بلغ تشاؤم بعض العرب مداه من القمم العربية.. لدرجة أنهم تصوروا أن قمة سرت الليبية ستكون آخر القمم الدورية, ولكن زعماء العرب الذين حضروا القمة في ليبيا حافظوا علي مؤسستها, ولم يسهموا في هدمها, وهو هدف حققه الأخ معمر القذافي قائد الثورة الليبية والزعماء العرب وأمانة الجامعة العربية باستحقاق, بل إنهم أضافوا بعدا مهما بإعلانهم أن قمتهم الثانية والعشرين خصصت لدعم القدس والمقدسيين في مواجهة هجمة إسرائيلية شرسة تهدف إلي تهويد العاصمة المقدسة للمسلمين ولكل أصحاب الديانات, فالقدس هي درة التاج والعمود الفقري للقضية الفلسطينية, بها تقام, وبدونها تسقط بالكامل.. فلا دولة بدون القدس.. واحتراق القدس يعني احتراق فلسطين, واحتراق فلسطين يعني احتراق الشرق الأوسط.. كما قال الزعماء الذين حضروا القمة. القمة ردت عمليا علي صراخ نيتانياهو في الأيباك بأن القدس ليست مستوطنة بل عاصمة.. فهي عاصمة فعلا.. ولكن عاصمة لفلسطين.. ولكل بلاد العرب والمسلمين, وأثبتت أن كل طلقات رئيس الوزراء الإسرائيلي فشنك.. ومجرد ترهات لن تنجح.. بل كلها كما نري مناورات مكشوفة لإطالة أمد حكومته اليمينية المتطرفة بعض الوقت, فالقدس هي قرة عين العرب والمسلمين جميعا, ولايمكن قبول مايدعيه اليمين الإسرائيلي حول القدس والمسجد الأقصي والحرم الإبراهيمي, فكلها من التراث الإسلامي, ومحاولة ضمها للتراث اليهودي هي محاولات لن تجدي, إنها تكشف الإفلاس الإسرائيلي في كل أراضي فلسطينالمحتلة منذ عام1948 وحتي الآن, بل لأنهم لم يجدوا أي تراث أو أثر يدل علي أن اليهود كانوا هنا, فلجأوا إلي المساجد وأنبياء الأديان جميعا لكي يتمسحوا فيهم, ويبرروا وجودهم الخاطيء في بلادنا وفي منطقتنا. وإذا استمرت إسرائيل في هذا النهج فسوف تفتح علي نفسها نيران جهنم.. وكل أبواب التاريخ, بل وحتي الأساطير, سوف تكشفها وتعري دعاويها الباطلة في فلسطين. ومن مصلحة إسرائيل أن تلجأ إلي الجغرافيا والسياسة, وليس إلي الأديان والتاريخ والتراث والثقافة والحقوق, فهي بعيدة تماما عنها. لقد أعادت قمة ليبيا الاعتبار لحالة القدس في الوجدان العربي والإسلامي, ولمركزية القدس في قلب قضية فلسطين, وهي نقطة تستحق أن نذكرها بالتقدير للقمة الحالية, ولكننا نتحفظ علي مبلغ ال500 مليون دولار للقدس, فالمدينة الخالدة والمقدسة والمسجد الأقصي تستحق منا أكثر, واليهود يسارعون إلي تخصيص المليارات لتهويد المدينة وإقامة وكنيس في القدس وآخر في الخليل داخل حرم أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام, فالمليارات القادمة من الخارج لإسرائيل تجاوزت14 مليار دولار. ونحن يجب ألا نضن بالأموال علي المدينة وعلي المقدسيين لدعم صمودهم, فلكل مقدسي حق في أموال العرب والمسلمين, ويجب أن يأخذه باستمرار, وبدون قمم أو اجتماعات, بل يجب أن يأتي نتيجة عمل متواصل وحضور مستمر. ما حققته القمة أيضا هو محاولة احتواء دول الجوار والتعاون معها, ومنع تأثيرها السلبي علي قضايا العرب, مثل تركيا التي أثبتت أنها تدخل البيوت من أبوابها, وأصبحت حاضرة مع العرب وتدعم قضاياهم, ولذلك فليس هناك تحفظ من أي بلد عربي علي التعاون معها. أما إيران الجارة الأخري فهي تمارس اللعب بقضايا العرب, وتحاول أن تجعلها ورقة للمساومة مع قضاياها الداخلية, وتقف وراء الأخطار التي تتعرض لها أقطارنا العربية فهي وراء جرائم تحدث في العراق, وهي تضع لبنان أسيرة لحزب الله وتتلاعب بتركيبته السياسية والعرقية القديمة, وأيضا تلعب في اليمن وفي فلسطين, وهي وراء الانقسامات والاضطرابات بين غزة والضفة. كما أن أصابع إيران الخفية وراء الاضطرابات في الشام والخليج العربي, وقد أعطت القمة رسالة لإيران حول الطريق السوي والسليم لإقامة علاقات حسنة مع جيرانها العرب, بلا تآمر علي قضاياهم. لم تحقق قمة العرب الدورية في ليبيا طموحات العرب في العمل المشترك, والعمل السياسي لمواجهة الأزمات والاضطرابات الإقليمية, ولكنها أدركت المخاطر التي تتعرض لها قضايانا المصيرية, وتعاملت معها بسياسة الحد الأدني الممكن والمقبول, وحافظت علي المؤسسات الموجودة, التي وإن لم تحقق أهدافنا وطموحاتنا, فإنها تقلل من مشكلاتنا أو من خسائرنا أو أمام الغير أو من يخطط لابتلاعنا وتدمير مستقبلنا ومنع وحدتنا أو لقائنا العربي المشترك. أما النهوض ومواجهة المشكلات المزمنة والمتغيرات العالمية وملاحقة سرعة الآخرين حولنا من أعدائنا وأصدقائنا علي حد سواء, فتلك قصة أخري ليس مكانها القمة الآن, ويجب أن تكون في المستقبل عندما نصل إلي حالة من النضج وفهم العصر ومقاييسه والعمل بمعاييره.