إيران أولا.. التطبيع مقابل تجميد الاستيطان.. هما شعار المرحلة الحالية من الاتصالات التي تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية سواء عبر المؤتمرات الصحفية والتصريحات التي توجت بزيارات لكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية الى المنطقة وترافقت مع نشر تقارير غير رسمية حول إقامة مظلة دفاعية أميركية في الشرق الأوسط لمواجهة ما يسمى ب«الخطر الإيراني». في المقابل توجد تقارير أخرى حول صفقة إسرائيلية- عربية جديدة مقترحة شعارها «التطبيع مقابل تجميد الاستيطان». ربما تحولت هذه التقارير إلى «بالونات» اختبار تسبق المفاوضات الحقيقية التي لم تبدأ بعد. وعلى سبيل المثال، فقد نشرت صحيفة الشروق المصرية المستقلة- التي لم يمض على صدورها سوى بضعة أشهر- تقارير مطولة على عدة أيام، مفادها أن «مظلة دفاعية أميركية في طور البناء في منطقة الشرق الأوسط»، تشارك فيها مصر والسعودية وتضم منظومة متكاملة من الطائرات والصواريخ وقواعد اتصالات. كما أشارت الصحيفة إلى مشاركة غواصات نووية إسرائيلية في مناورات سرية قبالة السواحل المصرية السودانية. وهذا التقرير يأتي بعد تصريحات لوزيرة الخارجية الأميركية هيلارى كلينتون في بانكوك، قبل أسبوعين، أكدت فيها أن واشنطن تعتزم الربط بين التسوية النهائية للصراع العربي- الإسرائيلي ومجموعة من الترتيبات الأمنية الإقليمية تشمل ضمان أمن منطقة الخليج وإسرائيل ضد التهديد الإيراني، وإيجاد شكل من أشكال الردع في مواجهة إيران. الرد المصري رد الرئيس المصري حسني مبارك على تلك التقارير، وخاصة ما يتعلق بدور بلاده في «المظلة» الدفاعية المقترحة، جاء سريعا، حيث أكد- وبشكل قاطع- خلال لقائه مع قيادات الحزب الوطني في محافظة دمياط الساحلية، على أن مصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا توجد على أراضيها قوى أجنبية. وإن مصر ترفض سياسة القواعد الأجنبية على أراضيها. ويلاحظ أيضا أن الرئيس مبارك قد أشار إلى وجود عروض سابقة قدمتها بعض القوى الكبرى لإقامة قواعد عسكرية على الأراضي المصرية وإدخال بعض المعدات والأجهزة العسكرية، مؤكدا أن بلاده لا تضع مستقبلها بأيدي الأجانب وترفض كل ما يؤثر على إرادتها. جدير ذكره أن فكرة «المظلة» المقترحة ليست جديدة، فقد سبق الحديث عنها في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ولم تنجح. تعاون عسكري «تقليدي» وإذا كانت مصر قد ردت على أحد بالونات الاختبار التي أطلقت حول المظلة الدفاعية الأميركية وقصة منح القواعد العسكرية، فان أبوابا أخرى للتعاون العسكري لا تزال مفتوحة مع أميركا، مثل إقامة التدريبات العسكرية (مناورة النجم الساطع)، والتسليح في ظل ثبات المعونة العسكرية الأميركية لمصر دون تخفيض منذ اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وهي 1,3 مليار دولار، فيما تم خفض المعونة الاقتصادية تمهيدا لإلغائها في غضون سنوات قليلة مقبلة. وتدور التساؤلات في القاهرة حول أسباب الرفض المصري القاطع لتقديم قواعد عسكرية للولايات المتحدة وإجهاض فكرة المشاركة في المظلة الدفاعية الأميركية في ظل وجود اتفاقيات تعاون استراتيجي بين البلدين. ويبدو أن مصر غير مستعدة لتطوير أشكال التعاون التقليدية إلى أشكال أخرى متقدمة مثل إقامة القواعد أو الحصول على تسهيلات دائمة حيث يرتبط هذا التوجه المصري برفض قاطع لاندلاع حرب جديدة في الخليج مستهدفة إيران هذه المرة، إذ تؤكد مصر ضرورة العمل لإيجاد حل سياسي لمواجهة الملف النووي الإيراني يقوم على قاعدة اخلاء الشرق الأوسط بأكمله من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل ويطبق ذلك على إسرائيل وإيران بالمعايير نفسها. وتحبذ مصر العمل بالتوازي على المسارين الإيراني والعربي الإسرائيلي بحيث لا يصبح احد الملفين رهينة للآخر خاصة ان إسرائيل تعمل على عكس المعادلة التقليدية في المنطقة لإعطاء الأولوية للملف الإيراني على حساب الملف الفلسطيني وبقية ملفات الصراع العربي الاسرائيلى للتهرب من دفع استحقاقات عملية السلام وإقامة دولة فلسطينية. التطبيع الممكن وإذا كانت قضية المظلة الدفاعية ستستمر- على الأرجح- كقضية تطرح نفسها بشدة في ظل عدم التوصل الىحل بخصوص الملف النووي الإيراني فان التحول الأخير لإدارة الرئيس اوباما هو دعوة القادة العرب لاتخاذ خطوات تطبيعية تجاه إسرائيل لتشجيعها على تجميد الاستيطان والانطلاق في عملية السلام على كل المسارات، والملاحظ أن هذا التوجه قد احدث خيبة أمل لدى الأوساط السياسية في مصر بعد حالة التفاؤل الشديدة التي أحدثتها زيارة اوباما للقاهرة في 4 يونيو وخطابه التصالحي المعتدل في جامعة القاهرة. ومرة أخرى اضطرت مصر الى الدخول في جدل سياسي علني مع الإدارة الأميركية، فأكدت أنها لن تقوم بتغيير مبادرة السلام العربية وإنقاذها عندما تم الإعلان عنها في القمة العربية الأخيرة. ويلاحظ أن الوزير أبو الغيط قد رد على الانتقادات العربية، خاصة تلك التي جاءت من سوريا، ضد مصر حول مرور غواصتين إسرائيليتين نوويتين في قناة السويس، بالتأكيد أن مصر تطبق اتفاقية القسطنطينية وتراعي كل إجراءات الأمان المتبعة في حالة مرور ناقلات أو مدمرات عسكرية في قناة السويس. وفى إطار قضية التطبيع أيضا يلاحظ أن الرئيس مبارك قد عمد إلى الإشادة باتفاقية «الكويز» الموقعة بين القاهرة وإسرائيل والولايات المتحدة، والى دور هذه الاتفاقية في زيادة حجم الصادرات المصرية إلى الأسواق الأميركية دون جمارك. وإذا ما أضيف إلى جانب اتفاقية «الكويز» ومرور السفن الإسرائيلية في قناة السويس استمرار مصر في استقبال الوزراء الاسرائيلين والى قيامها بدور الوساطة مع الفلسطينيين بمختلف فصائلهم، فان مصر تكون عمليا قد أكدت حدود ما يمكن أن تقوم به من عمليات تطبيع مع إسرائيل ولا يمكن الطلب منها بما هو أكثر من ذلك. مبارك في أميركا من المقرر أن يقوم الرئيس مبارك بزيارة الى واشنطن في منتصف الشهر الجاري، هي الأولى له منذ خمس سنوات، حيث امتنع خلالها عن زيارة واشنطن في حقبة التوتر مع إدارة الرئيس بوش. وإذا كانت الأجواء قد أصبحت مثالية- خصوصا بعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقاهرة- فان «البالونات» التي تطلق هذه الأيام حول المظلة الدفاعية والتطبيع مع إسرائيل، تشير بوضوح إلى أن زيارة الرئيس المصري الى البيت الأبيض ستشهد مناقشة للكثير من القضايا الخلافية في ضوء المواقف والتوجهات المختلفة. فالزيارة ستكون بمثابة نهاية فترة استكشاف المواقف والبدء في مرحلة الأفعال على أرض الواقع المليء بالكثير من الألغام القديمة والجديدة.