لقد كانت حروب المكلميات متمثلة في التصريحات والاعلانات والخطب الحماسية التي تحمل الكثير من الشعارات البراقة التي تهدف إلي خلق حالة من المناورة والتمويه علي العديد من الأهداف الأخري التي تختلف بالقطع عما هو معلن وقد كانت حروب المكلميات والتصريحات في ظل الإدارة الأمريكية السابقة هي التي تمهد للحروب الفعلية أي بالقوات والجيوش والتي عادت بنا إلي العهود الاستعمارية التقليدية أي احتلال أراضي الغير بالقوة المسلحة وبذلك فهي قد كانت بمثابة انتكاسة كبيرة لمسيرة تطور العلاقات الدولية وكانت تمثل حالة ردة كبيرة في القانون الدولي وقواعده وضربت عرض الحائط بكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية وعلي رأسها ميثاق الأممالمتحدة الذي حظر علي الدول للجوء إلي القوة باستخدامها أو التهديد بها فيما يثور بينها من منازعات وان عليها أن تلجأ إلي الدبلوماسية والطرق والوسائل القانونية.. والحقيقة الأخري هي ان ادارة بوش الملقبة بإدارة المحافظين الجدد كانت عقائدية أو ان جاز لنا التعبير اصولية حيث انها كانت توظف الخطاب الديني من خلال استخدام النصوص التوراتية في الكتاب المقدس وذلك بهدف اضفاء مسحة من الشرعية الدينية علي تصرفاتها وممارساتها لتستعيض بها عن الشرعية السياسية التي كانت تفتقر إليها علي غرار ما حدث مع العراق أي في حالة قيامها بالغزو وكيف انها قد فشلت في استصدار قرار من الأممالمتحدة "مجلس الأمن" يفوضها في القيام باستخدام القوة ضد العراق كذلك كان اختراع مقاومة الارهاب من خلال مفهوم الحرب ضد الارهاب وهو ذلك المفهوم الانقلابي الذي شطر العالم نصفين وفقا للرؤية أو حتي المعيار الأمريكي وهو من مع الارهاب ومن ضد الارهاب وقد كان ذلك التصنيف يتوقف علي الرؤية الأمريكية أو وفقا للهوي الأمريكي وهو ما أضرم نيران العنف علي مستوي العالم وأصاب المصالح الأمريكية في مقتل علي عكس ما كان متوقعا من وراء هذا النهج الذي انتهجته حكومة المحافظين الجدد بداية من بوش الأب والذي سار فيه بوش الابن بخطي واسعة وكبيرة ترتب عليها العديد من المحصلات التي سعي أوباما إلي تفاديها أو تلاشيها ولكن قد وجد ان حدود حركته أو مساحات تحركه قد كانت محددة سلفا من خلال هذه السياسات التي انتهجتها حكومة المحافظين الجدد ومع ذلك فهو قد حاول ومازال يحاول ولكن التأثير مازال ضعيفا وحتي غير ملموس. أول هذه النتائج هو تشويه الصورة الأمريكية في مخيلة وأذهان الكثير من شعوب دول العالم ولاسيما الشعوب الاسلامية وزيادة الشكوك وعدم الثقة في نوايا الولاياتالمتحدة باعتبارها الدولة القطب الوحيد الوصية علي إدارة العلاقات الدولية والتي من المفترض انها هي صاحبة الولاية في الحفاظ علي السلم والأمن الدوليين وتوفير مظلة الرعاية والحماية لدول العالم الفقيرة. المحصلة الثانية هي استعداء الكثير من دول العالم ضد الولاياتالمتحدة ولاسيما العديد من الجماعات والمؤسسات سواء الشرعية أو تلك غير الشرعية أي تلك التي تعمل بمعزل عن نظمها السياسية أو خارج إطار القنوات السياسية والتي كانت سياسة الولاياتالمتحدة السبب فيها وذلك عندما استعانت بالقوة وحدها لإدارة العلاقات الدولية واعتمدت علي الاسلوب الاملائي في العلاقات وليس التوفيقي مما جعل النظم السياسية في حالة من الضعف للدفاع عن مصالح شعوبها وقد جعلها ذلك في موقف المتخاذل بالنسبة لشعوبها مما أدي إلي ظهور هذه الجماعات والتنظيمات غير الرسمية ولا نقول غير الشرعية لأن الأمر في هذه الحالة نسبي ومعبر عن موقف شخصي أكثر منه موضوعي مثل حركة طالبان وتنظيم القاعدة وهذه كلها صناعة أمريكية في المقام الأول أو نتاج لهذه السياسات التي اتبعتها الإدارة الأمريكية والأمر لم يقتصر عند ذلك الحد بل كان هناك نوع من التوصيف لهذه الأوضاع من خلال قاموس جديد للمفردات السياسية الغريبة والشاذة وكيف انها قد ربطت ما بين الاسلام والارهاب وان حربها ضد الارهاب حتي وان لم تعلن ذلك صراحة فهي ضد الاسلام الذي تري انه يغذي الميول الارهابية.. وجاء أوباما وأمامه هذه التركة صورة مشوهة للولايات المتحدة مع شكوك وعدم ثقة من جانب الكثير من دول العالم ليس فقط في النوايا الأمريكية ولكن أيضا في مدي قدرة الولاياتالمتحدة علي توفير الرعاية والحماية لها كدولة عالمية وعدة حروب مفتوحة في أفغانستان وفي العراق وملفات نووية في ايران وكوريا الشمالية إلي جانب مشكلة الشرق الأوسط ذلك الصراع المعقد والممتد والذي يتماش مع كافة الصراعات الأخري في المنطقة بل والعالم بالإضافة إلي الأزمة المالية العالمية وحالة الكساد الاقتصادي التي تعاني منها الولاياتالمتحدة والعالم في ظل هذه الظروف قد أصبح أوباما مكتوف اليدين والقدمين وموضوع علي قضبان السكة الحديد عرضة لأن يلتهمه أي قطار قادم "أزمة سياسية أو حرب أو حتي أزمة نتيجة كارثة طبيعية أو مواجهة نووية تكون وراءها اسرائيل" لذلك كان عليه أن يتعامل مع هذه الملفات في حدود الامكانيات المتاحة وكان عليه أن يبدأ أيضا بالتصريحات التي تنطوي علي مجموعة من المفاهيم التي تمثل في هذه الحالة الرؤية والمقترح الذي سوف تكون عليه السياسة الخارجية الأمريكية وعلي رأسها التخلي عن سياسة القوة أو الكاوبوي في التعامل مع الدول وتجنيب مفهوم القوة وفتح الباب وأتاحة مساحات أكبر للدبلوماسية والشيء الثاني هو إعادة تصحيح المفاهيم ولو مرحلية أو علي المستوي النظري وذلك بعدم الربط بين الاسلام والارهاب كما جاء في الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة والتي اعتبرت ان عدوها الأول هو تنظيم القاعدة وان ذلك لا يمثل حربا عالمي علي اسلوب أو تكتيك هو الارهاب أو ديانة هي الاسلام وان الولاياتالمتحدة لا تعتبر نفسها في حرب مع الاسلام وانها ستحاول أن تبتعد عن النهج الذي اتبعته إدارة الرئيس السابق جورج بوش بداية من تبرير الحرب الاستباقية واستعداء الكثيرين في العالم الاسلامي ويري الكثيرون من المحللين السياسيين الأمريكيين انه علي الرغم من سلامة هذه السياسيات وضرورتها وانها تمثل نوعاً من التحسن في السياسة الخارجية الأمريكية إلا ان الولاياتالمتحدة مازالت تخوض حروباً في العراق وأفغانستان وفي مواجهة نووية مع ايران وتركيا وتعثر الجهود الأمريكية في التوصل إلي صيغة سلام في الشرق الأوسط ومن ثم يخشي أن يفسر ذلك التوجه الأمريكي نحو الدبلوماسية علي انه تعبير عن ضعف في موقف ووضع الولاياتالمتحدة ولكن هي المعضلة والمعادلة الصعبة التي يواجهها أوباما.