لم تتوقف إدارة أوباما ومبعوثي الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط عن القول إن الولايات لن تتخلى عن إسرائيل ، وسوف تدعمها أكثر من أي وقت مضى كما أن النخبة السياسية الإسرائيلية لا تكف عن ترديد مثل هذه الآراء في كل مناسبة ، وتؤمن بها إيمانا راسخا. ولكن يبدو أن هناك أصوات في إسرائيل تغرد خارج السرب، وتحاول الاستفادة من تجارب الماضي لتتفادى بها أخطاء الحاضر، وهذا ما فعلته القناة الأولى الإسرائيلية، فقد ركزت على الأزمة القائمة مؤخرا بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل ، وتنبأت بانهيار التحالف القائم بين إسرائيل والولاياتالمتحدة خلال فترة حكم اوباما ، واستعانت في ذلك بمقال للبروفيسور (جيري بوسه ) أستاذ العلاقات الدولية بالولاياتالمتحدة ، حيث تقول : ينبغي لنا جميعا أن نتذكر ما حدث للصداقة الرائعة بين إسرائيل وفرنسا ، والتي بدأت في الخمسينات وانتهت بعد حرب عام 1967. في الخمسينات كانت إسرائيل معزولة تماما عن العالم . وفضلت الولاياتالمتحدة مواصلة سياسة تفضيل الدول العربية ، وسايرتها في ذلك بريطانيا العظمى. ورفضت الولاياتالمتحدة الاعتراف الكامل بإسرائيل بعد قرار الأممالمتحدة على إقامة الدولتين ( إسرائيل وفلسطين ) ، حيث كانت الدول العربية واقعة تحت تأثير غربي بحت وكانت شركات النفط الانجلو-أمريكية قد سيطرت على الدول العربية بلا منازع . ففي السنوات الأولى لإقامة إسرائيل كانت مدعومة فقط من جانب الكتلة السوفيتية . ولم تكتفي هذه الكتلة بالاعتراف بإسرائيل وتأييدها تأييدا كاملا ، لكنها أمدتها بالكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية عام 1948 كانت عرضة للانهيار من دونها خاصة عندما فرضت الولاياتالمتحدة وبريطانيا حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل . لقد قامت حكومة بن جوريون بدعم من الأحزاب اليمينية ، وتجاهل كتلة اليسار القوية . وكان السبب وراء ذلك هو محاولة فك الارتباط مع الكتلة السوفيتية والاتجاه بإسرائيل نحو الغرب ، ولكن حتى قيام ثورة الضباط الأحرار في مصر ، وتأميم قناة السويس في عام 1956 من قبل المصريين لم يكن الغرب قد اتجه بأنظاره بعد إلى إسرائيل . أدى تأميم قناة السويس ، وسيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي اليساري مصر وسوريا إلى إثارة الغرب. وخاصة تهديد سيادة شركات البترول في السعودية والدول العربية الأخرى بالإضافة إلى إلحاق أضرار مباشرة بشركة القناة الانجليزية – الفرنسية ، التي سعت إلى القضاء على الانقلاب العسكري. ولم تكن فرنسا ذات ماض طويل في الشرق الأوسط مثل بريطانيا ، التي دعمت قيام تحالف بين إسرائيل وفرنسا يشبه إلى حد كبير جدا التحالف الحالي بين إسرائيل والولاياتالمتحدة اليوم . لقد دفعت فرنسا وبريطانيا " بن جوريون " لمهاجمة مصر والإطاحة بالرئيس عبد الناصر ، وضخوا لإسرائيل الكثير من المعدات العسكرية والطائرات المقاتلة دون حدود ، بل وأمدوا إسرائيل بالتقنية والمعدات اللازمة للمفاعل النووي في ديمونه . استغل البلدان الثلاثة الفرصة ، وفي نهاية عام 1956 هاجموا مصر معا . حيث كانت الطائرات الفرنسية طوال الوقت تمد قوات لواء جولاني بالإمدادات اللازمة لضرب القوا المصرية . وفي 1959 تم انتخاب تشارلز ديجول رئيسا لفرنسا ، واستمر في قيادة الحرب ضد الجزائريين الذين حاربوا من أجل الاستقلال. وتوثقت العلاقات بين فرنسا وإسرائيل على خلفية الحرب في الجزائر ، خاصة في مجال التعاون الإستخباراتي بين إسرائيل وفرنسا . وساعدت إسرائيل الجانب الفرنسي في تصفية زعيم المقاومة الجزائرية " بن بركة ". في عام 1962 انسحبت فرنسا من الجزائر ، وبدأ ديجول يبحث عن سبل للقضاء على التحالف الرائع بين فرنسا وإسرائيل ، والتقرب من الدول العربية. وكما تفعل إسرائيل اليوم .. لم تستطع إسرائيل قراءة مدلولات التحولات السياسية في سياسة ديجول التي بدأت مباشرة بعد حرب عام 1967 ، حيث قدم ديجول إنذارا شديد اللهجة لإسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها ، وألقى حظر كامل على كل المساعدات العسكرية لإسرائيل ، وهو ما احدث صدمة كبيرة في إسرائيل ، حيث كانت جميع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي من إنتاج فرنسا بالإضافة إلى الدبابات والمدرعات التي كانت في معظمها فرنسية الصنع . وبعد أشهر قليلة من الحرب أعلن " ديجول " أن فرنسا حررت نفسها من العلاقة الخاصة والتقارب مع إسرائيل. وفي النهاية توصلت القناة الأولى الإسرائيلية إلى نتيجة استقتها من نظرة على التاريخ الماضي وقالت (لقد عقدت فرنسا تحالفا مع إسرائيل، ونقضته، وفقا لفكر براجماتي تقتضيه مصالحها الخاصة فقط، وأي شخص يعتقد أن الولاياتالمتحدة تتصرف بشكل مختلف.. فهو لا يرى الكتابة البارزة على الجدار، وفي النهاية سيكون فيلم رائع من إخراج أمريكي يظهر فيه أوباما وهو يتوجه بحديثه إلى نتنياهو قائلا: "صديقي بنيامين أعتقد أن هذه نهاية الصداقة الجميلة بيننا".