يشكل التفجير الارهابي المزدوج الذي تعرضت له العاصمة الاوغندية كمبالا ليلة نهاية بطولة كأس العالم. والذي أودي بحياة65 شخصا, تحولا مهما في توجهات أداء تنظيم الشباب المجاهد الصومالي الذي أكد مسئوليته عن التفجيرين, بل وأعلن تهديداته بأن دولا أخري تشارك في قوات حفظ السلام الافريقية' أميصوم', كبوروندي لن تكون بمأمن من تفجيرات مماثلة في المستقبل. والرسالة الواضحة هنا أن حركة الشباب المجاهد, التي تعد بشكل ما امتدادا فكريا وتنظيميا لتنظيم القاعدة الأم, تعمل علي كسب معركة الداخل في مواجهة حكومة الشيخ شريف أحمد, من خلال الاسراع بإنهاء مهمة القوات الافريقية التي تتركز في حماية جهود الحكومة الشرعية ومساعدتها علي مواجهة التنظيمات المسلحة. إذ تتصور حركة الشباب المجاهد أن أعمالها الارهابية التي تنقل المواجهة إلي قلب البلدان التي تشارك بقوات عسكرية في مهمة حفظ السلام الافريقية في الصومال سيؤدي إلي أن تعيد تلك البلدان حساباتها وتستدعي قواتها, وبذلك يخلو الصومال من الحماية الافريقية للحكومة, ومن ثم تصبح مهمة السيطرة علي البلاد أمرا ميسورا. بيد أن تأكيدات اوغندا بالاستمرار في مهمة السلام في الصومال بل وزيادة عدد القوات هناك بمائتي جندي جديد قد خيبت ظنون الحركة. هذا النوع من التفكير يعكس حالة الصراع الداخلي المتصاعدة في الصومال غير المستقر, ويعكس حقيقة غياب السلطة المركزية القادرة علي القيام بواجباتها في السيطرة علي الأرض الصومالية, وضعف الحكومة الشرعية وحاجتها للدعم الدولي الكبير. كما يعكس طموحات حركة الشباب المجاهد التي تنتهج فكرا دينيا متشددا يماثل الذي اتبعته حركة طالبان في افغانستان قبل قيام الولاياتالمتحدة بحربها ضد طالبان في ديسمبر2001 كنتيجة لهجمات11 سبتمبر الشهيرة, ومن تجليات هذا الفكر منع الحركة مشاهدة مباريات كرة القدم في المناطق التي تسيطر عليها في العاصمة مقديشو ومحيطها, باعتبار أن كرة القدم مفسدة للشباب المسلم, وكذلك فرض طريقة معينة في الملبس وقص الشعر ومنع أنشطة تجارية بعينها بحجة أنها تخالف الاسلام. أهمية هذين التفجيرين أنهما يكشفان مدي تطور الارتباط الفكري والعملياتي بين حركة الشباب الصومالية من جانب وتنظيم القاعدة الأم من جانب آخر. ويدعم ذلك معلومات متواترة حول مشاركة عدد من الذين تدربوا في أفغانستان من جنسيات مختلفة علي أساليب ومهارات القتال والقيام بالعمليات الانتحارية وفقا لتكتيكات تنظيم القاعدة المعروفة وانضوائهم في حركة الشباب المجاهد, وتوليهم مواقع قيادية, ومنهم باكستانيون وافغان وتونسيون وسودانيون وأمريكيون من أصول صومالية وسعودية ويمنية. وكأن حركة الشباب الصومالية آخذة في التحول إلي حركة متعددة الجنسيات, وباتت تستقطب العناصر القاعدية مستفيدة من الفشل العام والانهيار المؤسسي الذي يعيشه الصومال منذ سنوات طويلة. وكذلك من محدودية العائد الأمني الذي أتي للبلاد علي يد القوات الافريقية. وهي في ذلك تعيد إحياء نظرية الجهاد ضد العدو البعيد التي ابتدعتها القاعدة من أجل الانتصار علي العدو القريب, لتعمل علي هديها, مصورة الدول الافريقية التي تساعد حكومة الشيخ شريف احمد بأنها العدو البعيد المطلوب إيذاؤه وإبعاده عن مناصرة العدو القريب, الذي هو الحكومة الشرعية. هذا الارتباط, بشقيه الفكري والعملياتي يعني بأن الصومال قاب قوسين أو أدني من التحول إلي نقطة تمركز فعالة للقاعدة في القرن الإفريقي, ومنه تنطلق العمليات إلي البلدان الافريقية المرغوب تهديدها أو ردعها نظرا لعلاقاتها مع الولاياتالمتحدة أو لوقوفها موقفا رافضا لانهيار الصومال وإفشال الحكومة المركزية التي يقودها الآن شيخ شريف أحمد, ووقوعه لاحقا تحت السيطرة الكاملة لجماعات وتنظيمات دينية. خطورة الأمر لا تتوقف عند احتمال وقوع الصومال تحت سيطرة جماعة ذات صلة بالقاعدة وحسب, وانما في تشكيل قوس إرهاب دولي جديد يبدأ من باكستانوافغانستان ويمر باليمن وينتهي في الصومال, ساعيا إلي الامتداد إلي دول إفريقية اخري. وقد لمحنا في تهديدات حركة الشباب المجاهد لبوروندي ومن طريقة تنفيذ التفجيرين في أوغندا أن هناك عناصر محلية تؤيد الحركة الصومالية أو تتعاون معها وتسهل لها القيام بمثل هذه الأعمال الارهابية. وليس هناك شك في أن مثل هذه العناصر المحلية تحمل فكرا قريبا من فكر القاعدة أو هو فكر القاعدة بقده وقديده. وفي حال نجاح هذا القوس الإرهابي في التمكن من الدول التي يعمل عليها وينطلق منها, سيضع بالتالي مداخل البحر الأحمر الجنوبية في موقف خطير. فكل من سيعبر هذه المداخل إلي الشمال أو إلي الجنوب سيكون معرضا للابتزاز والسطو بكل أشكاله. والمرجح آنذاك ان تتأثر سلبا وبقوة حركة الملاحة الدولية في هذه المنطقة. الجانب الآخر لهذه الخطورة المرجحة يؤكد فشل المجتمع الدولي في انقاذ الصومال من هكذا مصير بائس لنفسه وللدول المجاورة له. وهو فشل يشمل الأممالمتحدة والدول الكبري والجامعة العربية والاتحاد الافريقي. صحيح أن مساعي إعادة الاستقرار للصومال لم تتوقف, وترتب عليها تشكيل قوة أفريقية لحفظ السلام تعمل هناك منذ العام2007, وتتحمل الكثير من الضغوط والتحديات, إلا انها لم تثمر الكثير, فما زال الصومال يعاني, وما زالت الحكومة الشرعية تحاول توسيع نطاق سيطرتها من مجرد عدة أحياء في العاصمة مقديشو إلي باقي المناطق, وما زالت الوعود التي قدمت من قبل المنظمات الدولية والقوي الكبري لتقديم دعم تنموي للصومال حبيسة الأدراج لم تري النور. والمؤسف في الامر أن تصل حكومة الشيخ شريف إلي حد طلب تبرع من أي عربي كريم بمبلغ لا يتعدي10 ملايين دولار لينقذ الحكومة من الانهيار. ويبدو أن النداء لم يصل إلي أحد من الكرماء بعد. كثير من التحليلات والحقائق التي تناولت ضعف النظام العربي توافقت علي أن البداية كانت في جر أطراف النظام وإضعافها كمقدمة لإضعاف دول القلب والمركز, ولم تكن هذه التحليلات مجرد نظريات, بل استندت إلي وقائع وحقائق دامغة. كان المفترض أن تدفع هذه التحليلات إلي تركيز النظام العربي علي حماية أطرافه ومنعها من الانهيار كحالة الصومال أو التعرض لحالة فشل مؤسسي وضعف مجتمعي كما هو الحال في اليمن والعراق وفلسطين, أو تأخر تنموي كما الحال في موريتانيا. لكن ما حدث هو أن النظام العربي برمته تجاهل هذه التحذيرات في وقت كان يمكن أن تعالج فيه هذه الأزمات بأقل التكاليف. الآن بات الوضع أكثر سوءا وأكثر تدهورا, واقتربت التحديات الجسام كثيرا من قلب النظام العربي, ومع ذلك لا نجد صحوة في الإدراك ولا صحوة في الأداء. فالمشكلة ليست مشكلة الصومال بقدر ما هي مشكلة النظام العربي ذاته, والتي يبدو أنها غير قابلة للحل قريبا. أما دوليا, فلا تتغير الصورة كثيرا, فثمة فشل مزدوج سواء في جهود الأممالمتحدة أو الاتحاد الافريقي, أو جهود الولاياتالمتحدة والدول الافريقية الحليفة معها. وثمة من ينادي بمجرد تغيير قواعد الاشتباك للقوات الافريقية بحيث يسمح لها بالهجوم علي المسلحين, وهناك من يري الحل في الابتعاد عن الصومال وعدم التدخل في شئونه نظرا للحساسية التي تنتاب الشعب الصومال من أي تدخل خارجي مباشر في شئونه. ورغم الاعتراف بهذه الحساسية الصومالية والتي وظفتها الحركات الدينية المتشددة لتعطيل جهود المصالحة وإعادة بناء الدولة, إلا أن تجاهل ما يجري في الصومال الآن ليس من الحكمة في شئ, بل المطلوب هو خطة تدخل دولية ذكية تقوم علي مراعاة الحساسية الصومالية من جانب وعملية إعمار كبري من جانب ثاني واستقطاب الاغلبية الصومالية الصامتة والمغلوبة علي أمرها من جانب ثالث, وبالتالي تحييد سطوة الجماعات المسلحة من جانب رابع. أما الاقتصار علي زيادة الصراعات البينية بين الجماعات الصومالية المسلحة بغرض إضعافها, كما يفكر في ذلك الامريكيون, ومن ثم عدم القيام بأي جهد إيجابي بناء لاستعادة الصومال المستقر والخاضع لحكومة مركزية قوية, فهو أمر غير مفهوم ويؤدي إلي مزيد من الانهيار في الصومال. وكما يقول مثل آسيوي فإن تعاركت الفيلة, فالعشب هو المتضرر. وترجمته أن الذي سيدفع الثمن هو الصوماليون البسطاء, وأن من سيحصل علي القوة والسيطرة هم المتشددون المفترض ان تتم محاربتهم وإضعافهم. لقد سمعنا عن عقوبات ذكية تنال من المفاصل الأساسية للدولة الايرانية, وعقوبات شاملة تنال من كوريا الشمالية, ولكننا لم نسمع بعد عن تدخل ذكي آمن يقود إلي مساعدة الصومال وشعبه, ويقود بالتالي إلي حماية المصالح الدولية الكبري في جنوب البحر الأحمر, ويحول دون تشكل قوس ارهابي دولي جديد سيضر بالجميع دون استثناء.