حكمة وجود الكون خاضعة لمشيئة إلهية لا يحيط بها عقل بشر ، و علينا استشعار عظمته عز و جل في نفوسنا و كل ما حولنا و القيام على أوامره و تجنب نواهيه بالحرص على ضبط النفس عن الشهوات و الآثام و التحلي بحسن المعاملة و العفة و التسامي في شرف و عزة و أمانة في إطار قيم و آداب تحمي المجتمع الإسلامي . تعيش معظم بيوتنا هذه الأيام حالة طوارئ إجبارية بسبب موسم الامتحانات لأبنائنا الطلاب في مختلف المراحل ، أولئك المحتاجون الشفقة منا جميعاً فالأبناء يعانون أشد المعاناة لمقاومة مغريات اللهو من حولهم و التي يتفنن أصحابها بتقديمها بأشد طرق الجذب و الإثارة في هذا الوقت من العام بالذات !! و الحقيقة أننا لا نعرف من هم أعداءنا و أعداء أبناءنا الحقيقيين أهم من الداخل أم هم من الخارج ؟ !! ، و ما الذي ينتظر هؤلاء الأبناء المظلومين أكثر مما يحدث الآن لتدميرهم و لإبعادهم عن القيم الأخلاقية السوية ؟ ، فمن يرعى حقوقهم و يقهر أعدائهم ؟ ، و قد قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ( كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ) . فدنيا الناس في حاجة ماسة لدين الله لضبط مسارها تحت كنف خلق أسوياء يعرفون للإنسان قدره ، و ذلك لإحياء دوره في بناء مجتمع قائم على الأخلاق و يقظة الضمير و تربية السلوك . فتنمية المجتمع الإسلامي لن تكون بمعزل عن حال هؤلاء الأبناء ، فالكل منظومة في عقد واحد ، فأبناء اليوم هم آباء و أمهات الغد و حاملي راية الإسلام . فهموم اللأسرة المسلمة أثقلت عاتقها ، فهي تجاهد اليوم للحفاظ على رزق حلال و أبناء صالحين و تأمل في ذرية طيبة و لا يكون ذلك إلا في ظل تأمين حقيقي على الأبناء بتنشئتهم منذ نعومة أظافرهم على الدين و الخلق فنتجنب نحن و نجنبهم مشقة الجهاد في ظل الظروف السائدة حولنا و لا نعرف ماذا سيحدث لهم من بعدنا ؟ ، و ذلك بمحاولة حقيقية لإكسابهم خبرة السلوك و الفهم الواعي لتبصرتهم للتمييز بين نور الحق و ظلام الباطل لإحاطتهم بسياج من الفكر السليم و الحكمة. كما أن الخلق الإسلامي يأبى استغلال ظروف المرء لأخيه ، فنجد ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية المفروضة على كل الأسر و التي تحيا هذه الأيام كرباً عظيماً خاصة الفقير منهم ، و ذلك بسبب جشع و فساد بعض المدرسين الذين لم يعوا جيداً قوله عليه الصلاة و السلام ( من لا يَرحم لا يُرحم ) كما قال ( و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) ، فكل ما في الأمر أن يكون لدى المرء مراعاة لظروف اخوانه لأنها ليست من ابداعاتهم ، فالخالق عز و جل وحده مقسم الأرزاق قائلاً ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) (الزخرف:32) ، بالإضافة إلى ترسيخ مبدأ كيفية استغلال الآخر و ظروفه في نفوس و عقول أبناءنا فيتحولون لجاحدون حاقدون على كل من حولهم لضيق ذات اليد لأسرهم ، فكيف بعد ذلك نعلمهم قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم – ( و خالق الناس بخلق حسن ) ، و قد شدد الإسلام على وجوب أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه مصداقاً لقوله عليه الصلاة و السلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) و رسول الله جعل هذا الحب إيماناً بالله فيرقى الإنسان بسمو أخلاقه و شمائله إلى مستوى رفيع وذلك بإلتقاء عقله و قلبه و قانون الفطرة الإنسانية الرشيدة داخله فيحيا السعادة المرجوة . * داعية إسلامية وعضو المجمع العلمي لبحوث القرآن و السنة [email protected]