نشأت العلمانية في أوروبا في زمان ومكان يختلف تماما عن مصر وبالتالي لابد من ترجمتها إلى المصرية حتى تصير جزءا من النسيج الوطني الحالي. وذلك يستلزم معرفة جوهر هذه العلمانية والأسباب التي استدعت وجودها فإذا قلنا أن جوهرها هو فصل المقدس عن السياسي وأن أسباب استدعائها هي مرجعيه اتخاذ القرار للفرد والدولة. وكان انتصار البرجوازية الأوروبية على الكنيسة الكاثولوكيه هو الحل والمخرج لكلا الإشكاليتين؛ الجوهر والمرجعية. في حالتنا لم تلعب الكنيسة الأرثوذكسية أو الجامع الأزهر نفس الدور فالمؤسستين المسيحية والإسلامية جزء من الدولة ودائما هما في يد الحاكم يبتز بهما الجماهير ذات التدين العريق وبالتالي فحاجتنا إلى صيغه مصريه للعلمانية بات ضروريا . بادئ ذي بدء لابد من فك الاشتباك بين علمانية الفرد وعلمانية الدولة. فعلمانية الفرد ذات بعد معرفي وإيماني يكتسبها الفرد على مدى حياته ويتحمل وحده تبعات اتخاذ القرار لنفسه ومن هنا فهي لا تخص إلا صاحبها ولا دخل للعمل السياسي والحزبي بها. ولأن الدولة لا تتكون من أفراد ولكنها تتكون من علاقات بين الأفراد وإدارة هذه العلاقات تخص الجميع وتؤثر سلبا وإيجابا على الجميع ومن هنا فهي مسئولية الجميع. وعند هذه النقطة نحن أمام إشكاليه كبرى وهى مرجعية اتخاذ القرار ذو التأثير الحيوي على الجميع ففي كل مجتمع هناك حزمه من المرجعيات بعضها أكثر تأثيرا من الأخرى ومن ثم يمكنها تبادل هذا التأثير من وقت لآخر. مثلا في الستينات كانت القومية العربية الناصرية هي المرجعية الأعلى وعلى مقاسها تتخذ كل القرارات بعد موافقة صوريه من الشعب. ورغم ذلك وفى 65 قمة الناصرية وظهور مجلة الطليعة كان هناك ما يبشر بمرجعيه إسلاميه هو كتاب معالم في الطريق لسيد قطب وتمت المحاكمات الشهيرة تعبيرا عن صدام المرجعيات صدام المقدس القومي القومية العربية مع المقدس الديني "الإسلام السياسي " وكل منهما يؤكد حقه أن يكون هو المرجعية السياسية. يظل المقدس مقيما في باب الثقافة لحين الطلب عليه ليكون المرجعية للدولة فينتقل إلى باب السياسة. صراع المقدسات الثقافية لا يمكن حسمها ولا مبرر لذلك. فالمقدسات المختلفة إثراء للبشرية غير أن المرجعيات ذات الأصل المقدس هي الخراب والتجلي العظيم لهذا هو شعار الإسلام دين ودوله ولأن للمرجعيات المقدسة لا تعترف بالشريك فهي مسكونة تاريخيا بالعنف عنف الإقصاء والاستبعاد لغيرها. لذلك أرى أن خلاص مصر الحيلولة دون أن يصير المقدس الديني أو الأيدولوجى هو مرجعيه اتخاذ القرار للدولة دون المساس بحق الفرد أن يكون المقدس مرجعيه شخصيه له وهذا هو الفرق الأساسي بين علمانية الدولة وعلمانية الفرد . على طريق الدولة المدنية سوف نسير لنطرح ما نراه للخروج من المأزق رغم أن الإخوان ومن معهم قد زرعوه بالألغام وآية ذلك قول الإخوان المتكرر بوجوب أن يكون للبرلمان سقف فقهي وأن يكون هناك لجنه من علماء الأزهر لمراقبة تشريعات البرلمان قبولا ورفضا. الإخوان ومن معهم يعانون من التباس واضح في مفهوم الدولة المدنية رغم أن الدولة المدنية واحده من أهم إنجازات الشعب المصري في المائتى سنه الأخيرة.الدولة المدنية هي دولة المواطنة وفيها للمسلم وللقبطي وللمرأة كل الحقوق والواجبات حتى الوصول إلى كرسي الرئاسة دون أدنى تمييز ودور العبادة تعامل على قدم المساواة دون أدنى تمييز. الدولة المدنية تحتضن كافة المرجعيات دون تمييز. فمن حق أي حزب أن تكون له مرجعيته الإسلامية أو المسيحية أو الإشتراكيه أو الليبرالية؛ ولأن الدولة المدنية دوله تعاقديه ومناط التعاقد بين الأحزاب والناخبين هو برنامج الحزب المستمد من المرجعية وليست المرجعية بذاتها وبالتالي يجب أن يكون هذا البرنامج له طابع مدني لأنه موجه إلى مواطنين مختلفي الديانة والمرجعية. وبالتالي لابد أن يكون خاليا تماما من المفردات الدينية فلا تقول فيه قال الله أو قال الرسول أو قال مرقص الرسول. لكن برنامج بشرى قابل للنقد والتجريح أو الموافقة . إذا عدنا إلى الفرضية الأولى وهى أن جوهر العلمانية هي فصل المقدس عن السياسي وسألنا ما هي الآليات لتحقيق ذلك في حالتنا المصرية ومع وجود لتيار الإسلام السياسي لا يمكن إهماله وإذا استبعدنا الوسائل الثقافية مثل رفع الوعي الجماهيري فإن المخرج هو التصويت على كل ما تطرحه الأحزاب من برامج في إطار الدولة المدنية بمعنى أن يكون التصويت نزيه ومتكرر ودوري أي لا نصوت مره واحده والى الأبد وأن نقبل جميعا كل ما يوافق الشعب عليه فلا شرعيه خارج شرعية التصويت وبالتالي فإن الديمقراطية هي التي تأتى بالعلمانية وليس العكس وأن العلمانية هي التصويت على الأفكار.