهد الإبداعي الراهن سوى ضعيف الموهبة – بنجاح كبير فيما يبدو – بينما يُقصى الجيد الحقيقي من المبدعين حتى يصاب بالإحباط العام وتقتل موهبته، ومع هذا فصاحب الموهبة الحقيقية سيتقدم وسيبرز وإن طالت معاناته والأمثلة كثيرة ... نحن الأمة التي أصبحت حاليا ينطبق عليها الحديث النبوي القائل (لقد أضاع الله الأمم السابقة قبلكم لأنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد) وهذا بالضبط حالنا اليوم وهو ما تخلصت منه الأمم الأخرى فارتقت وتطورت.
- هل ترين أن للمؤسسات النسوية العربية الحديثة دور ما فى تفعيل الفكر الجديد بالتعاون مع الشعراء ؟ * الأدوار في التأثير الإبداعي فردية ، وذلك لأن الإبداع في حد ذاته ظاهرة فردية فلا المؤسسات النسوية الحديثة ولا المؤسسات الرسمية الذكورية في الوطن العربي لها الدور الرئيسي في تفعيل أي فكر ، خاصة وأن تلك المؤسسات تعاني ما يعانيه الوطن العربي عامة من شللية مقيته وأمراض متفشية ، لكن حتى لا نكون منكرين للحق تماما ومجافين لجهود بعض المخلصين لتطور هذه الأمة لاشك أن لهذه المؤسسات دور ما في تفعيل الإبداع من باب (مكره أخاك لا بطل) لكنني أؤكد أن فعالية كل مؤسسة لا تنبع منها كنظام ثقافي متكامل ، بل من الأشخاص الذين يقومون بترأسها لذلك ما نجده فاعل اليوم هو ميت غدا حسب من يدير المؤسسة. - الشاعرات العربيات أكثر من مبدعات، فلماذا ما يزال حظهن أقل فى الشهرة من الرجال .. وأيضا لماذا تطغى على رسائلهن قضايا محددة مثل تعرض المرأة العربية للظلم من الرجل وذلك على حساب قضايا أخرى أكثر حساسية وحيوية بالنسبة لواقعنا الراهن؟ * شكرا لشهادتك بجودة إبداع المرأة العربية ، التى أزعم أن حظها من الشهرة مازال أقل من الرجل، لأن السيطرة أولا رجالية ولأن النظام الثقافي ذكورى بشكل عام، فكم مؤسسة ثقافية تترأسها امرأة وكم مجلة ثقافية تديرها امرأة مقارنة بالرجل ؟؟؟ إن النسبة متدنية جدا وذلك ليس لقصور في المراة العربية، ولكن لأن السلطة عموما رجالية أو هى بالأحرى إفراز ذكوري ولن يتنازل الرجل عن حق مكتسب منحته إياه الأزمان والأعراف والسلطات المختلفة دينية ثقافية سياسية إجتماعية... إلخ. نعم .. المرأة مازالت تدور في حيز الشكوى من ظلم الرجل لأن الموروث المتراكم من التجاهل والتغافل والإقصاء والإتهام بالضعف والركاكة الواقع عليها كبير و كبير جدا، ولا نستطيع أن نقول لها اتركي كم تراكمي لعصور من الظلم واعزفي لحنا آخر للحرية، لنتركها تخرج كل معاناتها وتنفض كل التراكمات لتنطلق حرة جديدة خالية من الشوائب، لتشارك الرجل في عزف سيمفونية الإنسانية المشتركة. - فى رأيك إلى أى حد نجحت المهرجانات الشعرية العربية فى أداء دورها المنوط بها فى فتح مجالات أرحب أمام تطور الشعر العربى من خلال مزيد من الرؤى المشتركة بين الشعراء العرب؟ * ليسمح لى القائمون على تلك المهرجانات الثقافية العربية، بالقول أنه بالرغم من تنوعها الظاهر إلا أنها فى الحقيقة متشابهة الى حد كبير، سواء من حيث كثرة الضيوف المدعوين إليها، وهو أمر تفتخر به دائما إدارات هذه المهرجانات مع انه ليس في صالحها، بل ويعرف الجميع أن قوائم المدعوين هي نفسها تقريبا، وتتكرر آليا كل عام مع بعض التغييرات الطفيفة. وبذلك تتحول هذه المهرجانات، عاما بعد عام، الى ما يشبه المناسبات الاجتماعية التي تتيح فرصة لقاء الأحبة والمعارف، بدل من أن تؤدى دورها المنوطة به وهو أن تكون بمثابة ورشات عمل حقيقية هدفها إثراء الثقافة العربية.. فهذه المهرجانات، يمكن ان تتحول الى سوق عكاظ أدبي نتيجة لتجميعها عددا كبيرا من المثقفين العرب في ساحة واحدة تتيح لهم التعرف الثقافي بعضهم على بعض، وعلى ثقافة ومثقفي البلد المضيف. أنها بإمكانها أن تفعل ما لم تفعله السياسة، وتجمع ما فرقه السياسيون. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث للأسف، بالرغم من العمر الزمني الطويل لقسم من المهرجانات الكبيرة. لقد أصبح الغياب الواضح لمثقفي البلد المضيف سمة ملحوظة لهذه المهرجانات، مشاركة وحضورا، إما نتيجة لعدم دعوتهم أو استنكاف هؤلاء المثقفين الحضور. وهي أسباب معلنة يتحدث عنها الجميع، ويكتب عنها في الصحف المحلية، دون أن يكلف أصحاب الشأن أنفسهم بإعادة النظر بطريقة التنظيم انسجاما مع الهدف المرجو من أي مهرجان أو لقاء ثقافي. - دعينى آخذ بيدك مجددا إلى ساحة الشعر الأكثر هدوءا، لأسألك: كيف الوصول – من وجهة نظرك – إلى نقطة التوازن السحرية بين بنائية النص وبين الإيقاع فى القصيدة الشعرية؟ * سنصل لو اعترفنا بان الشعر إيقاع والنثر هو الخلو من الإيقاع وأينما كان ذلك الإيقاع خارجيا أم داخليا، فالمهم أن الشعر هو جزء من الموسيقى وخلوه منها يخرجه إلى نص إبداعي آخر، بعد ذلك لا مفر من الاعتراف - كما اعترف محمود درويش – أن الشعر المتوازن يتواصل (سحريا) مع بنائية النص وإيقاعه بحسب نصيب كل شاعر من الموهبة الإبداعية التي وهبه الله إياها وثقافته العامة التي سيشكلها بجهده هو واجتهاده. - ثارت مؤخرا فى مصر حرب ضروس بين مؤيدى تحطيم تابو الشعر التقليدى وبين رافضي هذا المبدأ ممن يؤمنون بأن الشعر الحر أو قصيدة النثر هى اللغة الأقرب لحاضرنا الأدبى فأين تقفين تجاه تلك القضية؟ * أقف مع الشعر الجيد وضد الشعر المزعوم مهما كان ثوبه زاهيا ومسماه رنانا، فالشعر الجيد لا يحتاج لتصنيفات، أما معايير الجودة فهى موجودة لدى الجواهري والبردوني وعرار وعلى محمود طه، من العموديين، ومع صلاح عبد الصبور وأمل دنقل ونازك والسياب ونزار والفيتوري ومع البياتي ودرويش وحمده خميس، من كتاب التفعيلة، ومع شعبان يوسف وعبد العزيز المقالح وسيف الرحبي وعبد الرزاق الربيعي وعدنان الصايغ ورنا جعفر، من كتاب قصيدة النثر، إلخ .. أنا مع النماذج الشعرية الجيدة.. ولكننى ضد الإدعاء فقط . - هل طغيان المعاصرة على التراث فى صالح الحفاظ على جذور الشعر والأدب العربيين أم فى غير صالحهما؟ * المعاصرة لابد لها من تراث تتماهى معه لكي تستمر وتتطور وتبدع وتجدد، والتراث هو كنز المعاصرة الذي لاينضب والذي يغترف منه الفنان المبدع في كل أنواع الفنون، فالتناص ظاهرة معاصرة وتوظيف التراث واستلهامه ظواهر معاصرة والانزياح يغرف من النبع ذاته ولن نعدد فقد كفانا "تى سى إليوت" و"إدجار آلن بو" و"رامبو" و"جان كوهين"، وغيرهم الحديث عن أهمية التراث في تطوير إبداع الكاتب. - ترين أن مستوى النقد الأدبى المعاصر يرتفع بالشعر العربى أم يهبط به ؟ * للأسف النقد العربي مريض، يعاني من آفات عديدة أقلها الشللية وقلة الثقافة والادعاء والنقل واتباع الغرب دون ابتداع ومراعاة خصوصية الاختلاف والفوضى المتشعبة في النقل وتوظيف المصطلحات، وأيضا التسرع والعجلة لتعبئة فراغ النقد، وهو نقد متخلف إذا ما قورن بتطور الإبداع العربي وعظمته وتنوعه وثرائه على امتداد الساحة العربية من المحيط للخليج العربي، ومن ثم فإن معظم النقد العربي يهبط بالإبداع أو لنكن أكثر دقة هو غير مؤثر إلا لدى قليلي الخبرة من المبدعين الذين يصدقون كل ما يكتب ويوقع عليه باسم الناقد. - التجديد فى الشعر هل لابد له أن يقف على أسس التجارب الغربية فى التجديد أم أن التجديد ممكن عبر خصوصية التجارب المنسوبة للأدباء العرب؟ * التجديد هو الانفتاح على ما لدى الغير، والغير هذا هو كثير جدا لا يستوقف لدي أوروبا وأمريكا، فالهند على سبيل المثال تعت ثقافة مختلفة، اليابان ثقافة، الهنود الحمر ثقافة، الفرس ثقافة، الصين، تركيا، استراليا، اليونان، إلخ .. لكن هذا الانفتاح لابد فيه من مراعاة الخصوصية، لأن بعد الهضم يكون الإفراز لما هو نتاج ثقافة إنسانية زاخرة ومتنوعة. * إضاءات: د.سعيدة بنت خاطر الفارسى وُلدت سعيدة بمدينة صور، وقد سبق لها الحصول على ليسانس اللغة العربية ودبلوم الشريعة كما نالت الماجستير في الشعر العماني في عصر النباهتة وشهادة الدكتوراه تحت عنوان الاغتراب في شعر المرأة الخليجية. - تولت "سعيدة" العديد من المناصب منها "رئيسة قسم اللغة العربية بدائرة المناهج، مسئولة النشاط الثقافي بجامعة السلطان قابوس، مسئولة النشاط الثقافي بكلية مسقط للعلوم والتكنولوجيا، إلى جانب مواقع عدة على الساحتين الثقافية والاجتماعية بعمان، منها: * رئيسة تحرير مجلة العمانية. * مفوضة علاقات دولية بجمعية المرشدات العمانية. * عضوة في رابطة الأدب الحديث بالقاهرة. * عضوة في منظمة الكتاب الأسيويين والأفريقيين. * عضوة في رابطة الأدب الإسلامى. * عضوة في جماعة قراءة للإبداع والنقد التطبيقي بالقاهرة * عضوة في لجنة تقييم نصوص الأغاني والمسرحيات. * عضوة في لجنة تقييم الفنون الشعبية. * رئيسة أسرة الكاتبات العمانيات.