أعاد المركز القومي للترجمة مؤخرًا، طبع الترجمة العربية لكتاب " ملاحظات حول تعريف الثقافة" ، والكتاب من تأليف ت إس إليوت وترجمة الناقد الراحل الكبير الدكتور شكري عياد وذلك ضمن سلسلة ميراث الترجمة. و إليوت هو شاعر ومسرحي وناقد أدبي حائزٌ على جائزة نوبل في الأدب في 1948. وُلد في 26 سبتمبر 1888 بالولايات المتحدةالأمريكية ثم أنتقل الى أنجلترا ليقيم هناك وتوفي 4 يناير 1965. ومن مؤلفاته قصائد: أغنية حب جي ، ألفرد بروفروك ، الأرض اليباب ، الرجال الجوف ، أربعاء الرماد ، والرباعيات الأربع. ومن أشهر مسرحياته ( جريمة في الكاتدرائية ، حفلة كوكتيل) ، وعلى الجانب النقدى كتب مقالة "التقليد والموهبة الفردية" . وفي كتاب "ملاحظات حول تعريف الثقافة " يطرح "ت إس إليوت" تساؤلًا مبدئيًا :" هل هناك شروط ثابتة لقيام ثقافة راقية ، وإذا تخلفت تلك الشروط فليس لنا أن نتوقع قيام ثقافة راقية؟". وحسب ما قال المترجم شكري عياد، يقدم الكتاب نظرية، إن لم تكشف لنا عن عوامل نمو الثقافة فهي تكشف، على الأقل، بعض أسباب تدهورها.
في المقدمة، يعلن إليوت أن غرضه من هذا الكتاب ليس تقديم مخططًا لفلسفة اجتماعية أو سياسية، ولا أن يكون الكتاب ذريعة لعرض ملاحظاتي حول موضوعات شتى ، وإنما قصدت ان أساعد في تعريف كلمة" الثقافة". خصوصًا بعدما أسيء استخدامها ، وقد حاول إليوت أن يفرق بين الاستعمالات الثلاثة الرئيسة للكلمة، وأن يبين ما بينها من صلات ، وينتهى إليوت إلى نتيجة مفادها أنه " لم تظهر ثقافة ولا نمت إلا بجانب دين" ومن هنا تبدو الثقافة نتيجة من نتائج الدين أو الدين نتيجة من نتائج الثقافة، طبقًا لوجهة نظر الناظر. وهو الأمر الذي يعلق عليه شكري عياد في مقدمته للكتاب، فهو لا يختلف على فكرة الارتباط بين الثقافة والدين، ويرى أن لا أحد من الباحثين ينكرها، إلا أنه يأخذ على إليوت تأكيده هذا الارتباط تاكيدًا يمحو الفرق بين الثقافة والدين، أو يجعلهما مترادفين في كثير من الأحيان. وكلام إليوت في هذا الموضوع، على عظم خطره، هو إشارات خالية من التحديد. ويقرر هو نفسه:" أن ما حاولت التلويح به من نظرة الثقافة والدين لجد عسيرة، بحيث لا أحسبني أدركه أنا نفسي إلا لمحًا، ولا أحسبني واقفًا على جميع دلالاته".
يرى إليوت أن الأنماط الثقافية تجمعها وحدة واحدة ، فهناك ثقافة إنسانية تنظم البشر جميعًا، وهناك ثقافة محلية تميز أهل قرية عن أهل القرية المجاروة لهم ، وبين تلك النوعية الصغيرة وتلك الوحدات الشاملة هناك درجات متفاوتة من الوحدة، منها ما يجمع الإقليم والقطر ، ومنها ما يجمع الفئات المتماثلة في الأقطار المختلفة ، ووجود الأنماط العامة وازدهارها ضرورة لوجود الأنماط النوعية وازدهارها،كما أن العكس صحيح، في حين أن التراث الثقافي يزداد غنى بمساهمة الأنماط المتنوعة فيه ، حيث يرى أن الوحدة الثقافية يجب أن تكون وحدة عضوية، لا مجرد حاصل جمع الثقافات النوعية الداخلة في تكوينها. إن الوحدة التي تعنيه هنا، ينبغي ان تكون وحدة لا شعورية إلى حد كبير، ومن ثم فخير طريقة لتناولها هي النظر في دورب تنوعها النافعة.كما أن الثقافة المشتركة لا تظهر ظهورًا فعليًا إلا في صور محلية شتى ، مع التأكيد على الطموح إلى ثقافة عالمية مشتركة، لا تقلل من خصوصية الأجزاء المكونة لها. وهو ما قد يواجه بمشكلة الدين؛ فالأديان المتعارضة تعني، آخر الأمر، ثقافات متعارضة ، والأديان لا يمكن، بحال، التوفيق بينها؛ لذا فواجب علينا أن نبقى مخلصين للمثل الأعلى للثقافة العالمية، خصوصًا إذا واجهتنا حقيقة الصعوبات التي تجعل تحقيقها مستحيلًا من الناحية العملية.
أما فيما يخص علاقة الثقافة بالسياسة، فأوضح إليوت أنه رغم أن الثقافة تجذب اهتمام رجال السياسة، إلا أن رجال السياسة ليسوا دائمًا " رجال ثقافة" بل إن الثقافة تعتبر أداة للسياسة، كما تعتبر من المنافع الاجتماعية التي تعمل الدولة على رعايتها، ولا ينبغي أن يذهلنا حقيقة أن" الثقافة أصبحت، بوجه ما، قسمًا من السياسة، عن حقيقة أن السياسة كانت في عهود أخرى منشطًا يمارس داخل ثقافة ما، وبين ممثلي ثقافات شتى".
والمعروف ان مترجم الكتاب شكري عياد (1921 1999) ناقد وقاص وأستاذ جامعي مصري انضم إلى هيئة التدريس بجامعة القاهرة عام 1954، ثم عُين أستاذاً لكرسي الأدب الحديث في قسم اللغة العربية عام 1968، ثم عميداً لمعهد الفنون المسرحية عام 1969، ثم وكيلاً لكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1971 من دراساته النقدية : البطل في الأدب والأساطير ، موسيقى الشعر العربي ، القصة القصيرة ، دراسة في تأصيل فن أدبي ، الادب في عالم متغير ،الرؤيا المقيدة: دراسات في التفسير الحضاري للأدب ، دائرة الإبداع: مقدمة في أصول النقد ، المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين
وقام عياد بترجمة عدد من الروايات والأعمال النقدية والفكرية من أبرزها : ملاحظات نحو تعريف الثقافة. تأليف ت.س. اليوت ، الأدب والإنسان الغربي: من عصر النهضة إلى عصر التنوير تأليف ج. ب. بريستلي و (ترجمة وتحقيقكتاب أرسطوطاليس في الشعر: نقل أبي بشر متى بن يونس القنائي من السرياني إلى العربي تحقيق مع ترجمة ، ونال الراحل جائزة الدولة التقديرية في الآداب (مصر) جائزة الكويت للتقدم العلمي (الكويت) ، جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي (السعودية).