محمد البعلي يمثل اجتياح مجموعة من شباب حركة "صوت الحرية" لمنصة الاتحاد المصري للنقابات المستقلة بميدان التحرير وإجبار الاتحاد على الغاء باقي برنامجه للاحتفالية الفنية الخاصة بعيد العمال جرس إنذار يجب التنبه له من كل اليسار والمناضلين النقابيين، فما رأيته في ميدان التحرير هو بذور لحركة فاشية تستهدف اليسار والنقابات العمالية بخطاب ديماجوجي شعبوي غير محدد الملامح، وهي وإن كانت مازالت بلا وجه ولا قيادة كارزمية إلا ان خطرها بدأ يظهر حتى قبل ظهور زعيمها الملهم. تبدو هذه الحركة كنموذج ميكرسكوبي للفاشية الايطالية -ولكنها مازالت في حالة جنينية للغاية- فهي حركة مدنية (بمعنى انها ليست عسكرية وليست دينية) مكونة أساسا من شباب من الطبقات الشعبية (يمكن اعتبارهم من البروليتاريا الرثة) تحت قيادة افراد من الطبقة الوسطى، ولكن ليس من مثقفي ولا من مناضلي الطبقة الوسطى، وليسوا أيضا من المتدنيين، فبينهم فتاة ذات شعر مسترسل وشاب ذو شعر طويل على طريقة الفنانين، بل من الأفراد ذوي الصوت العالي والخطاب المتلون، الغاضبون تجاه الدولة والمنظمات التقليدية مثل الاخوان والاحزاب وكذلك المنظمات الجديدة مثل ائتلاف شباب الثورة، وايضا تجاه اليسار، الذي هاجموه "بدنيا" مرتين في التحرير امس، تارة لانه لا يرفع اعلام مصر (هذه كانت حجة مهاجمتهم لمؤتمر حزب العمال الديموقراطي) وتارة لانه لا يحترم دماء الشهداء (هذه كانت حجة مهاجمة منصة اتحاد النقابات المستقلة)، وهم عنيفون ومنظمون -يقتربون من كونهم ميليشا- ولكنهم جبناء ايضا مثل كل الفاشيين، فقد تراجعوا في اكثر من لحظة تحت التهديد بالعنف البدني. عندما حاولت هذه المجموعة في الظهيرة مهاجمة تجمع حزب العمال تصديت لهم مع عدد من نشطاء الحزب ونشطاء اليسار ونجحنا في ابعادهم، ولكنهم عادو وجمعوا انفسهم، حيث تعاملت معهم قيادة الحزب على انهم مجموعة من الشباب الثائر الوطني وحاولت استيعابهم ودعتهم لمنصتها!! وكان ذلك بمثابة دعما لثقتهم بانفسهم، ظلوا بعده لفترة يعملون كشوكة في جنب المؤتمر حتى انتهى، وبعده حشدوا عددا اكبر منهم، ليعودوا مساءا بعدد غفير ويجتاحوا منصة اتحاد النقابات المستقلة، والذي اتساءل اين لجنة النظام الخاصة به! التي رأينا العشرات يرتدون ال"تي شيرتات" الخاصة بها ويتواجدون بالميدان منذ الظهيرة. رغم ان الحركة العمالية المصرية في صعود حاليا، والفاشية تاريخيا تظهر عندما تبدأ هذه الحركة في التراجع بعد الثورات الفاشلة، إلا أننا يجب ألا نغفل ألعاب التاريخ ومساخره، التي قد ينتج عنها فاشية ناشئة في مصر تصعد مع صعود النزاع الاجتماعي في أعقاب ثورة 25 يناير، هذه الفاشية -التي رأيت بذورها في التحرير- ستكون أقرب للنموذج الايطالي -لم لا ومصر تشبه ايطاليا كثيرا في نموذج التطور القائم على معادلة الشمال الغني والجنوب الفقير واحتفاظ المؤسسات الدينية بقوتها رغم التحديث الراسمالي- في اعتمادها على مخزون الغضب لدى البروليتاريا الرثة لتجمعه وتنظمه وتوجهه تجاه اليسار وقيادات الطبقة العاملة وذلك من خلال خطاب علماني وطني لايستهدف الأقليات -في البداية على الأقل- ولا النساء، وهو ما قد يتطور ليصبح موجها ضد الاحتجاجات الاجتماعية ذاتها إذا مع نجح زعيم ما في جمع هذه الغضب مع "أنصار الاستقرار بأي ثمن"، فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية ظهرت ميول فاشية خطيرة لدى "أنصار الاستقرار" هؤلاء، حيث ظهر في العديد من المواقف مدنيون (لا نتحدث هنا عن البلطجية المدفوعون بالمال) مستعدون لاستخدام العنف البدني ضد الثوار بلا هدف سوى حماية الاستقرار، فمثلا قامت مجموعات من سكان الدقي بحماية مقر أمن الدولة بشارع جابر بن حيان من الاقتحام وشرعت في الاعتداء على اكثر من مجموعة ممن حالوا اقتحامه خلال تلك الايام التي اقتحمت فيها معظم المقرات، كما شهد اعتصام موظفي محافظة حلوان امام رئاسة مجلس الوزراء محاولة من احد السائقين لدهس المعتصمين عندما حاولوا قطع شارع القصر العيني وتكرر الاعتداء البدني من سائق لسيارة خاصة على متظاهرين من مؤسسة روزاليوسف حاولوا قطع شارع القصر العيني. إن هذه المجموعة وهذا التوجه في المجتمع الذي اسميه "فاشيا" مازال جنينيا في الواقع وبدون وجه واضح ممثل في زعيم أو خطاب أو حتى حركة شهيرة، ولكن خطره يتصاعد كما تشير أحداث التحرير بالأمس، وأرى أن التعامل الوحيد الصالح معه هو سحقه بالعنف البدني المباشر. وأنا ادعو قوى اليسار والنشطاء النقابيين للتباحث حول تأسيس حرس عمالي شبابي للفعاليات اللاحقة، من كل الحركات وذلك عير عمل جبهوي واسع، مع الدعوة إلى فعالية قريبة في التحرير، لتحدى هذا الميل الفاشي وهزيمته لتحطيم ثقته بنفسه التي أخشى أن تزيد وتقوده إلى خطوات من قبيل مهاجمة مقرات الاحزاب اليسارية أو المنظمات النقابية.