هذا المقال ليس خروجا على وعد قطعته بالتوقف عن الكتابة بعدما أصبح واضحاً لى أن الكتابة لم تعد تجدي بعد أن رفع النظام «برقع الحياء» وبذلك على مقياس الكواكبي بلغ أعلى مراحل الاستبداد واقتناعا أن النضال لإخراج مصر من كبوتها يقتضى إتباع وسائل أخرى أجدى وأنفع وإن كنت لم أهتد بعد الى هذه الوسائل. إنما يأتي هذا المقال للأمانة كمحاولة للخروج من حالة الحزن التي انتابتني بعد أن فقدت الابن الثاني الذي لحق بشقيقه المرحوم بإذن الله هشام، فقدت مروان بعد عشرة أيام فقط من احتفاله «بعيد ميلاده» الرابع والعشرين وبعد أن حصل على بكالوريوس إدارة الأعمال، وأصبح مؤهلا للعمل والزواج. لم تمنعنى حالة الحزن الشديد من طرح السؤال على نفسي إن كنت قد قصرت فى علاجه، ووجدت اننى لم أفعل.،ففور شعورى بأن مرضا ما ينهش فى جسده منذ صحبته بعد بحث وتقص الى طبيبتين أحداهما أستاذة بجامعة عين شمس وتحمل شهادة الدكتوراه فى الأورام، والأخرى تعمل بالتأمين الصحي وهى أيضا حاصلة على شهادة الدكتوراه فى الأورام، الأخيرة هالها حالة ضمور جسمه وهزاله وصرخت فارعة، لكن رد الفعل كان غريبا، فقد تركته عاريا وتوجهت الى مكتبها وكتبت تذكرة طبية بها اسم دواء واحد هو فيتامين!! ولم يكن ينقص الا أن تضيف الى الفيتامين.. الأسبرين!! وكأن هذا هو العلاج الثانى من السرطان!! بل أضافت بعد الكشف القول بأن الولد بخير!! بل وأضافت أنه لا حاجة بنا لزيارتها مرة أخري!! أما الأخرى الاستاذة الجامعية فقد اطلعت على صورة الأشعة التى أجريناها فى معهد سرطان الأطفال وكلفتنا سبعة آلاف جنيه بالإضافة الى صورة أشعات أخرى كلفتنا أربعة آلاف وتسعمائة جنيه. كل ما لفت نظرها ان الولد ذهب بصحبتى وصحبة زوجتي. وقالت انه بلغ سناً يؤهله «لفتح بيت» وطلبت أن يعود لها مرة ثانية ولكن لوحده!! وهى لم تكتب علاجاً، إنما طلبت أن تحتفظ بصورة الأشعة فى ملفه لديها لتكون مرجعاً لها لتقارن بينها وبين أشعة أخرى عليه أن يجريها بعد سنة!! (توفى بعد ثلاثة أشهر من هذه الزيارة). هذا هو حال الطب فى مصر وهو كحال الزراعة والصناعة والتجارة والسياسة والتعليم. تدهور فى كل المجالات. الرئيس ذاته أصيب بمرض فذهب الى ألمانيا. ووزير الصحة الذى صحبه فى زيارة ألمانيا عندما أنهى مهمته لم يعد لمصر بل توجه الى أمريكا لمتابعة حالة زوجته التى تعالج هناك. وهذا مرة أخرى يدل على حال الطب فى مصر. على أية حال ليس هذا هو موضوع هذا المقال ولا المقالات الأخرى التى أرجو أن أتمكن من كتابتها عن مصر المريضة. عندما يمرض الرئيس فإن مصر كلها تصبح مريضة، فالرئيس طبقا للدستور وخاصة بعد تعديل 34 من مواده، أصبح يملك كل السلطات بين يديه. ومنطقيا فإنه إذا مرض مرضت مصر كلها معه.. وقد كان منظرا يدعو للشفقة والأسى عندما ظهر الرئيس متحاملاً على نفسه فى احتفالات تحرير سيناء التى لم تتحرر بالكامل بل عادت الى مصر منقوصهةالسيادة، فقد قسمت الى مناطق ثلاث أ وباء وجيم، وفى مناطق أ وب فإن اعداد أفراد قواتنا المسلحة وأسلحتها محددة ومحدودة. أما المنطقة ج (والتى من ضمنها شرم الشيخ) فممنوع تواجد فرد واحد فيها من أفراد قواتنا المسلحة ولا أى نوع من أنواع الأسلحة، إنما فقط قوات للشرطة بأسلحة خفيفة، ومع ذلك يحتفلون بما يسمى عيد تحرير سيناء!! مصر كما تعبر عن ذلك وبخط عريض اللافتات عند مدخل كل قرية وكل مدينة من الاسكندرية الى أسوان هى مصر مبارك!! أى التصق الوطن بشخص الرئيس وحده. لم تعد مصر للمصريين بل أصبحت مصر لمبارك من حقه أن يورث حكمها الى ابنه جمال أصبحت مصر مجرد عزبة أى قرية صغيرة فيها عدة بيوت يسكنها أفقر الناس، تنتقل ملكيتها من الأب الى الابن. وبالتالى عندما يمرض الاقطاعى مالك القرية فإن القرية كلها تصبح مريضة وعندما يمرض عمدة القرية فإن القرية كلها تصبح مريضة. وعندما يمرض رب الأسرة والعائل لها فإن الأسرة كلها تصبح مريضة، وليس معنى هذا طبعا انتقال المرض الى أفراد القرية أو أفراد الأسرة ولكن معناه أن حالة من الارتباك تسود الجميع وحالة من القلق تسود كل فرد لأن السلطة كلها مركزه فى يد العمدة أو رب العائلة ومنه وحده تأتى الأوامر والنواهي، ومرض تجعله فى حكم الغائب. والناس تعودت مع طول فترة بقاء الرئيس فى السلطة ان هناك مرجعا واحدا تعودت أن تتلقى منه وحده الأوامر والنواهى على مدى ثمانية وعشرين عاما طوالا شداداً (بدأ الرئيس فترة ولايته الخامسة وبدأ العام الثامن والعشرون من حكمه المديد تحديدا فى 14/10/2009) وهنا تتحرك ببطء أدوات الاعلام الحكومى فتخبرنا ان رؤساء الدول العربية سوف يتقاطرون على شرم الشيخ للاطمئنان على صحة الرئيس. لكن لا يأتى سوى ثلاثة أو أربعة لا غير وتظهر صور منتقاه بعناية والرئيس يتحدث الى ضيوفه، وتنتشر اشاعات لا حصر لها تؤكد أن الرئيس تعافى بالكامل واشاعات أخرى تقول العكس، ويبقى سؤال ملح: هل الرئيس تعافى بالكامل وإنه يباشر سلطاته. وفى مواجهة ذلك اشاعات أخرى من تشكيل لجنة تتولى إدارة دفة الحكم.، ونسمع عن أسماء مختلفة. فالاشاعات لأنها اشاعات وليست معلومات تتضارب فى أسماء أعضاء هذه اللجنة، وكل يؤكد أن معلوماته هى الأصح!! لقد تحدثت عن مرض مصر لمرض الرئيس، لكن مصر مريضة لغير هذا السبب، مصر مريضة سياسيا واقتصاديا وزراعيا وصناعيا وعلميا والتدهور أصاب كل مرفق فيها. وهنا يأتى السؤال: متى بدأ مرض مصر ومتى بدأ تدهور حالتها، وهذا ما سوف أحاول الاجابة عنه فى مقال لاحق.