كانت حكومات الحزب الوطني المتعاقبه قد عودتنا علي طفح المجاري , وكان إختلاطها بمياه الشرب أمراً لا يجدون فيه غضاضة عملا بمقولة رأس النظام السابق ( كبر دماغك ) , وكان المتهم أحمد عز قد قضي يوما كاملا في مؤتمر صحفي شبه متواصل يوم أن زور الحزب الوطني إنتخابات مجلس الشعب محللا (تكتيكات ) الحزب الوطني الإنتخابيه ومثنيا علي ترشيحه مرشحين أو أكثر من نفس الحزب في نفس الدائره ومعتبرا ذلك إبداعا عبقريا !!! كان ذلك في الماضي الذي تفصلنا عنه ثورة عظيمه , وكنت أظن أن أشتات الحزب المتفرقات قد عاد إليها الوعي أو المقدره علي الخجل أو أن الثورة المصريه قد منحته لهم أوأنهم قد أفاقو من غيبوبتهم بعدما تخلصت مصر من كبوتها , ولكن يبدو لي أن شيئا من ذلك لم يحدث . في أيام الثوره كان وعي الحزب زرائبيا فما أن داسته الثوره حتي لاذ بزرائب الماشيه وخرج علينا بالبغال والحمير والبلطجيه في مشهد دل علي طبيعة الحزب وطبيعة رجاله . بعد نجاح الثوره يتحدث محمد رجب أمين الحزب عن شرفاء الحزب الوطني , حسنا , لقد ذكرنا بمسألة الشرف التي لم يجد كُتاب مصر وقتا لمناقشتها بعد أن شغلهم فساد الحزب وأفعاله المخزيه عن مناقشة مثل هذه المسألة رفيعة المستوي. حتي نسلم بأن هناك ما يُسمي بشرفاء الحزب الوطني لابد أن نتيقن من وجود شرف في الحزب الوطني , الشرف الذي نعنيه في هذه الحاله هو شرف المؤسسه ولا علاقة له بشرف المرأة أو شرف الرجل أو حفظ الفروج والأعراض , لذا لن أتعرض لفضائح قيادات الحزب الوطني الشخصيه أو مدي صحة ما تردد عن هذا النائب أو ذاك , سنبحث فقط عن شرف الأداء السياسي للحزب الوطني في داخل الحزب وفي خارجه. تستمد الأحزاب السياسيه شرفها من أفكارها التي تقوم عليها عندما تكون مقاصد هذه الأفكار خدمة الأمه وصون الوطن , تتساوي في ذلك الأحزاب اليساريه مع أحزاب الليبراليه و مع الأحزاب الإسلاميه , لأن الولاده الشرعيه للحزب هي بزوغ فكرة يتجمع من أجل تحقيقها جمع من المؤمنين بها. لم يكن هذا هو الحال مع الحزب الوطني الذي أقامه الرئيس السادات ودعا أعضاء ما يُسمي بحزب مصر العربي الإشتراكي وقد كان في السابق منبر الوسط إلي الإنضمام للحزب الوطني , وبعد ذلك مباشرة إنضم كل من يرون أن الحاكم علي صواب أبدي وأن طاعته واجبه إلي الحزب الوطني ومعهم من يريدون الإحتفاظ لأنفسهم بدور في القياده والمناصب . لم يأت الرئيس السادات بدماء جديده إلي حزبه الجديد لقد كانو أنفسهم أعضاء الإتحاد الإشتراكي وقد كانو مع الرئيس جمال عبدالناصر عندما كان يحارب الصهيونيه وظلو مع السادات بعد التوقيع والتطبيع وإستمرو مع الرئيس المخلوع في مرحلة الإنبطاح وهي مرحلة ما بعد التطبيع. لقد كانو مع الإشتراكيه عندما كان نداء رأس الدوله إشتراكيا ثم إنقلبو إلي تأييد الإنفتاح الإقتصادي أواخر عهد السادات ثم تحورو إلي مؤيدين للنهب والسرقه والتزوير في عهد مبارك , وأيدو جمال مبارك في مشاهد مزريه من مشاهد ( الهرتله ) السياسيه . لقد كان تاريخ الحزب الوطني تاريخا من التبعيه العمياء للحاكم الأوحد , وكان أعضاء الحزب الوطني مثل قطيع يسير وراء كبش كبير , كان هناك كباش ترشد مسيرة القطيع وتبرر لها أفعالها هنا وهناك ولكنهم كانو أفرادا في نفس القطيع . في القطيع خراف ونعاج لم تتسبب في الأذي ولم تمارس النطح لأنه لم يكن لها قرون , ولكنها كانت هناك عندما كانو يزورون وكانت توافق عندما كانو يُصعدون القيادات الفاسده , نعرف أن الكثيرين منهم كانو مثل خيال الحقل في الحزب الفاسد , نعلم أنهم لم يسرقو ولم يشاركو في السلب والنهب , ولذلك لا نطالب بتقديمهم للمحاكمه ولكننا نطلب منهم إعتزال العمل العام حتي يتطهرو من المشاركه في المهزله , وحتي تتأكد للأمة توبتهم الوطنيه عن ماثم التزوير ودعم القهر ومحاولة توريث السلطه الفاشله في مصر, سنسلم لمن لم تتلطخ يداه بالأثم الوطني بأنه شريف إرتكب حماقة في العهد البائد ولكننا لن نقبل أن نسميهم شرقاء الحزب الوطني لأن هذا الحزب لم يتحلي بشرف العمل العام منذ نشأته وحتي 25 يناير. لم يكن للحزب الوطني شرف في عمله السياسي العام , ولم يكن له شرف حزبي يلتزم به في الممارسه الحزبيه الداخليه , وقد كان إختيار القيادات وترشيح الكوادر لخوض الإنتخابات العامه غير خاضع لأصول العمل الحزبي المحترم , لم يكن الإختيار إلا بإستخدام الطرق الخلفيه من نفاق وتقديم الهبات الماليه والإلتحاق بشلة من الشلل الحزبيه , إنظرو كيف جاء جمال مبارك وغير وبدل في قيادات الحزب وكأنهم دُمي ولم يكن غير مراهق في خبرة العمل السياسي وظل هكذا حتي ذهب غير مأسوف عليه. في كل دائرة إنتخابيه كان هناك قلة تتحكم وتقرر من يخوض الإنتخابات المحليه ومن ينجح فيها بالتزكيه بعد أن ترفض مديريات الأمن طلبات الترشح من أبناء الشعب عامة ومن الإخوان المسلمين خاصة. لم يكن للقواعد الحزبيه قيمة تُذكر في حزب جمال مبارك , ولم يكن للقيادات العجوزه قيمة عند جمال مبارك , كان يعينهم ويفصلهم وكانو يقفون أمامه في الوضع إنتباه ومنهم من قبل يد أمه علي مرأي ومسمع من الدنيا كلها. لم يكن حزبا يا ساده, ولم يكن عزبة لأن أصحاب العزب لا يرقون من فلاحيها إلا من يستحق أن يقوم بمهمة الخولي , لقد كان كارثة فلا تحدثونا عن شرفاء فيه. من رفضو تزوير إرادة الأمه ومن رفضو سرقة المال العام ومن رفضو مشاركة في مصر في إحتلال العراق ومحاصرة غزه أحرار ومناضلون. ومن إلتزمو بيوتهم وأثرو السلامه ولم يشاركو النظام الحاكم خطاياه مواطنون غُلبو علي أمرهم , أما من سارعو إلي الحزب الفاسد وأصبحو أعضاءً في وحداته فإنهم منافقون ومرتزقه أو أنهم أغبياء إذا قالو لنا إنهم لم يحصلو علي شيئ من وراء نفاقهم , وهم بالتأكيد ليسو شرفاء في مجال العمل العام. أما من تصدرو القياده في مفاصل الحزب الحاكم فقد إرتكبو جريمة في حق الوطن قد ينساها مع مرور الوقت, ولكنه لن يغفرها لهم لأنهم كانو مع غيرهم مفخرة عدديه لطالما إفتخر بها أحمد عز متشدقا بملايين الأعضاء في الحزب الميري. في الديمقراطيه يبحث الشعب عن أفضل ما فيه ليمنحه مقاعد التشريع ويُسلمه سُدة القياده , وهو بالتأكيد لا يقبل المشبوهين والمتلونيين وهو لن يقبل أعضاء الحزب الوطني مرة أخري. يا من تطلقون علي أنفسكم شرفاء الحزب الوطني , لا يوجد شرفاء حيث لا يوجد شرف , وإذا أردتم أن يكون لكم دور في المرحلة القادمه فعليكم أولا أن تنسحبو من حزب لم تقتنعو بأفعاله يوما من الأيام , وعليكم أن تنسحبو من العمل العام في الفترة القادمه لأن لدي الشعب شكوك حقيقة حولكم وحول محاولة الفاسدين في حزبكم لإستغلالكم مرة أخري للعودة بكم إلي مراكزهم. أما إذا خدعتم أنفسكم وتخيلتم مرة أخري أنكم قادرون علي التلون من جديد فإن شعبا يقف لكم بالمرصاد وسيسقطكم كما أسقط النظام الذي كنتم تتمسكون به وتظنون أنه باق إلي الأبد وكأنكم أطفال تعلقو بأطراف جلباب أمهم اللاهية عنهم. وعلي كل أبناء الأمة المخلصين أن يتمسكو برفض كل من كان عضوا في الحزب الوطني مهما كانت علاقته بهم , لأننا نمر بمرحلة تاريخية فاصلة ومُحدده , ولا يمكن بناء جسد سياسي صلب من أنقاضٍ هشه , علينا جميعا أن نغلب المصلحة الوطنيه علي ما عداها من إعتبارات القرابه العائليه أو الصداقه الشخصيه , إننا في حاجة إلي إستئصال شعبي لبقايا حزب الفساد والقهر.