المدرسة الثانوية الفنية لمياه الشرب والصرف الصحي.. الشروط والمستندات المطلوبة للتقديم    رئيس المحطات النووية : الضبعة من أضخم مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية في أفريقيا    هل قطع الأشجار وراء موجات ارتفاع الحرارة؟ رد غير متوقع من البيئة    عاجل | الضرائب تحذر كل من أجر شقة يمتلكها ولم يخطر المصلحة    أكسيوس: بلينكن ضغط على نتنياهو بشأن أموال السلطة الفلسطينية    كيف تأثرت دفاعات أوكرانيا بعد سيطرة روسيا على أفدييفكا؟    روبرتسون: اسكتلندا لا تتعرض لضغوط قبل مواجهة ألمانيا فى افتتاح يورو 2024    رسالة مدرب ألمانيا للجماهير قبل افتتاح يورو 2024    وزير الرياضة: «كابيتانو مصر» يواصل تسويق لاعبيه لأندية الدوري الممتاز    إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص ب"صحراوي أطفيح"    ويزو عن انتقادات "السوشيال ميديا" للفنانين: "مفيش معايير ومش فاهماهم"    آسر ياسين ينشر صورًا جديدة من كواليس فيلم "ولاد رزق 3"    متحدث التنمية المحلية: نفذنا 7.6 مليون شجرة بتكلفة 200 مليون جنيه    الثقافة البصرية والذوق العام في نقاشات قصور الثقافة بمنتدى تنمية الذات    دعاء يوم «عرفة» أفضل أيام السنة.. «اللهم لا ينقضي هذا اليوم إلا وقد عفوت عنا»    قبل عيد الأضحى 2024.. شروط الأضحية وكيفية تقسيمها    تحرك برلماني عاجل لمحاسبة الشركات الوهمية المسؤولة عن سفر الحجاج المصريين    حزب الحركة الوطنية يفتتح ثلاثة مقرات في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري (صور)    إليك الرابط.. كيف تفتح حسابا بنكيا من الهاتف المحمول وأنت في منزلك؟    افتتاح معمل تحاليل بمستشفى القلب والصدر الجامعي في المنيا    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، أسرع أكلة وعلى أد الإيد    أوبك: لا نتوقع بلوغ الطلب على النفط ذروته على المدى الطويل    محافظ شمال سيناء يعتمد الخطة التنفيذية للسكان والتنمية    تحرش بسيدة ولامس جسدها.. الحبس 6 أشهر لسائق «أوبر» في الإسكندرية    رئيس هيئة الدواء: دستور الأدوية الأمريكي يحدد معايير الرقابة ويضمن سلامة المرضى    بعد لقائهما بيوم واحد.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالا من نظيره الإيراني    سفاح التجمع يشعل مواجهة بين صناع الأعمال الدرامية    "تموين الدقهلية": ضبط 124 مخالفة في حملات على المخابز والأسواق    شواطئ ودور سينما، أبرز الأماكن فى الإسكندرية لقضاء إجازة عيد الأضحى    الأنبا تيموثاوس يدشن معمودية كنيسة الصليب بأرض الفرح    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا بعد إنقاذه 3 أطفال من الموت فى ترعة بالشرقية    تجديد حبس شقيق كهربا 15 يوما في واقعة التعدي على رضا البحراوي    في وقفة عرفات.. 5 نصائح ضرورية للصائمين الذاهبين للعمل في الطقس الحار    مجانًا.. فحص 1716 شخصًا خلال قافلة طبية بقرية حلوة بالمنيا    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    رئيس جامعة حلوان: المعمل المركزي يوفر بيئة محفزة للبحث العلمي    الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال حجاجنا    الإسماعيلى يستأنف تدريباته اليوم استعدادا لمواجهة إنبى فى الدورى    ضياء السيد: طلب كولر بشأن تمديد عقد موديست منطقي    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    الحماية المدنية تنقذ طفلا عالقا خارج سور مدرسة في الوادي الجديد    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات الخميس    أجواء مضطربة في فرنسا.. و«ماكرون» يدعو لانتخابات برلمانية وتشريعية    قيادي ب«مستقبل وطن»: جهود مصرية لا تتوقف لسرعة وقف الحرب بقطاع غزة    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    الأهلي يكشف حقيقة طلب «كولر» تعديل عقده    ناقد رياضي ينتقد اتحاد الكرة بعد قرار تجميد عقوبة الشيبي    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النيل.. بين الغناء والنوم في العسل!! – مجاهد خلف - الجمهوريه
نشر في مصر الجديدة يوم 19 - 05 - 2010

لم يجد شاعر النيل حافظ إبراهيم عقوبة أشد وأقسي يمكن أن يفرضها الاستعمار البريطاني علي مصر من اللعب في ماء النيل أو تحويل مجراه عن مصر.. وحتي إن فعل ذلك فإنه لن يفت في عضد المصريين ولن يسمحوا لأحد أن يمس كرامتهم أو يتعرض لحياتهم بسوء.. فقال في قصيدة وجهها إلي الإنجليز في أبريل 1932:
حولوا النيل واحجبوا الضوء عنا
واطمسوا النجم واحرمونا النسيما
واملأوا البحر إن أردتم سفينا
واملأوا الجو إن أردتم رجوما
إننا لن نحول عن عهد مصر
أو ترونا في التراب عظما رميما
فاتقوا غضبة العواصف إني
قد رأيت المصير أمسي وخيما
وأمير الشعراء أحمد شوقي كان يري النيل قوة جبارة خارقة لا قبل للبشر بها قال في قصيدة رائعة مخاطبا النيل عنوانها "أيها النيل":
من أي عهد في القري تتدفق؟
وبأي كف في المدائن تغدق؟
ومن السماء نزلت أم فجرت من
عليا الجنان جداولا تترقرق
وبأي عين أم بأية مزنة
أم بأي طوفان تفيض وتفهق؟
أتت الدهور عليك مهدك مترع
وحياضك الشرق الشهية دفق
تسقي وتطعم لا أناؤك ضائق
بالواردين ولا خوانك ينفق
ويختتم القصيدة الطويلة موجها حديثه للنيل:
فاحفظ ودائعك التي استودعتها
أنت الوفي إذا اؤتمنت الأصدق
للأرض يوم والسماء قيامة
وقيامة الوادي غداة تحلق
"وتحلق أي تجف - من حلقت الإبل إذا ارتفع لبنها وجف"
وهذه من النبوءات لأمير الشعراء أو من التقدير الواعي لأهمية ومكانة النيل وأيضا تحذير مبكر من أن اللعب في النيل أو تجفيف منابعه - لا قدر الله - معناه قيام القيامة نهاية النهاية للوادي الذي كان سعيدا..!.
ولشوقي عدد من القصائد التي استلهم النيل فيها. في مقدمتها قصيدته الجامعة "كبار الحوادث في وادي النيل" ملحمة شوقي الكبري التي جعل النيل فيها بمثابة المكان والزمان وجعل حركة الزمن تتوازي وفق حركة النيل وخلوده عبر الزمن. تأتي بعدها قصيدته الثانية "النيل" التي تشكل ملحمة النيل الخالد معددا صفات النيل وما يمثله للبشرية من قيمة.
علي الرغم من أن قصيدة النهر الخالد كتبها الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل إلا أنها ارتبطت في أذهان الناس باسم الموسيقار محمد عبدالوهاب خاصة بعد أن لحنها وغناها.
مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظلال
ظمآن والكأس في يديه والحب والفن والجمال
شابت علي أرضه الليالي وضيعت عمرها الجبال
ولم يزل ينشد الديارا ويسأل الليل والنهارا
والناس في حبه سكاري هامو علي أفقه الرحيب
آه علي سرك الرهيب وموجك التائه الغريب
يا نيل يا ساحر الغيوب
يا واهب الخلد للزمان يا ساقي الحب والأغاني
تجري وتجري هواك نارا حملت من سحرها نصيب
آه علي سرك الرهيب وموجك التائه الغريب
يا نيل يا ساحر الغيوب
وقد غني موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب للنيل عام 1933 للنهر العظيم أغنيته المشهورة..
النيل نجاشي حليوة أسمر
عجب للونه دهب ومرمر
أرغوله في إيده يسبح لسيده
حياة بلادنا يا رب زيده
وها هو شاعر العامية العبقري بيرم التونسي يقف أمام النيل متجليا طالبا شهادته فبما أنه مصدر السعادة والهناء والخير فليكن شاهدا علي السعادة والهناء التي يحياها وينعم بها مع حبيبته.
وقد شدت بها كوكب الشرق أم كلثوم في مطلع الخسمينيات فأضافت إلي سحر الكلمات سحرا آخر.. يقول بيرم:
شمس الأصيل دهبت خوص النخيل يا نيل
تحفة ومتصورة في صفحتك يا جميل
والناي علي الشط غني والقدود بتميل
علي هبوب الهوا لما يمر عليل
يا نيل أنا واللي احبه نشبهك بصفاك
لانت ورقت قلوبنا لما رق هواك
وصفونا في المحبة هو هو صفاك
مالناش لا احنا ولا انت في الحلاوة مثيل
أنا وحبيبي يا نيل نلنا أمانينا
مطرح ما يرسي الهوي ترسي مراسينا
والليل إذا طال وزاد تقصر ليالينا
واللي ضناه الهوي باكي وليله طويل
أنا وحبيبي يا نيل غايبين عن الوجدان
يطلع علينا القمر ويغيب كأنه ما كان
بايتين حوالينا نسمع ضحكة الكروان
علي سواقي بتنعي ع اللي حظه قليل
يا نيل
هكذا كان الغناء والتغني للنيل وبالنيل.. إلي أن انقلب الحال وأصبحنا نعامل النيل أسوأ معاملة حتي يكاد يحتج علينا من المنبع.. أصبح النيل مقلبا للزبالة والنفايات حتي الخطرة منها للمصانع وغيرها والسفن والبواخر السياحية وغير السياحية.. الاعتداءات مستمرة علي جوانبه ليل نهار وعمليات التضييق لمجراه تجري علي قدم وساق وناطحات السحاب علي جوانبه تخنقه وتخنق الناس وتحرمهم من الاستمتاع برؤيته ومشاهدة جماله المتدفق.
الآن أصبح النيل يشكو منا بعد أن كان هو الملجأ والملاذ للشكوي والبوح في ساعات الصفا والأنس والقرب وحتي الغضب.
نسينا النيل وأهملناه وتلاعبنا به في المصب فلعب الأعداء والمتربصون والحاقدون في المنبع.. أخذونا علي غرة.. ولم نستيقظ إلا علي مشروعات تشييد وسدود تبني ومؤامرات تحاك لتغيير الاتفاقات والمعاهدات.. وفوجئنا بحجج وأباطيل وأكاذيب وتطاول من هنا وهناك ومساومات حتي من الأعداء والباحثين والمتطلعين إلي لعب أدوار علي أي صعيد وكذلك الباحثون عن أوراق للضغط والمساومة والكعبلة واللخبطة وما إلي ذلك مما يعتد به علي صعيد المشاغبات الدولية وليس العلاقات واحترام قواعد القانون الدولي أو ما اصطلح علي تسميته ب "الشرعية الدولية".
ومن المفارقات أن تتزامن الحوادث وتجتمع.. أزمة مع دول المنابع.. جنوب السودان علي وشك الانفصال.. وفي الحالتين كنا أشبه بمن ناموا في العسل أو في الوحل علي وجه الدقة ولم ننتبه إلا بعد فوات الأوان وأنه كان من الواجب أن نتحرك مبكرا حتي لا تصل الأمور إلي ما وصلت إليه.. وكما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أفقنا بعد نوم فوق نوم
علي نوم كأصحاب الرقيم..!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.