الصخور تتساقط فوق رؤوس السكان والحي يشترط نسبة ضحايا 30% لتسليم الشقق سيارات مجهولة تأتي لتفريغ المياه في الجبل و"الجركن" بخمسين قرشا
في مصر 20 مليون مواطن يقطنون في 1221 منطقة عشوائية، ويرفع إحصاء البنك الدولي نسبتهم إلى 43% من سكان مصر، وهذا يجعلنا نذكر الدويقة، نذكر حادثا أليما عاش معنا طوال شهر رمضان قبل الماضي، تحركت الأجهزة المعنية لا لتسعف المضارين بل ليلقي كل مسئول التبعة على الآخر، وانفض السامر وعادت آلام الدويقة كما كانت، فما بين الجنة والنار كما يقولون شعرة، وما بين مساكن الدويقة ومشروعا للإسكان الفاخر سور صخري صنعته أيد بشرية. المكان في منطقة الدويقة، في عزبة الشهبة، لا يفاجأ أحد، ونحن في القرن الحادي والعشرين، عندما يعلم أن هناك أسرة تتكون من خمسة أفراد يعيشون في غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها الثلاثة أمتار، ولا تحتوي إلا على سرير واحد، فيها كل مستلزمات الحياة الأسرية، ولا يفصلها عن السماء سوى غطاء من المشمع البلاستيكي، لا يدفع خطرًا، ولا يحمي من برد, أما الخطر الذي يهدد السقف فهو صخور الجبال التي تتساقط عليه بحكم موقع الحجرة، التي تقع أسفل سفح الجبل بمنطقة الشهبة بالدويقة، والحديث عن حجرة، يحكي مأسأة عزبة بأكملها، والحديث عن عائلة لا يعني إلا عائلات، تقبع تحت خطر يهدد حياتهم. جريمة إنسانية بكل المقاييس، ذهبت "مصر الجديدة" لترصدها، وتعيش أنات هذه الأسر، فأسرة سمير التي تتكون من أربعة أخوة ووالدتهم. سمير الابن الأكبر ذو ال17 عامًا، تحمل عبء الأسرة بعد أن توفى عنه والده، قال: نحن نرى الموت بأعيننا في اليوم ألف مرة وأقرب حادثة كانت سقوط صخرة على قدم والدتي مما أدى إلى كسرها وذهبت بها إلى المستشفى، وبعد ذلك توجهنا إلى قسم الشرطة وحررت محضرًا رقم (111) إداري, وعندما استغثنا بمأمور المركز وطلبنا منه أن يأتي معنا ليرى منظر الصخور التي تتساقط على رءوسنا، ضحك وقال: " دي مناظر طبيعية" ويضيف سمير: لم أفقد الأمل وتوجهت إلى رئيس الحي فطلب مني إثباتات بان إخوتي في المدارس فذهبت وجئت بالإثباتات لاثنين من إخوتي في المدارس وهما: إسلام وهند السيد محمد مصطفى، مدرسة طارق بن زياد، وتوجهنا إلى رئيس الحي فقال لنا : نريد ضحايا بنسبة 30%، فماذا أفعل؟ هل اقتل اثنين من أخوتي لكي استلم شقة؟ وتضيف أم سمير 40 سنة "نروح فين؟ كل اللي حيلتنا أوضة ناكل فيها ونشرب فيها ونغسل فيها، ، لا أنا عارفه اشتغل ولا لاقية حد يرأف بحالنا. عند خروجنا من حجرة سمير خرجت علينا من الحجرة المقابلة جارته "ناصرة عواد" وكانت تربط رأسها بقطعة قماش وعليها آثار دماء وعندما سألتها عن سبب ربطها لرأسها تبين أن سبب ذلك سقوط صخرة عليها مما أدى إلى شجه وتم تخييط الجرح بأكثر من ثماني غرز. وتحكي السيدة ناصرة قائلة: عندما سقطت الصخرة على رأسي سارع جيراني واتصلوا بالنجدة، وتضيف: نحن نريد من يهتم بأمرنا " إحنا غلابة والغلبان بيتشال بالقوى الجبرية ويترمي في الشارع، وأنا مرعوبة لان ده لما يحصل معانا نروح فين؟"
ولم تكتف السيدة بعرض مشكلتها فقط ولكنها استدعت جارة أخرى لها تعيش مأساة أخرى واسمها هالة النوبي محمد علي وتحمل معها صورة محضر يحمل رقم 4271 إداري م.ناصر بتاريخ6/10/2008 ويفيد بوجود تشققات وشروخ داخل حجرتها. وقالت السيدة: إنه بعد تحرير المحضر طلبوا مني إخلاء الحجرة؛ لأن وجودي بها يشكل خطرًا، وانتظرت لكي يسلموني مسكنا آخر، ولكن طال الانتظار دون جدوى، فعدت إلى حجرتي وقلت: العمر واحد والرب واحد، لأني لا أعلم إلى أين اذهب؟ وبعدما انتهت من قولها أشارت لأخرى وتدعى شيماء نادي، وعند سؤالي لها عن شكواها قالت: عدت من عملي فلم أجد شيئا في الحجرة استولى البلطجية على كل مافيها، وفجرت مفاجأة تتمثل في أن الكهرباء التي تضيء هذه المنطقة تأتي عن طريق كابلات مسروقة، من قبل مسجلي الخطر بالمنطقة، حيث يفرضون عليهم إتاوات مقابل إضاءة حجراتهم، وتصل الاتاواة إلى عشرين جنيها أسبوعيا مقابل لمبة واحدة،ومن يتأخر عن الدفع يكون جزاؤه جزاء شيماء. أيضا شيماء لم تكتف بذلك بل أعطت لي شهادة وفاة باسم: إسلام محمد عوف، وهو أحد أطفالها الذي توفى وعمره ثلاثة أشهر، وتبين الشهادة أن سبب الوفاة التهاب رئوي حاد، وأضافت شيماء أن سبب الالتهاب الرئوي هو البرد الشديد الذي يعانون منه. وتحمل أيضًا صورة لحجرتها المتهدمة منذ عام 2003، وهي مضطرة أن تبقى فيها، وحجرتها لا تزيد عن اثنين متر ونصف في اثنين ونصف، معروشة بقطع من الخشب، متهدمة الواجهة، تحتضنها الصخور، وما يفصلها عن العالم الخارجي هو العراء، تمكث فيها إلى الآن لتشهد الموت في كل لحظة. ليس ما سجلنا هو الحال فقط، بل هناك خطر يعشش في هذه المنطقة أيضا وهو المياه الملوثة التي تأتي إلى المنطقة في سيارات مجهولة المصدر، لتفرغ هذه المياه في الجبل، والعاملون عليها يستغلون حاجة السكان إليها فيبيعون لهم جركن المياه بخمسين قرشا. وتضيف السيدة ناصرة أنها تشتري يوميا مياه بأربعة جنيهات، ولا تعلم مصدر هذه المياه ولا من أين تأتي، ولكننا مضطرون. هذا فضلا عن عدد كبير جاء يحمل أشعة وتحاليل وتقارير طبية تضيق عما فيها من الأمراض وربما تكون أبرزهم الحاجة " عطيات علي عبد الله" التي تجاوزت الستين والتي تبين تحاليلها أنها تعاني من جملة من الأمراض. وتقول أنا أعاني من أمراض كثيرة وتنتابني نوبات إغماء فأفقد الوعي ولكنهم يريدونني جثة هامدة ليسلموني شقة, والجو هنا كما ترى غير صحي بالمرة, وكل شيء ملوث حتى المياه. ومن المفارقات العجيبة والتي تثير حفيظة النفس وجود أرض فضاء تعلوهم مباشرة، ويفصلها عنهم حاجز صخري، هذه الأرض يعدونها ليقيموا عليها مشروعا سياحيا: فلل وقصور، وهي تابعة لشركة يملكها رجل إماراتي، وإذا أراد أحدهم أن يصعد إلى هناك ليشاهد هذا العالم الآخر ، يطلق عليه رجال الأمن الذين يحرسون المكان صافراتهم, ويلوحون له بالرجوع, فلا يسمح لأمثالهم حتى بالمشاهدة من بعيد.