مما لا شك فيه أن أزمة إغلاق أربعة قنوات فضائية قد أثارت جدلاً كبيراً في الشارع المصري خلال الأيام الماضية خاصة بسبب قنوات الناس والحافظ والخليجية ذات الميول الدينية السلفية في موضوعاتها وبرامجها .. واليوم مساحتنا للاختلاف تأتي بين القنوات التي تعرضت للإيقاف وبين هيئة الاستثمار صاحبة قرار الغلق ، لنعرف عن قرب الأسباب الحقيقية التي دفعت الهيئة لإغلاق تلك القنوات ذات المشاهدة الكبيرة في مصر والعالم العربي . وفي كل أزمة نري من يحاول تسييس الموضوع للحصول علي مكاسب معينة وهناك من يحاول المهادنة للحصول أيضاً علي مكاسب فقناة الجزيرة القطرية مثلاً سعت لتسييس الأزمة وأكدت أن إغلاق القنوات اتجاه نحو تكميم أفواه الإعلام في مصر مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية .. وفشلت القناة في توجيه مسئولي القنوات الدينية في مداخلاتهم التليفونية في اتجاه التسييس .. حيث طالب الشيخ محمد الزغبي مستشار قناة الخليجية في مداخلته الرئيس مبارك بالتدخل لحل الأزمة مؤكدا أن إغلاق القنوات الدينية في مصر من شأنه زيادة التطرف والإرهاب وسيشعر المسلمون أنهم مستهدفون في كل مكان وأكد أن قناة الناس وهي أكبر القنوات الدينية هي التي كانت السبب وراء الأزمة من خلال برنامج سهرة خاصة لخالد عبد الله فلماذا تم الزج بباقي القنوات . وأشار إلي أن قرار إغلاق القنوات الدينية ليس نهائيا ومن الممكن عودتها مؤكداً التزام القناة بالأوامر التي جاءت إليها بعدم الرد علي افتراءات الأنبا بيشوي علي القرآن والتزمت القناة وفوجئنا بتوالي هجمات التليفزيون المصري علينا والهجوم علي شخصيا رغم إنني أزهري ولي مؤلفات ورددنا بكل أدب وقلنا أن هناك خطة لتدوير الصراع من سني شيعي إلي سني سني حيث دأبت القناة علي الرد علي هجوم الشيعة وسبهم لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها والصحابة . ومن جانبه أكد سعيد حساسين رئيس قناة الخليجية أن كل ما ارتكبناه من ذنب أننا كنا نقوم بالرد علي الهجوم علي الشتائم والإساءة لرموز الإسلام من الشيعة علي أم المؤمنين السيدة عائشة ولسنا متطرفين أو نرتدي الجلابيب القصيرة بل نحن أصحاب دين معتدل ولم نقم بإثارة أي فتنة بين المسلمين والمسيحيين . فيما أكد عاطف عبد الرشيد مدير قناتي الحافظ والصحة والجمال أن تلك القنوات كانت لخدمة المجتمع المصري والإسلام المعتدل ونادينا بالتعامل مع الحكام وولي الأمر وان فكرة التصنيف ضد مصلحة مصر، وان هذه القنوات تقوم بدور ايجابي لصالح الحكومة وأهدافها ونحن ملتزمون بحذف المخالفات والملاحظات وليس لنا أي دخل بالسياسة وفشل مذيع الحلقة علي قناة الجزيرة في توجيه الضيوف إلي التأكيد علي أنهم ضحايا تكميم الأفواه مما اضطره إلي قطع المداخلات بشكل فاضح . في الوقت نفسه ربط بعض المحللين السياسيين بين إغلاق القنوات الدينية السنية وبين زيارة عمار الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى العراقي الشيعي حيث كانت تشهد معظم تلك القنوات انتقادات للشيعة وتزعمها حملة للدفاع عن الصحابة وأم المؤمنين السيدة عائشة ضد افتراءات الشيعة . وفي هذا الإطار كشفت مصادر مطلعة أن قرار غلق قناة الناس وبعض القنوات الدينية الأخرى بدعوى إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين جاء بعد أن أبدت عدد من القيادات القبطية غضبها لجهات سيادية عليا من الحملة التي شنتها تلك القنوات على الأنبا بيشوي ، حيث استمرت ردود الفعل الغاضبة على قرار أربعة قنوات فضائية واعتبر رجال الدين والإعلام ان هذا القرار يقيد حرية الفكر وطالب البعض بإنشاء جهاز لتنظيم البث الفضائي وتفعيل ميثاق الشرف الصحفي. وفي هذا الإطار يري الدكتور سامي عبد العزيز عميد إعلام القاهرة انه جاء في وقته وان لم يكن متأخرا حيث انه يؤكد ما سبق وان طالب بوجود لجنة سابقة أو لاحقة أو موافقة هيئة الاستثمار لهذه اللجنة ذات الطبيعة الإعلامية التخصصية وذلك لدراسة هوية وتوجهات إعلامية وهذا أمر يوجد في جميع دول العالم . ويؤكد د. سامي ضرورة الإسراع بإنشاء جهاز تنظيم البث الإذاعي والتليفزيوني لأنه يدفع شبهة تقييد الحريات لان استقلاليته تزيد مصداقيته كما يشير إلي أهمية تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي الذي يتطلب تنظيم لجنة لتفعيل هذا الميثاق وان تضم هذه اللجنة عددا من ملاك القنوات والممارسين وذلك حتى يكونوا رقباء علي أنفسهم ويحاسبوا أنفسهم مهنيا . وعلي صعيد متصل يؤكد جمال البنا المفكر الإسلامي انه ضد فكرة منع وتحريم وتقييد وسائل الفكر والتعبير وانه إذا سمعنا بمصادرة أي فكر لأنه مختلف أو سيئ فبذلك نفتح باب المصادرة لكل ما هو حسن ولهذا يرفض فتح باب المصادرة وان تكون هناك رقابة أو تحكم في الفكر ومقاومته كما انه إذا أردنا أن نقاوم الفكر السيئ فليكن بالفكر الحسن فالحجة بالحجة والبرهان بالبرهان . ومن ناحيته أبدي الدكتور محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر الأسبق أسفه لغلق هذه القنوات الدينية فمثلا قناة الحافظ كانت تخدم القران الكريم بصورة مشرفة في العالم الإسلامي ، وكذلك غيرها من القنوات الدينية ولهذا يجب أن تكون الحرية مبدأ أساسيا لجميع الفضائيات .
ومن جانبها عللت إدارة النايل سات قرار إغلاق القنوات الدينية بمخالفتها لشروط الترخيص الممنوح لها ، حيث جاء في النص التفصيلى للتنويه : " في مفاجأة من العيار الثقيل، ولكنها غير مستغربة، قامت إدارة النايل سات منذ قليل بغلق أربع قنوات دينية إسلامية وهي الناس والحافظ والخليجية والصحة والجمال " . وفي أول رد فعل قال الأستاذ أشرف بلقيني مدير قناة الخليجية : إن إدارة النايل سات قامت بإغلاق القنوات من نصف ساعة تقريبا، وأضاف إنهم لم يبلغوا بقرار الغلق نهائيا، وفوجئوا بغلق القنوات الأربع . يذكر أن التليفزيون الرسمي قد شن حملة شعواء على القنوات الإسلامية في برنامج " مصر النهاردة " الذي يقدمه خيري رمضان ، الذي اتهم القنوات الإسلامية بأنها تبث التطرف ومنابر فتنة طائفية على حد وصفه ، فيما اختلف عدد من المفكرين حول قرار إغلاق قنوات "الحافظ" و"الناس" و"الخليجية"، وهو القرار الذي اتخذته الهيئة العامة للاستثمار، وبررته بأنها خالفت شروط التراخيص الممنوحة لهذه القنوات، ودعا بعضهم لإنشاء هيئات مستقلة لإصلاح وتنظيم بث الإعلام المرئي. حيث دعا الخبير السياسي ضياء رشوان الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الإعلام المرئى، حيث قال أن هناك مشكلة فى مصر تختص بالتنظيم الإعلامي المرئي، ومتابعة قنوات عمله، فلا يوجد من يتابع هذه القنوات، ويتأكد من عدم تجاوزها إن تجاوزت، ويقوم بفرض عقوبات عليها فى هذه الحالة، والأمر لدينا مختلط، وبالتالى نحن بحاجة لإعادة تنظيم الإعلام المرئي بواسطة هيئة إعلامية مستقلة. وأكد رشوان أن هذه التضارب فى الظن سيظل مستمرا طالما لم تظهر هذه الهيئة التى تنظم هذا العمل الإعلامى، وستستمر الشكوك حول الأسباب الرئيسية لإغلاق هذه القنوات، ومن المؤكد أن إغلاق هذه القنوات له خلفية سياسية يستند إلى الوجع الطائفى الأخير، وإذا ما ظهرت هذه الهيئة التى تقوم بتنظيم الإعلام المرئى، فسوف تنوب عن المجتمع فى حل كل مشكلات هذا الإعلام، وهذه الهيئة ليست اختراعا، وإنما يوجد مثيل لها فى دول العالم المتقدم. في حين الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر أن حل الفتنة الطائفية لا يتأتى بإغلاق بضعة قنوات إذا كان هذا هو مغزى إغلاقها .. مشيراً إلي أن احتواء الفتنة يتم من خلال التعامل مع أسبابها، وليس من خلال ما ينشر أو يبث عنها، ومسئولية الأزمات يجب أن يتحملها نظام سياسي عاجز عن حل مشاكل المجتمع، فمن يرغب فى حل الفتنة يجب أن يعود إلى أسبابها الحقيقية المتراكمة، وهى الفراغ السياسي ، وطالب عبد المجيد بتوفير معايير واضحة تتعلق بإنشاء أى صحيفة أو فضائية، وكذلك أسباب إغلاقها، مؤكدا أن إذا تم ذلك فى الحالتين بشفافية، فلن ينتقص من حرية التعبير شئ. أما الدكتور عمرو الشوبكى خبير الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فقد أكد أنه لا يتابع هذه القنوات، قائلاً " أنا ضد الإلغاء، لكنها إذا كانت تحرض على الطائفية، وتتخذ من صفة الدينية مظهرا لتغطية رسالتها المتجاوزة، فهذا أمر أرفضه تماما، وأؤيد إغلاقها، إما إذا كانت قنوات دينية ولها رسالة تنويرية ما، فإن قرار إغلاقها ضد حرية التعبير ومرفوض تماما ".