ثريا ونعمات اختان فى العقد السادس من عمريهما يذهبان إلى الدجالين لطرد الجان الذى يشاركهما المنزل الذى يسكنانه ويمنعهما من الزواج ، وتزعم ثريا إنها ترى الجان مساء كل يوم بعد صلاة الفجر عندما يهبط البئر الذى يسكن فيه أسفل المنزل ليقضى فترة النهار ثم يعود إليهما فى المساء مرة أخرى. ومنى خريجة كلية التجارة تذهب إلى المشايخ لطرد أزواجها من الجان وعددهم 4 كلهم معجبون بجمالها ويمنعونها الزواج من أنسى . أما هبة فتتعلم السحر من كتب وطلاسم المغاربة القديمة التى تباع على أرصفة سوق الأزبكية لاستقطاب الشخص الذى تحبه للزواج منها . ونادية خريجة كلية الدراسات الإسلامية تقرأ الفنجان وترى الكف وتعتقد أن الجان أفسد علاقتها بزوجها وأنه سبب طلاقها وأن ذلك جاء نتيجة للسحر الذى دل الجان على طريقها . بينما تذهب عنايات التى تبلغ من العمر 45 عاما ذات العلم والثقافة وتعمل فى وظيفة مرموقة ، إلى المشايخ والمشعوذين لحل عقدتها وإتمام زواجها . وكل صاحبات تلك الأسماء السابقة لسن أبطال عمل درامى فى مساسل ألف ليلة وليلة وإنما صاحبات قصص حقيقية يمكن أن تصادفك مثلها فى فى محيط اقربائك أو جيرانك من الفتيات اللاتى أصابهن هوس البحث عن عريس بعد أن بلغت نسبة العوانس فى مصر عدد غير مسبوق. وفى الحقيقة فأن هذا الهوس لم يقتصر على الإناث ممن بلغن سن العنوسة فليس له فقد طال أيضا بعض من الرجال المتزوجين الذين أصيبوا بهوس البحث عن الزوجة الثانية بأساليب غير سوية ، ومن الأمثلة على ذلك الطريقة التى تزوج بها (م. س ) الذى استقطب بأمواله إحدى السيدات التى تسكن فى شقة بالإيجار فى العقار الذى يملكه وحرضها على ترك زوجها وأبنائها رغم أن زوجته على قدر عال من الجمال والأخلاق ، وبعد علاقة غير شرعية تم الزواج ودفع الأطفال الصغار من أبنائه ثمن تلك الزيجة ، وهناك قصة أخرى بطلها مهندس مرموق يعمل فى شركة كبيرة انفصل عن زوجته بعد زواج دام 20 عاما حيث اكتشف أنه لا يحبها وأخذ يبحث عمن تخطف قلبه ، وعندما لم يجدها عاد الى زوجته على شرط إنه اذا وجد من تخطف قلبه سوف لا يتردد فى الزواج منها حتى وأن طلبت منه طلاق زوجته لا يتردد غير عابىء بمصلحة أبنائه . هذه بعض النماذج التى استطعنا الوصول إليها وما خفى كان أعظم والإحصائيات تكشف مزيد من الحقائق . فقد أشارت إحصائية الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الأخيرة المنشورة على هذا الموقع إلى أن هناك 13.3 مليون حالة عنوسة بين الرجال والنساء فى مصر مقسمة كالتالى: 7.6 مليون عانس (رجل) و5.7 مليون عانسة (امرأة)" ، ومن الإحصائية يتضح أن مصطلح عانس أصبح يطلق أيضا على الرجال ولم يعد قاصرا على الإناث بل أن نسبة العنوسة فى الرجال أكبر منها فى الإناث . وأشارت إحصائية أخرى إلى أن نسبة الزواج العرفى فى الجامعات وصلت إلى 2 % كما أن نسبة قضايا إثبات النسب فى المحاكم بلغت أكثر من 12ألف قضية . وفى قضية هوس البحث عن الزواج الذى أصاب المجتمع تعالوا نبحث عن الأسباب الاقتصادية, والاجتماعية والدينية التى أدت لتضخم تلك الظاهرة التى تحتاج إلى وقفة عاجلة. أيدى أجنبية يقول د. محمد الغرباوى أستاذ الإعلام السياسى عن الظاهرة : إن لها بعدا خارجيا موضحا أن الغرب يسعى بشكل غير معلن لقلب عادات الزواج فى المجتمع المصرى ونشر ثقافة التحرر من الزواج فى إطار نشر الفكر الليبرالى والاتجاه نحو المجتمع الليبرالى . ثقافة الاستمتاع وترجع د. سوسن فايد أستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أسباب الظاهرة إلى نشر ثقافة الاستمتاع فى المجتمع المصرى عبر الفضائيات والانفتاح الإعلامى وتقول إنه من الواضح أن ذلك يتم فى أطار مخططات مدروسة لإحداث خلل اجتماعى فى المجتمع المصرى ، وترى أن مواجهة هذه الظاهرة يتطلب بالدرجة الأولى إعلاما قوميا مضادا قويا قادرا على نشر الوعى بين الشباب بضرورة الحفاظ على الكيان الأسرى من التفكك ومن مخاطر الانجراف وراء ثقافة الإسفاف والاستمتاع وتؤكد أيضا أن المؤسسة الدينية متمثلة فى الجامع والكنيسة عليها عامل كبير فى مواجهة الظاهرة . المتربحون ويقول د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا إنه بخلاف تربح المشعوذين من هذه الظاهرة إلا أنه خلال الفترة الأخيرة عادت الخاطبة تظهر فى المجتمع المصرى من جديد و لكن فى شكل حديث أو مودرن ، وذلك من خلال ما يسمى ب "مكاتب الزواج" .. أو إيجاد الشريك المناسب .. واستغلت هذه المكاتب الخوف المرضى الذى أصاب العديد من الفتيات المصريات من شبح ما يسمى بالعنوسة بعد أن بلغ عدد غير المتزوجات فى مصر إلى 9 مليون عانس.. وأصبح هم كل فتاة أن لا يفوتها سن الزواج أو كما يقال باللغة المصرية الشعبية يفوتها قطار الزواج ، وبدا كل همها هو ارتداء الفستان الأبيض و الزفة، دون النظر إلى الكيفية التى يتم بها ذلك ، وهو ما استغله أصحاب هذه المكاتب بصورة تجارية بحتة . ويضيف د. طاحون أن هذه المكاتب وضعت لنفسها قواعد وشروط لمن يرغب فى الزواج من خلالها، تتمثل فى الحضور شخصياً إلى المكتب و إحضار البطاقة الشخصية الأصلية وصورة منها ، ثم يتم دفع مبلغ يتراوح من 40 إلى 80 جنيها ً حسب المكتب و المكان الكائن به.. ثم يتم بعد ذلك صرف استمارة تعارف للمتقدم يدون فيها بياناته الشخصية بكل دقة من اسم و عنوان و سن و مؤهل ووظيفة ، بعد ذلك ينتقل إلى خانة المواصفات التى يرغب فى توافرها فى شريكة حياته ، ثم يرفق صورة شخصية له بجانب صوره بطاقته وبعدها يقول له الموظف المسؤول بالمكتب سوف نتصل بك عندما نجد طلبك ، وغالبا يفى المكتب بوعده و يتصل بالمتقدم فى غضون أيام قليلة و يخبره بأنه يوجد لدية ما يناسبه ، و يطلب منه الحضور لمقابلة نصفه الأخر، و تتمم المقابلة بالمكتب تحت إشراف أحد المسؤولين به بعد أن يدفع كل طرف 20 أو 30جنيها رسوم المقابلة، وعند القبول و الموافقة على الزواج يتم دفع من 400 إلى 600 جنيهاً من كل طرف على سبيل السمسرة و كأن المكتب توسط فى بيع سيارة أو شقة ! ويبدى د. طاحون دهشته حين يعلق على ماسبق فيقول : "رغم أن هذا الأسلوب محرج للغاية.. إلا أنه من الملاحظ أن غالبية رواده من الشبان والفتيات الجامعيات وليس من الذين تجاوزهم سن الزواج ". ويختم د. طاحون فيقول ك " إن هذه المكاتب لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصرى". رأى الدين وترى د. سعاد صالح رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر إن مشكلة العنوسة بمعنى تأخر سن الزواج ذكورا أو إناث أصبحت ظاهرة وأصبح هناك ملايين الفتيات والشبان الذين لا يجدون ما يستطيعون أن يتزوجوا به وحينما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» والباءة هنا يقصد بها القدرة المادية والبدنية على الزواج ." وتضيف د. سعاد : " ومما لا شك فيه هناك صعوبات اقتصادية تحول دون تنفيذ نداء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بسبب المشاكل الاقتصادية التى أثرت بالسلب على قدرة الشباب حيث أصبح العديد منهم متعطل عن العمل بالإضافة إلى تكاليف الزواج المرتفعة والمبالغة والمغالاة فى المهور وتكاليف الزواج ، كل ذلك يصرف الشباب عن الزواج وبالتالى يؤدى إلى رفع سنه بالنسبة للشباب أو الفتيات. وتضيف د. سعاد أن مشكلة تأخير سن الزواج كما أن لها أبعادها الاقتصادية فلها أيضا أبعادها الاجتماعية لأن هناك بدع وعرف فاسد لابد أن يحارب عن طريق تطبيق منهج الشريعة الإسلامية وأيضا هى مشكلة تربوية لأن الشباب يلجأ إلى الزواج العرفى أو العلاقات غير المشروعه كبديل عن الزواج ومنها الصداقات وإقامة علاقات لم نسمع عنها من قبل بسبب الفراغ الدينى والتربوى والاقتصادى الذى يعانى منه.