أسدلت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة الستار علي قضية بيع أرض "مدينتي" حيث أيدت حكم القضاء الإداري ببطلان عقد تخصيص الأرض بين هيئة المجتمعات العمرانية ومجموعة طلعت مصطفي لمخالفته قانون المزايدات والمناقصات مشيرة إلي أن هذا التصرف كان محاطاً بالكتمان وتم مقابل عيني ضئيل. وأن بيع الأرض هز الثقة في السوق المصرية وأدخل الشك في نفوس الناس بكيفية خروج المال العام من ذمة الدولة إلي الغير. لقد أسدلت المحكمة الستار وفتحت أبواباً عديدة لإشكاليات ومشكلات وتساؤلات داخل أروقة الحكومة وفي أوساط الشارع المصري. حيث أربك هذا الحكم السادة المسئولين حول كيفية تنفيذه والتعامل مع تداعياته. وأدخل الشك والريبة والقلق والحيرة في نفوس المواطنين خاصة الحاجزين في هذا المشروع وفي المشروعات المماثلة. وفي قلوب العاملين فيه وفي مجال الإسكان والتعمير والبناء بصفة عامة. لقد خرج علينا السادة المسئولون.. رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان والمتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء بكلام متطابق إلي حد كبير مؤكدين قيام الحكومة بتنفيذ الحكم القضائي وفي نفس الوقت الأخذ في الاعتبار: ضمان حقوق الحاجزين في المشروع الذين يبلغ عددهم أكثر من 25 ألف مواطن. وضمان حقوق المستثمرين في المجموعة. وضمان حقوق العاملين في المشروع الذين يزيد عددهم علي مائة ألف عامل. وحماية الاستثمار في مصر. وأكد د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء أن "خطأ إدارياً" هو السبب الرئيسي لهذه القضية ولا سبب غيره. وإذا سلمنا بتأكيد رئيس الوزراء هذا. فلنا أن نحسب ونستعرض ما كلفه هذا الخطأ الإداري علي الدولة بكل مؤسساتها. وعلي السادة المسئولين حساب هذا واستعراض ذلك. بداية.. يؤكد هذا الحكم أن تباين القوانين واختلاف نصوص القوانين والقرارات المنشئة للهيئات المختلفة مع القانون العام يؤدي إلي تباين الأحكام القضائية واختلافها إزاء قضية واحدة. إن عدم مراجعة مشروعات القوانين. والاتفاقيات والتعاقدات من قبل الجهات المنوط بها ذلك يمكن أن يؤدي إلي ثغرات قانونية لا حصر لها. إن سرعة تلبية البرلمان لمشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة وعدم دراستها الدراسة الكافية ومناقشتها المناقشة المتأنية تؤدي في النهاية إلي إصدار العديد من القوانين التي تخالف الدستور ويمكن الطعن عليها فيما بعد. لقد خرج علينا بعض السادة الخبراء والقانونيين والمستشار القانوني لمجموعة طلعت مصطفي بآراء واقتراحات وتصريحات عديدة للخروج من هذه الأزمة. وهنا يمكن الإشارة إلي اثنين من هذه الآراء فقد طالب أحد القانونيين باستصدار تشريع "يقنن" تعاقدات هيئة المجتمعات العمرانية التي أجرتها قبل هذه القضية أي بمعني تأييد الأخطاء القانونية التي ارتكبتها الهيئة وتحصين أخطائها بالقانون. وفي الوقت ذاته صرح أو بالأحري حذر المستشار القانوني للمجموعة بأن عدداً من المساهمين يرغبون في اتخاذ الإجراءات القانونية واللجوء للتحكيم الدولي في هذه القضية. يا لغرابة مثل هذه الآراء والتلويحات التي تطعن الدستور والقانون المصريين في مقتل وأنه بدلاً من حل مشكلة يتم استنساخ العديد من المشاكل. وفي النهاية لنا أن نتساءل: أين كان هؤلاء المسئولون عند توقيع مثل هذه العقود؟ وأين كان هؤلاء الخبراء الذين يعكفون الآن علي دراسة أنجع الحلول لهذه القضية ولماذا لم يتداركوا "الخطأ الإداري" منذ البداية؟ بالتأكيد إن حكم المحكمة الإدارية العليا هو "جرس إنذار" للحكومة لتعيد تقييم وتقويم سياستها إزاء التصرف في أراضي الدولة. واتخاذ سياسات جديدة من شأنها المساهمة في حل مشكلة الإسكان خاصة لفقراء هذا الشعب الذي لا يحلم بالسكن في "مدينتي" أو الاصطياف في "مارينتي".