علماء إسلام : المذهب الأشعري مذهب معتدل يؤكد وسطية الإسلام د.زقزوق : هناك تيارات أضرت بالإسلام وفرقت أبناءه ولا بد من مواجهتها طالب المشاركون في المؤتمر الخامس للرابطة العالمية لخريجي الأزهر بعودة الوسطية والاعتدال المتمثلة في مذهب الإمام أبو الحسن الأشعري ، بالإضافة إلي ضرورة توخي العدل في القضايا و عدم العمل بسياسة الكيل بمكيالين خاصة في قضايا الأمة الإسلامية ، كما طالبوا بنشر التراث الوسطي و إذاعته بين الناس لتقف في وجه نزعات التفكير و التبديع. جاء ذلك خلال الملتقي العالمي الخامس الذي تنظمه رابطة خريجي الأزهر علي مدار أربعة أيام والذي يدور حول " الإمام أبو الحسن الأشعري " إمام أهل السنة و الجماعة " وسطية إسلامية تواجه الغلو و التطرف، تحت رعاية الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر ، و رئيس الرابطة العالمية لخريجي الأزهر ، حيث أكد د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف أن الإسلام دين الوسطية وأن تعاليم الإسلام لا تحيد عن هذا المنهج، فالتوازن بين المادة والروح هو السمة الواضحة التي تسود هذه التعاليم، فالمسلم له أن يتمتع بكل الخبرات الدنيوية التي أحلها الله، و في الوقت نفسه لا ينبغي له أن يهمل مطالب روحه فقد قال الله سبحانه و تعالي " و أتق فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ، والحديث الشريف الشهير الذي يؤكد بوضوح ما قاله النبي صلي الله عليه وسلم في الرد علي الثلاثة الذين جاءوا إليه يسألونه عن التفرغ للعبادة وهجرة كل أمور الدنيا ، فقال صلي الله عليه وسلم ( و الله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، و لكني أصلي وأرقد،وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، و هذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . وأشار د. زقزوق إلي أنه لا يجوز من وجهة النظر الإسلامية وضع المسألة علي أساس أن هناك خصومة بين الدين و العقل، وأن الإنسان في موقف الاختيار بينهما، فهما عنصران جوهريان يتلازمان ولا يتناقضان، والإنسان في حاجة إليهما معاً. وأشار إلي أن الإسلام يعتبر العقل مناط الإنسانية و جوهرها، فإذا عطل بالجهل والغفلة والعمي مسخت بشرية الإنسان وهبط بذلك إلي مرتبة الحيوان ، فالزعم الشائع في تاريخ الفكر الإنساني بأن هناك صراعاً مستمراً وتناقضاً أبرياء بين الدين والعقل أو بين الدين والعلم .. مضيفاً أنه بالرغم من أن الأشعري ظل معتزلياً حوالي أربعين عاماً فإنه بعد أن تمعن في فكر المعتزلة انفصل عنه لأنه وجد فيه تطرفاً وشططاً جعله ينقض ما سبق له أن ألفه في الانتصار لمذهب الاعتزال، ثم ألف كتاباً سماه الجوابات في الصفات و قال عنه : نقضاً في كتاب كنا قد ألفناه قديماً علي مذهب المعتزلة. خلل فكري ولفت وزير الأوقاف نظر الباحثين والعلماء أن عالمنا الإسلامي يموج بتيارات كثيرة منها المتطرف والمغالي في شططه و منها الجامد الرافض للعقل و المعقول، و منهج الأشعري هو المنهج الملائم لعلاج هذا الخلل الفكري ، حتي نستطيع أن نقضي علي هذه التيارات التي أضرت بالإسلام ضرراً بالغاً، و فرقت أبناءه تبعاً و أحزاباً وفي وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلي الاعتصام بحبل الله المتين و الالتزام بالمنهج الوسطي المعتدل الذي هو الصراط المستقيم كما يقول الله عز وجل ( و أن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ). و من جانبه قدم الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر كلمة شكر و ترحيب لجميع الحضور و إلي الإمام الراحل د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق ، وأشار إلي أن الأمة الآن بواقعها المر تحتاج إلي فهم منهج الإمام أبي الحسن الأشعري و ما أحوجها إلي منهج يقدر ثقافة المسلمين و حضارتها قديماً مما كان يتربص بها من مذاهب مقلقة تدير ظهرها للعقل و ضوابطه، و أخري تتغير بالعقل و تحكمه في كل شاردة و واردة، حتي فيما يتجاوز حدوده وأدواته و ثالثة تحكم الهوى و السياسة و المنفعة و تصيغ من كل ذلك عقائد مشوهة تقاتلهم عليها. و أوضح د. الطيب أن الرسالة التي يبلغها المؤتمر للأمة الإسلامية في أزماتها الراهنة تتمثل في نشر التراث الوسطي و إذاعته بين الناس لتقف به الأمة في وجه نزعات التكفير والتفسيق و التبديع، التي فرقت المسلمين و زرعت بين أبناؤها بزوراً من الحقد و الكراهية التي خلقت مناخاً يخشي منه علي وحدة الأمة و قوتها ، بالإضافة إلي احترام التوازن في الجمع بين العقل و النقل و الوقوف في وجه الخصومة المعظمة بينهما و التي تسيطر الآن علي بعض الإفهام. مذهب وسطي و كشف شيخ الأزهر السر في أن الأزهر احتضن منذ القدم هذا المذهب في مختلف العلوم الإسلامية في العقائد و التفسير و الحديث و أصول الدين، و العلوم العربية و طبعه يطبع الوسطية و الاعتدال و مكنه من قيادة الأمة في طريق وسطي بعيداً عن التطرف و عن التميع معاً. و طالب د. الطيب باسم الأزهر دول أوروبا و أمريكا أن تحث صناع القرار في بلادهم علي ضرورة توخي العدل في سياستهم و أن يتوقفوا عن سياسة الكيل بمكيالين في قضايا الأمة العربية و الإسلامية، و أن يتحلوا بالجدية و المسئولية والانصاف و هم يتعاملون مع أية قضية من القضايا في تاريخنا المعاصر ، و علي رأسها قضية الشعب الفلسطيني المشرد والمظلوم. و من جانبه أكد د. عبد الله الحسيني رئيس جامعة الأزهر أن هذا الملتقي ينعقد في ظل ظروف صعبة تعاني منها الأمة الإسلامية من التفكك و الجمود و الفرقة، و أن الأمل كبير في الأمة وعلمائها بالنهوض و الارتقاء بقواعد الدين و أصوله و بيان السماحة و الوسطية و الاعتدال المتمثل في منهج الأزهر و منهج الإمام أبو الحسن الأشعري الذي اقتبس الأزهر منهجه من هذه المدرسة الشاملة لتخريج الأمة من العصبية و التشدد. و نادي رئيس الجامعة الأمة بأكملها للتمسك بمبادئ الدين الإسلامي و إتباع منهج الاعتدال و الوسطية ليصحح صورة الإسلام و المسلمين في نظر الغرب لعدم اتهامه بالغلو و التطرف . لكل زمان ومكان و من جانبه أكد د. علي جمعة مفتي الديار المصرية أن مذهب الإمام العلامة أبو الحسن الأشعري يعتبر مذهب صالح لكل زمان و مكان و مهما ضاعت كتب و مقالات الإمام الأشعري فإن مذهبه باقي بسماحته و عظمته ، لأن مذهبه فيه راحة العقول و الأرواح، فهو يصد كل متعصب و متشدد و مذهبه ممتد لكل الأرواح و المذاهب. و أضاف أن مذهب الأشعري ليس قراراً جاء و مضي بل هو مدرسة تعبر عن عقيدة الصحابة الكرام جمعت فأوعت لأنها مدرسة رشيدة شاملة، تمكنت من جمع كل هذا الشموخ. و أشاد د. علي جمعة إلي أن الإمام الأشعري كان مدرسة التفت حوله الكثير فعمل علي الوحدة و جمع شمل أبناء الأمة و علمائها، كما ندعو للمؤتمر أن يوحد الأمة كما وحدها هذا الإمام العلم الشامخ و البحر الوافر و الجبل الراسي. و أوضح السفير الماليزي بالقاهرة زين العابدين عبد القادر الذي ألقي كلمة الوفود أن الأمة الإسلامية أمام مشكلة في القضايا الفقهية المعاصرة إذ لا يزال تيار الجمود و التشرد منتشراً في وجدان بعض أصحاب الفرق و التيارات، و ما يحدث في بعض البلدان ، من الصراع الفكري و العلماني و المادي أمور تعود بنا إلي التخلف ، وها هي الأمة تقف في حيرة بين الجمود و التشرد و بين التحديث و التجديد و التطوير. و اقترح السفير الماليزي إنشاء لجنة خاصة لتطوير المنهج العلمي الموحد لبناء الجيل المسلم للمستقبل في جميع الدول العربية ، و يؤكد علي دور الأزهر الشريف العالمي لنشر التراث و نشر الوسطية و نبذ التطرف و الغلو في كل أرجاء الدول العربية و الإسلامية.