إنه معارض سوري عرفناه منذ أن عرفنا قضية المدونة الشابة طل الملوحي التي اعتقلتها السلطات السورية لدي عودتها لبلدها ، وتم اتهامها بالعمالة لصالح دولة أجنبية بسبب ما نشرته علي مدونتها الخاصة ، كان يجمع السوريين للتظاهر ضد النظام السوري الذي قال إنه يقمع الآراء ويحارب الفكر والإبداع .. وضعته السلطات السورية تحت المجهر حتى بدأت المظاهرات في سوريا ضد نظام الأسد الذي تولي شئون البلاد خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد ، فجاءته تهديدات بالقتل هو وأسرته التي تعيش في سوريا . التقينا به اليوم لنتعرف منه عن قرب بما يجري في سوريا لأنه واحد من المقربين بالثوار ويعتبره النظام السوري وائل غنيم السوري ، وذلك لما له من قدره علي حشد الشباب السوري في المظاهرات التي يتم تنظيمها أمام السفارة السورية بالقاهرة .. لكنه يري في نفسه مجرد فرد من أفراد الثورة السورية ، وأن دوره لا يتعدي دور أي سوري يتظاهر في الشوارع والميادين ..
- بداية كيف تري الأوضاع في سوريا ؟ ولماذا تأخرت الثورة عن بقية الدول العربية التي تشابهها في أنظمة الحكم ؟ = إن ما يجري في سوريا هذه الأيام هو بداية ثورة طال انتظارها لأكثر من أربعون عاما ذاق فيها الشعب السوري الويلات من البطش والنفي والتشريد ، وليس غريبا علي الشعب السوري أن يثور كما ثار أشقاءه العرب لاستعادة كرامته المفقودة في غياهب الاستبداد الذي مارسه النظام السوري ضدهم لسنوات طويلة . أما موضوع تأخر الثورة في سوريا فقد سئلت هذا السؤال كثيرا وأري أن الثورة السورية لم تتأخر وأن الربيع السوري جزء من الربيع العربي الذي بدء في تونس ثم مصر ضد الأنظمة البوليسية القمعية ، التي لا تعترف بحقوق شعوبها في العيش بحرية وكرامة وتمنعهم من إبداء حرية الرأي والتعبير ، وهو ما تعترف به جميع دول العالم ، في حين يرفضه الحكام العرب الذين يدين أغلبهم بالإسلام الذي يكفل جميع الحريات والحقوق للمواطنين ، لذا فإن لحاق الشعب السوري بركب الثورة جاء في وقته بعد انتهاء حالة خوف الشعوب من الرصاص والنار ، لذا فلا مجال للحديث عن أي تأخير. - لكن البعض يقول أن الشعب السوري كان أولي بالثورة من غيره في ظل توريث الحكم الذي شهدته البلاد بعد رحيل الأسد الأب ؟ = بالفعل هذا ما يقوله كثيرون من أن تأخر الثورة في سوريا ناجم عن صمت الشعب عن مسرحية التوريث التي حدثت في عام 2000 م عندما تولي الحكم بشار الأسد خلفا لوالده الراحل حافظ الأسد ، لكنني أري أن الشعب السوري لم يثور لأنه كان مصادر الإرادة ، وكان النظام يهدد كل من يفكر في اتخاذ موقف معارض له بالقتل ، كما أنه لم يكن يسمح لأي حراك سياسي معارض ، بالإضافة إلي أن الوضع العربي كان متواطئا مع النظام السوري . - ماذا تقصد بتواطؤ العرب مع النظام السوري ؟ = نعم كان هناك تواطؤا من الحكام العرب خاصة أولئك الحكام الذين كانوا يعدون أبناءهم للتوريث ما أدي للشعب الثوري لان يكون ضحية لأسوأ حقبة في التاريخ ، ألا وهي الحقبة التي بدأت بتوريث السلطة والثروة ، حيث كان الحكام العرب يعاونون النظام السوري علي قمع المعارضين ، كما كانوا يضللون الرأي العام العربي بوسائل الإعلام الموجهة التي أقنعت العالم العربي والشعب السوري بأن هناك ترحيب عام بحكم بشار الأسد . - وهل كان السوريون مطمئنون لنظام حكم الأسد الأب فارتضوا بتوريث الحكم لبشار ؟ = الشعب السوري لم يكن مطمئناً لنظام حكم حافظ الأسد حيث إنه لم يكن يتيح الحريات فكان نظاماًُ ديكتاتوريا ، لكن كان هناك بعض الرضا عن الأسد الأب لأنه حارب من أجل كرامة السوريين وقاتل لاستعادة الأرض والدفاع عن العرض ، كما أن سياسة النظام السوري لم تتغير لا في عهد حافظ الأسد ولا في عهد الوريث بشار ، فالقمع لم يقل في اعتقال الشعب السوري من مختلف الأطياف والانتماءات السياسية والأجهزة الأمنية التي تزداد تغولا وتوحشاً في ممارساتها الفاشية ضد نشطاء الرأي وحقوق الإنسان. - وما هو سبب العداء بينك وبين النظام السوري ؟ وما هي حكاية تهديدك بالقتل ؟ = النظام السوري يتخذ موقفا معادياً من كل معارضيه ويحسبون كل المعارضين علي جماعة الإخوان المسلمين وهم الذين يمثلون اليمين أو الشيوعيين وهم من يمثلون اليسار ، لكنني كناشط سياسي لا احسب نفسي إلا للشعب السوري بمختلف مكوناته ، ولست محسوباً علي تنظيم سوري وإنما انطلق في معارضتي للنظام السوري من إحساسي بحجم الظلم الممارس علي أبناء الشعب واري نفسي مستقلا عن التيارات السياسية ، كما أن النظام السوري يصف كل المعارضين له بالعملاء والخونة ، وبالتالي ليس غريبا ان يتهمني النظام السوري باتهامات باطلة ، لكن أكثر ما يخشاه نظام بشار الأسد هو تحرك الشباب ، لأن الشباب أكثر حماسا من أي تيارات وهذا ما يفسر قلق النظام وخوفه من النشاط الشبابي . - ما رأيك في التطورات المتلاحقة في سوريا وكيف تري الأيام القادمة ؟ = النظام السوري كان دائما يستعمل القمع في مواجهة ما يحدث من معارضة أو اعتراض علي ما يفعله في سوريا ، لكنه يحاول الآن الاستفادة من الدرس من الثورتان المصرية والتونسية ويسعي للزج بالجيش في مواجهة الشعب .. يسعي لتكرار تجربة ليبيا من مصادمات بين الجيش والشعب وهو ما لا يمكن أنم يقبله جيش سوريا الوطني ، وهو ما سيؤدي إلي تململ أفراد وقيادات الجيش وقد نشهد قريبا انشقاق في صفوف الجيش السوري ، وذلك لان الجيش السوري من أبناء الوطن وتاريخه يشهد علي ذلك ، وهو بخلاف ما يجري في ليبيا حيث إن الجيش الذي يقاتل الشعب الليبي ليس جيشا ليبيا فهو مجموعات من المرتزقة ولا يعنيها قتل شعب ليس شعبها . - وهل تري أن الأسد يمكنه إنهاء الثورة بالتأثير في الشعب ولم شمل الجميع ؟ = في الواقع يظن النظام السوري انه يستطع خداع وتزييف عقول السوريين من خلال التلويح بورقة الإصلاحات التي تأخرت كثيرا نتيجة لتهربه الدائم منها ، لكن هذه المحاولة ستبوء بالفشل لأن دم الشهداء روي ارض الوطن ، ولن يتراجع الشعب السوري عن تحقيق حريته واستكمال ثورته السلمية حتى رحيل النظام السوري وإعادة تشكيل القيادة السورية ، فالأسد الصغير لن يصلح شيئا فلو أراد الإصلاح لفعل ذلك منذ عشرات السنين . - ولكن ألا تري أملا في محاولات مد جسور الثقة بين الأسد والشعب السوري بمزيد من الإصلاحات ؟ = لا مجال لإعادة وصل جسور الثقة ما بين النظام والشعب لأن هناك هوة كبيرة بينهم ولانعدام الثقة بين الشعب والقيادة الحاكمة ، وذلك نتيجة لسياساته القمعية التي باعدت بينه وبين الشعب أشواطا بعيدة ، حيث إن بشار يظن انه قريب من الشعب ، وان الشعب يحبه لكن هذه دعاية سوداء لا تنطلي علي احد ، ولا يوجد هناك من يقبل تصديقها إلا من هم علي شاكلته. - ألا تري أن الوضع شائك في سوريا خاصة مع وجود احتلال إسرائيلي للأراضي السورية وهو ما يمكن اعتباره بأن سوريا في حالة حرب وتحتاج للاستقرار الداخلي ؟ = يدعي النظام السوري انه في حالة مواجهة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لكن هذه المواجهة لم ولن تأتي منذ انتهاء حرب أكتوبر بل منذ احتلال الجولان عام 67 ، فالنظام دائما يحاول أن يهرب إلي الأمام اثر كل مأزق يواجهه من خلال القول بأنه دولة مواجهة مع إسرائيل ، وذلك بخلاف الحقيقة فإذا كان النظام السوري فعلا في حالة مواجهة فلماذا لا يرد علي الانتهاكات الإسرائيلية التي يتعرض لها الجانب السوري علما ان القانون الدولي يجيز له حق الرد المباشر علي أي هجوم يتعرض له . وأحب أن أؤكد أنه لا خوف علي سوريا من العدو الصهيوني سواء في وجود بشار الأسد أو في غيابه ، لكن الخوف كل الخوف من حماقة النظام السوري التي نري أنها لا تقل عن حماقة نظام القذافي الذي يقتل شعبه . - هناك من يقول أن إيران تدعم النظام السوري ضد المتظاهرين .. كيف تري العلاقة الإيرانية السورية في ضوء الثورة ؟ = لإيران علاقات وطيدة مع النظام السوري وهي تخشي علي سقوط النظام السوري خشيتها علي أمنها الداخلي ، فالنظام الإيراني لا يختلف كثيرا عن نظام الحكم السوري فهو نظام ثيوقراطي فاشي كالنظام السوري ، وهو الأمر الذي جمع النظامين علي ارض واحدة ، لكن إيران مهما حاولت لن تستطيع ان تقف في وجه خيارات الشعب السوري في الحرية والعدالة والتغيير . أما عن الدعم الإيراني للنظام السوري فهناك الكثير من التقارير الأمنية والإعلامية التي تحدثت عن هذا الدعم من خلال التشويش علي القنوات الفضائية التي تنتهج خطا مغايرا لخط النظام السوري ، بالإضافة للتقنيات العالية في مراقبة وسائل الاتصال كالانترنت ، وقد ذكرت وول ستريت جورنال أن النظام الإيراني يدعم نظام بشار الأسد بمده بالكثير من المعدات التقنية الحديثة ، لكن بالرغم من هذا فإن الجمهورية الإسلامية إيران ليست وصيا علي الشعب السوري وليس لها أن تحدد اختيارات الشعب في الحرية والديمقراطية . - وكيف تري الموقف العربي من المظاهرات والاحتجاجات السورية ؟ وهل هناك محاولات للتدخل العربي ؟ = الأنظمة العربية في حالة تخبط من حراك سياسي يرتقي لثورات عارمة في بعض البلاد والبعض الآخر ينتظر دوره فيها ، لذا فهي تقف إلي الحياد لأنه ليس من المفيد لها ان تتدخل في خيارات الشعب الآخر لكي لا يتدخل الآخرين في شئونها .. لكن موقف الأنظمة العربية كان مقبولا لحد ما ولن يعيق حراك أي ثورة ، لأنه لا تستطيع وقف الزحف الشعبي أيا كانت القوات التي تواجهه ، وقد أثبتت الثورتان المصرية والسورية أن القوة الشعبية الكاسحة لا يمكن مواجهتها بالآلات والمدرعات والرصاص . - إلي أين تتجه سوريا بثورتها التي تزداد يوما بعد يوم ؟ = سوريا تتجه الآن إلي غد مشرق ومستقبل باهر لأجيالها الذين لم يعرفوا إلا حكم الفرد الواحد والحزب الواحد ، وهذا الغد المشرق لن يكون قائما في سوريا وحدها بل في الكثير من البلدان العربية التي هبت ضد أنظمتها المستبدة ، وأتوقع ان يكون حال الدول العربية أفضل بكثير من الحقبة السابقة التي انتكست فيها الدول العربية ، وخرجت عن مسار التاريخ وأصبحت دولا ثانوية علي الهامش فسوريا لم تعرف في تاريخها الحديث نظام أسوأ من نظام الأب والابن الذين أعاداها سنوات طويلة إلي الوراء ، وسلبا منها حريتها وكرامتها التي عرفت علي مدي التاريخ ، لهذا أسمينا ثورتنا بثورة الكرامة. - كيف تري الثورة المصرية ؟ وماذا عن وقع خبر محاكمة الرئيس المصري السابق لدي السوريين ؟ = السوريون مثلهم مثال أشقاءهم المصريون عانوا من الفساد والاستبداد والمحسوبية ما عانته الكثير من الشعوب العربية ، وكانت سعادة السوريين كبيرة بنجاح الثورة المصرية ، كما أنه عندما يتنامي إلي أسماع السوريين نبأ اعتقال الرئيس السابق حسني مبارك فهذا النبأ يثلج قلوب وصدور الكثيرين منهم ، لأنهم يشعرون بذات القدر من الظلم والفساد الذي نخر جسد الدولة السورية ، فهذا النبأ يزيد من تفاؤل السوريين بأنه لا يوجد حاكم يمكن ان يهرب من قبضة العدالة ويجعلهم أكثر إصرارا علي مواصلة الثورة حتى خلع الرئيس بشار والاستلهام من التجربة المصرية في ملاحقة الفاسدين ، ومحاكمتهم بما يستحقونه وفق منطق العدل والقانون . - وهل تري أن العلاقات المصرية – السورية ستعود أفضل مما كانت عليه في عهد الرئيس المصري السابق ؟ = لن تكون هناك علاقات سليمة بين النظام السوري ومصر ما بعد الثورة حتى يرحل بشار لأن التاريخ أثبت أن مسار العلاقات المصرية السورية يتأثر بشكل و طبيعة النظام السياسي القائم ، فليس من المعقول أن مصر التي ثارت وانتفضت وصنعت حريتها أن تمد يدها لنظام مستبد ديكتاتوري كالنظام السوري ، أما العلاقات علي المستوي الشعبي فهي قائمة وباقية منذ الأزل ولا تتأثر بالخلافات السياسية وهذا ما يجعلنا أكثر اطمئنانا علي هذه العلاقات ، دون النظر إلي نظام الحكم القائم في البلدين . - في النهاية .. هل أنت متفائل بالقادم ؟ = بالطبع متفائل .. خاصة أننا في زمن لا يصح فيه التشاؤم لأننا في ربيع الحرية ، وقد هبت نسائم الديمقراطية التي انتظرتها الشعوب العربية طويلا منذ أن غرقت في الاحتلال بشقية الخارجي والداخلي .